قد تبحث عن فرصة عمل في كثير من الأماكن ولا تعلم أنها بين أناملك، لكنها بحاجة أن تخرجها من باطن إبداعك؛ بل قد تكون أكثر تميزاً وتفرداً بأفكار لم توجد من قبل داخل قطاع غزة المحاصَر، فتكون قصة نجاح تنتقل بها من الإنسان العادي إلى الريادي تتحدى بها مرارة الحصار ووجع البطالة.
الصناعة اليدوية
شغف المهندسة عبير الهمص (40 عاماً) للأشغال اليدوية، جعلها تبحث عن كل ما هو جديد في هذا الفن الجذاب، وأكثر الأشغال التي كانت تجذب ناظريها فن الجوخ الذي يعد نادراً العمل فيه بالأعمال اليدوية.
وتوضح الهمص لـ”المجتمع” أنها لم تجد من يُعلمها آلية استعمال الجوخ وكيفية استخدامه في الصناعة اليدوية، إلا أنها حاولت تكراراً في البحث عن ذلك من خلال “يوتيوب”، وبالفعل وجدت وحاولت أن تتعلم خطوة خطوة بكثير من الصبر والجهد، وبعد ذلك سرعان ما أخذت تشكل بأناملها الهندسية زينة للبيت التي كانت تثير إعجاباً كبيراً عند من يراها، وهذه كانت نقطة الانطلاقة أكثر لاستمرار العمل بالجوخ.
وتذكر أن هذا الإعجاب كان بمثابة التشجيع لها على مواصلة العمل وتطويره الذي زاد بشكل لافت أكثر للإعجاب حينما رزقها الله تعالى بطفلها محمد، فكانت تصنع له الدمى مُختلفة الأشكال والألوان، وكانت تثير دهشة الجمال لكل من يراها.
فن الجوخ
ومن الأعمال التي كانت بالنسبة لها نقلة نوعية، أكدت لها أنها متألقة بالعمل في فن الجوخ حينما عملت على إعداد كتاب تفاعلي ملون قد رأته شقيقتها التي أبدت إعجاباً كبيراً به، وطلبت منها أن تعد مثله، ومشغولات تفاعلية أخرى تساعد الأطفال الذين لديهم صعوبة في التعلم.
وتشير الهمص إلى أن تشجيع شقيقتها كان له أثر كبير، وزاد الأمر حينما قدمت هذه الأعمال إلى مؤسسة تهتم بالأطفال الذين لديهم الصعوبة في التعلم، وقد وجدت ترحيباً وإعجاباً كبيراً جداً، والتشجيع على مواصلة العمل من قبل المدرسة؛ نظراً للأهمية الكبيرة لمثل هذه الأعمال التي تعد صناعتها من الصناعات الأولى والمميزة في قطاع غزة التي تساعد في التعلم وبالوقت ذاته تعد صديقة للبيئة.
الريادة وتحدي البطالة
ولطفلها محمد بصمة جميلة في مساعدتها في التفكير الإبداعي من خلال استشارته بالأشياء الجميلة التي ممكن أن تجلب اهتمام الأطفال، فكانت كثيراً ما تستفيد من أفكاره الجميلة رغم صغر سنه.
وكل خطوة نجاح كانت تفتح خطوات أخرى للتقدم في عملها، خاصة بعد أن احتضن مشروعها بتمويل من مبادرة “MEPI”، وإشراف جمعية المستقبل للثقافة والتنمية في رفح جنوب قطاع غزة، وبذلك وسعت مشروعها، إذ عملت على صناعة كتب تفاعلية تناسب أطفال طيف التوحد، وصعوبات التعلم، إضافة إلى صناعة أنشطة للمناهج الدراسية ووسائل تفاعلية تعليمية.
وتقول: إن هذا الأمر شجعني على افتتاح مركز أعقد من خلاله العديد من الدورات التي من خلالها تتعلم الفتيات والنساء آلية صناعة الدمى والكتب التفاعلية وغيرها من الأشغال اليدوية الجميلة بفن الجوخ حتى يستطعن بعد التعلم افتتاح مشروع خاص بهن.
وتجاربها الجميلة جعلت العديد من المؤسسات تطلب منها المساعدة في تقديم استشارات وتدريبات في هذا المجال، والعمل على تحول المشروع من عادي إلى ريادي تتحدى من خلاله الحصار والبطالة.
ومن خلال نجاح هذا المشروع، أعطت المهندسة عبير صورة مشرقة في تحدي البطالة، وأن الإنسان مهما كانت تحيطه من الظروف الصعبة عليه أن يجتهد، وأن يبحث عن المهارات التي في داخله أولاً ويعمل على تطويرها قبل البحث عن أي مكان آخر.