نستكمل في هذه المقالة التحديات التي تواجه التعليم الديني للأقليات المسلمة في العالم، ونقف هنا على التحديات الإعلامية.
التحديات الإعلامية
من وجوه التحدي الإعلامي لتعليم الأقليات المسلمة في الغرب ما يتمثل في طبيعة تلك المادة المقدمة في مختلف وسائل الإعلام الغربية المكتوبة والمسموعة والمرئية، حيث يخاطب الغرب بأفكاره وثقافته شعوب العالم الثالث ومن ضمنها أبناء مجتمعات الأقليات والجاليات الإسلامية الذين يقعون تحت تأثير هذه المواد الإعلامية، وما تحمله من عقائد فاسدة وانحرافات أخلاقية[1].
يسود أوروبا –أيضًا– وفقًا للآلة الإعلامية المهيمنة، بظاهرة “الإسلاموفوبيا” أو “التخويف المرضي” من الإسلام مما ترك أثرًا بعيد المدى على التعامل الرسمي مع واقع المسلمين الاجتماعي والتعليمي والثقافي في الغرب، ومن مظاهره تراجع مفعول عنوان “التعددية الثقافية”؛ وبالتالي اندماج المسلمين بوصفهم عنصرًا سكانيًا بين عناصر سكانية غربية عديدة، له حقوقه وواجباته وحرياته وتصوراته.. كسواه، فأصبح المطلوب “تطويع” العنصر الإسلامي وفق التصورات العدائية تجاه الإسلام والمسلمين عمومًا، ومطالبة المسلمين بالتخلي عن القيم الذاتية (الإسلامية) لصالح القيم العلمانية وما ينبثق عنها، وعلى وجه التحديد “القيم السلوكية” فيما يتعلق بالعلاقة بين الجنسين”[2].
كما أسهم الإعلام الروسي في ترسيخ صورة عدائية للمسلمين عبرت عنه سولينا كوسوفا، الخبيرة في منظمة مكتب موسكو لحقوق الإنسان، في تصريح لها عام 2005 حين قالت: إن ظاهرة كراهية الإسلام والخوف منه راسخة في المجتمع الروسي إلى درجة أنه ليس هناك صحيفة واحدة في روسيا لا تعبر عنها، وأوضحت أن سكان القوقاز الروس يعتبرون في موسكو بمنزلة مهاجرين سود، فرغم تنافس الجمهوريات ذات الأغلبية المسلمة –في الاتحاد السوفييتي سابقًا– في بناء المساجد، فإن هناك معارضة قوية لبناء المساجد والمؤسسات الإسلامية خارج تلك الجمهوريات، كان من ذلك تلك المظاهرات التي شهدتها موسكو في مطلع تسعينيات القرن العشرين ضد وضع حجر الأساس لمعهد إسلامي في تروباريفو، كما كانت هناك مشكلات في فلاديفوستوك عندما كان الميدان الذي سيضم المسجد المزمع إنشاؤه يعلو به 300 متر عن الكنيسة الأرثوذكسية، وهو ما آثار احتجاجات السكان التي عرقلت بناء المسجد [3].
التعليم الديني.. الإهمال والاستبعاد
يظهر التحدي الثقافي بصورة أكثر خطورة في أفريقيا التي يكسوها الإسلام بنسبة أكثر من 60% من سكانها، ولكن الأقليات الموجودة في دول القارة تعاني بالإضافة إلى التذويب الثقافي، والاضطراب العقدي إلى حالة من الفقر الشديد لا يجعلها قادرة على معالجة هذين الخطرين العظيمين.
تشير إحدى الدراسات إلى أن “المشكلة الحقيقية للأقليات المسلمة في أفريقيا هي التعليم، فقد منع المسلمون أثناء الحقبة الاستعمارية من تلقي التعليم الحديث لأن الخيار أمامهم كان إما الحفاظ على دينهم أو التعليم الحديث، كما أن الاستعمار وضع إدارة التعليم الحديث في أيدي الإرساليات التنصيرية التي كانت تهتم بتعميد التلاميذ وتنصيرهم أكثر من اهتمامها بالتعلم، وقد تنضر بالفعل بعض أبناء المسلمين الذين التحقوا بهذه المدارس”[4].
ومن ناحية أخرى، عمد الاستعمار الأوروبي إلى تغيير الوجهة الحضارية والثقافية في أفريقيا، فعمد إلى عزل التعليم الإسلامي وتهميشه، وإلى محاربة اللغة العربية، وقطع العلاقات الثقافية والتجارية بين البلدان الأفريقية والعالم العربي الإسلامي، وأصر على كتابة اللغات الأفريقية بالحرف اللاتيني بدلاً عن الحرف العربي، ولم يختلف الأمر بعد الاستقلال؛ فقد ورث الأفارقة الذين درسوا في مدارس البعثات التنصيرية إدارة شؤون البلاد السياسية والثقافية، فساروا على ذات النهج السابق في أمور التعليم للأقليات المسلمة.
كما يعاني التعليم الديني للأقليات المسلمة هناك من مشكلات هيكلية بسبب الأوضاع المادية والمعنوية المزرية لدرجة أصبحت معها بعيدة عن روح العصر ومتطلباته ومسايرة روحه، فهي لا تتوافر فيها المرافق الحيوية والأساسية سواء من حيث البنايات أو التجهيزات الضرورية، أضف إلى هذا ما تتخبط فيه من مشكلات التسيير الإداري والمراقبة التربوية وانعدام التخطيط التربوي، وذلك لاعتماد هذه المدارس على التبرعات والصدقات حيث لا توفر الدولة لها وعاء للتمويل اللازم.
كما أن هذه المدارس لا تعمل بمناهج موحدة، وتفتقد إلى الاعتراف الرسمي من قبل الدولة الموجودة بها تلك الأقليات، بالإضافة إلى انعدام الفرص الكافية لمتابعة الدراسة في المراحل الأعلى الرسمية وقلة المنح المقدمة، كما أن التعليم الديني للأقليات المسلمة لا يؤهلهم لأية وظيفة أو مهنة سوى إمامة الصلاة أو تدريس العلوم الدينية وهي فرص محدودة لا تلبي طموحات الشباب ولا واقعهم الاقتصادي[5].
يتبع إن شاء الله تعالى.
_________________________
[1] المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، استراتيجية العمل الثقافي، ص17.
[2] نبيل شبيب: “المسلمون في الغرب بين قضاياهم وقضايا الأمة”، في: تقرير أمتي في العالم الحالة الثقافية للعالم الإسلامي، 2011، ص336.
[3] أحمد عبد الحافظ فواز: “المسلمون في روسيا: ما بين الإرث التاريخي والإشكاليات المعاصرة”، مجلة المستقبل العربي، بيروت، عدد (442)، ديسمبر 2015، ص91.
[4] محمد الطيب زين الدين: “الأوضاع التعليمية للأقليات المسلمة في أفريقيا”، مجلة دراسات أفريقية، جامعة أفريقيا العالمية، العدد 26، ديسمبر 2001. ص40.
[5] المرجع السابق، ص44.