لم يكن مفاجئاً أن تُجمع وسائل الإعلام ومراكز البحوث العالمية بصفة عامة، والأوروبية بصفة خاصة، على أن العلاَّمة د. يوسف القرضاوي كان من أبرز العلماء المسلمين، أو أبرزهم على الإطلاق، وأكثرهم تأثيراً؛ فالقرضاوي من الذين تركوا بصمة بارزة ومتميزة، ليس في العالم الإسلامي وحدة، ولكن في كل أنحاء العالم، وقد كان، رحمه الله تعالى، متميزاً ليس في فكره فقط، ولكن في الوسائل التي استخدمها لإحداث التأثير والوصول للجمهور.
في بحث لها بعنوان «الشيخ يوسف القرضاوي في الفضاء الإلكتروني»، تتحدث الكاتبة الألمانية «بتينا جراف» عن الإمام القرضاوي كسلطة عالمية شبه عابرة للدول، وشعبية، لا جدال فيها، حسب تعبير الكاتبة، في جميع أنحاء العالم، بناء على نشاطه في كل من وسائل الإعلام التقليدية والجديدة.
وتقول «جراف»: إن يوسف القرضاوي كان من أوائل العلماء الذين أدركوا أن التعاون مع الصحفيين والمحررين ومنتجي المؤسسات الإعلامية الجديدة من شأنه أن يساعد في استعادة تأثير علماء المسلمين في المجتمعات الإسلامية وفي جميع أنحاء العالم.
مفتٍ عالمي
يقول موقع «آي إفرين» الإخباري: لقد كان القرضاوي عالماً معترفاً به عالمياً، ألَّف عشرات الكتب التي تثبت أنه خبير ديني في شتى المجالات العلمية الإسلامية، وكان مرجعاً دينياً معترفاً به عالمياً له برنامجه التلفزيوني الخاص على شبكة الأخبار العربية الأكثر مشاهدة في العالم «الجزيرة»، وقد استخدم هذه المنصة للترويج للأفكار التي ناقشها عبر كتاباته العديدة، إلى جانب ذلك، ساعد أيضاً في إنشاء وترؤس المجلس الأوروبي للفتوى والبحوث، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهما منظمتان علميتان إسلاميتان عابرتان للحدود، ساعدتا في ترسيخ سمعته كـ»مفتٍ عالمي».
ويضيف: وبناء مع فهمه الشامل للإسلام، كتب وتحدث عن مجموعة واسعة ومتنوعة من القضايا، تبدأ بالعقائد والعبادات والمعاملات الدينية، ولا تنتهي عند الديمقراطية وفلسطين وتغير المناخ، وكل ذلك من منظور إسلامي.
وتحت عنوان «وفاة العالم المسلم والقائد الروحي للإخوان يوسف القرضاوي عن 96 عاماً»، قالت «ميدل إيست آي»: أطلق عليه البعض لقب إسلامي معتدل، بسبب إعادة تفسيره للأمور المتعلقة بالمسلمين في الغرب والدفاع الإيجابي عن الديمقراطية، ولكنه تعرض لانتقادات شديدة من قبل آخرين لدعمه الصريح للتفجيرات الانتحارية ضد أهداف عسكرية «إسرائيلية»، ومعارضة الغزو والاحتلال بقيادة الولايات المتحدة للعراق عام 2003م.
تناقض مزعوم
في بحث منشور على موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، يزعم الباحثان «د. جيكل»، و»السيد هايد»، أن هناك تناقضاً في مواقف د. يوسف القرضاوي، حيث قالا: كان الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس قسم الدراسات السُّنية في جامعة قطر العالِم الإسلامي المعروف، أول من شرع إسلامياً العمليات الانتحارية لحركة «حماس» في العالم العربي السُّني (1995م)، لكنه كان أيضاً من أوائل العلماء المسلمين الذين أدانوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة.
ويمكن الرد على هذا التناقض المزعوم بما قاله حسن حسن، مؤسس ورئيس تحرير مجلة «نيو لاينز»، في مقال بعنوان «القرضاوي يترك وراءه إرثاً معقداً»؛ حيث يقول: إن القرضاوي غيَّر رأيه في التفجيرات الانتحارية في صيف عام 2016م، حيث قال، في يوليو من ذلك العام: كان الإخوة الفلسطينيون بحاجة إلى «تكتيك» لبث الرعب في قلوب «الإسرائيليين»، قالوا لي: إنهم لم يعودوا بحاجة إليها، لذلك أخبرتهم أنني لم أعد أوافق على ذلك.
ويعلق حسن على الفتوى قائلاً: الطريقة التي تنصل بها من الفتوى معبرة، فهو مثل الطبيب يصف الدواء للمريض، ثم يوقف الوصفة عندما يصبح المريض ليس بحاجة إليها؛ ولذلك رفض القرضاوي إدانة هذه الممارسة بشكل عام.
المقاومة ليست إرهاباً
وقد كان موقف القرضاوي واضحاً في التفريق بين المقاومة والإرهاب، لكن يبدو أن الغربيين، حتى الباحثين منهم، لا يحتملون الاختلاف معهم حتى في بعض التفاصيل، أو أنهم لا يفرقون بين الدفاع الشرعي عن الحقوق والعنف للعنف والإرهاب لفرض الاستبداد والهيمنة والأمر الواقع، ويريدوننا أن نكون غربيين أكثر من بعض الغربيين أنفسهم؛ فقد ذكر الباحثان في نفس البحث أن القرضاوي قال رداً على سؤال: كيف يتعامل المسلمون وخاصة في فلسطين مع اليهود؟ أجاب: محاربة اليهود لا تعني أن نعاملهم معاملة غير إنسانية، لكن يجب على كل مسلم أن يعرف أن واجبه في هذا الوضع هو المشاركة في الجهاد ضد اليهود الذين اغتصبوا أراضينا وارتكبوا العديد من أعمال التدنيس لمقدساتنا.
ويذكران في البحث ذاته أيضاً تصريحاً يدعو فيه القرضاوي لتعريف الإرهاب والتفريق بينه وبين المقاومة ويعتبرانه متناقضاً فقط لأنه يطالب بالاعتراف بحق الفلسطينيين في المقاومة، عندما ينقلان قوله: من المهم للغاية تعريف الإرهاب وعدم ترك القضية غامضة كما تريد أمريكا، يريدون تفسير الإرهاب كما يحلو لهم، هناك مؤسسة الوفاء؛ وهي مؤسسة خيرية إنسانية تتعامل مع حفر الآبار وبناء المساجد والمدارس، وليس لها علاقة بالسياسة، تمت إضافتها إلى قائمة الإرهابيين في التقرير السنوي الأمريكي لوزارة الخارجية، الإرهاب هو قتل الأبرياء بلا مبرر، ولا تفريق بين الأبرياء وغير الأبرياء، الفلسطينيون لهم الحق في الدفاع عن أنفسهم، ولكل منهم الحق في أن يفجر نفسه، ويجعل من نفسه قنبلة بشرية، ويفجر نفسه ضد عدوه ليقتله.
لم يكتف القرضاوي بتأليف حوالي 120 مؤلفاً على أقل التقديرات، غير آلاف المحاضرات والبرامج التلفزيونية التي وصلت لمئات الملايين في أنحاء العالم، ولكنه انطلق ينشئ المؤسسات العلمية والخيرية أو يدعو إلى إنشائها، ففي القضية الفلسطينية فقط، وهي وإن كانت قضية محورية بالنسبة له إلا أنها واحدة من قضايا كثيرة كان مهتماً بها، نجده اهتم، كما تقول «ميديل إيست مونوتور»، بإضفاء الطابع المؤسسي على الجهود المبذولة لتحقيق هذه الغايات؛ حيث إنه مقتنع بأن الأمة الإسلامية تمتلك قوة مالية وسياسية واقتصادية هائلة وغير محدودة، مع عدم وجود تقدير حقيقي لهذه القوة التي تجعل من الممكن توظيفها بالشكل الصحيح.
فارس «الربيع العربي»
تحت عنوان «يوسف القرضاوي: باحث وناشط ساعد في إحداث ثورة في مصر»، قالت «ميدل إيست آي»: بينما تجمع مئات الآلاف من الناس في ميدان التحرير بالقاهرة لأداء صلاة الجمعة، في 18 فبراير 2011م، صعد رجل دين مسن إلى المنصة لمخاطبة المؤمنين.
وهو، كما ذكرت «إذاعة صوت أمريكا»، كان قوة رئيسة وراء ثورات «الربيع العربي» عام 2011م في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وهو معروف لدى الكثيرين بأنه قوة بارزة في ثورات «الربيع العربي» التي أطاحت بزين العابدين بن علي، وحسني مبارك، ومعمر القذافي، وهو الذي دعاهم علناً إلى التنحي على قناة «الجزيرة».
___________________________________________________
1- file:///C:/Users/Gamal%20Khatab/Downloads/Sheikh_Yusuf_al_Qaradawi_in_Cyberspace.pdf
3- https://ievren.org/middle-east/yusuf-al-qaradawi-the-muslim-scholar-who-influenced-millions/
4- https://newlinesmag.com/argument/yusuf-al-qaradawi-leaves-behind-a-complex-legacy/