الخبير الاقتصادي البارز، نقيب الصحفيين المصريين الأسبق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة «الأهرام» الأسبق ممدوح الولي، اسم له ثقله في عالم الصحافة الاقتصادية بمصر، ويتميز بالرصانة والموضوعية، والمهنية، وله تقديره في الأوساط الرسمية وغير الرسمية.
«المجتمع» طرحت عليه عدد من أسئلة الساعة، التي تشغل بال المصريين، في ظل الضغوط الاقتصادية العالمية، خاصة بعد تعويم الجنيه المصري لتنخفض قيمته ما يقرب من 17%، مع صعود قيمة الدولار، والإعلان عن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، فتحدث بكل وضوح وصراحة ليتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
بداية ما تقديركم إجمالاً للوضع الاقتصادي المصري؟
– الوضع الاقتصادي المصري الحالي بالغ الصعوبة والقسوة من عدة وجوه، أبرزها وجود عجز تجاري سلعي مزمن ومتزايد القيمة بلغ 44.6 مليار دولار بالعام الميلادي الماضي، وعجز مزمن ومتزايد القيمة بالموازنة العامة للدولة يتوقع بلوغه 558 مليار جنيه بموازنة العام المالي الحالي، ودين خارجي وداخلي حكومي متزايد القيمة وبلا سقف.
الجنيه في طريقه للانخفاض التدريجي حتى العام المقبل
كما يوجد معدل تضخم مرتفع ونسبة فائدة سلبية نتيجة ارتفاع معدل التضخم عن معدل الفائدة المعلن من قبل البنك المركزي، مع استمرار خفض سعر صرف الجنيه المصري، فضلاً عن خروج الاستثمار الأجنبي غير المباشر من مصر، سواء بالاستثمار بالبورصة المصرية أو من مشتريات أدوات الدين الحكومي، الذي تمثل في خروج كثيف القيمة لما يسمى عُرفاً بالأموال الساخنة بلغ 6.1 مليارات دولار بالربع الأخير من العام الحالي، و14.8 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الحالي، أي بقيمة 20.8 مليار دولار خلال 6 أشهر فقط.
بعد اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي، من فرض أجندته : الحكومة أم الصندوق؟
– الصندوق فرض أجندته بالطبع، وتم خفض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار كما طلب، وأتوقع أن يستمر انخفاض الجنيه بالعام القادم استجابة لتوقف الاستثمار المباشر وغير المباشر الوارد لمصر الذي يرى أن قيمة الجنيه المصري مغالى فيها وكذلك تم وسيتم خفض الدعم للمشتقات تدريجياً.
الإدارة المصرية في حاجة ماسة لقرض الصندوق أياً كانت قيمته، لأنه يمثل بالنسبة لها كذلك شهادة ثقة للاقتراض بموجبها من جهات أخرى.
هل مصر بلد فقير حقاً لكي تدور في فلك الاستدانة؟
– المسألة ليست أن مصر بلد فقير، ولكنها تتعلق بمجالات الإنفاق التي لا تتسق مع أولويات المشكلات الجماهيرية، حيث اتجه جانب كبير من الإنفاق بالموازنة ومن الاقتراض الداخلي والخارجي على مشروعات ليست ذات أولوية تنموية ، مثل العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة، وغيرهما مثل «مونوريل» العاصمة الإدارية رغم وجود خط قطار واصل إليها وخطوط نقل بري، ولو كانت القروض قد اتجهت لمشروعات تنموية لكانت الصورة الآن مختلفة.
صندوق النقد فرض أجندته.. والقاهرة بعيدة عن نموذجي لبنان والأرجنتين
هل القاهرة قريبة من النموذجين اللبناني والارجنتيني ؟
– لا أظن ، وفق مؤشرات الحديث الآن، فإن مصر رغم الصعوبات الاقتصادية تجد من يساندها من الدول الخليجية وقت أزماتها، وهي الدول التي زادت مواردها حالياً نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي حالياً.
كما أن هناك مصالح تجارية لدى الدول الغربية مع مصر كسوق استهلاكية يبلغ عدد أفرادها 104 ملايين شخص، إلى جانب مشترياتها الكبيرة من الأسلحة، ووجود مصالح سياسية تتمثل في منع النظام المصري عبور سفن الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وعلاقته الدافئة مع «إسرائيل»، وحرص الدول الخليجية على استمراره.
وإذا كانت الأرجنتين قد امتنعت عن سداد ديونها في بداية الألفية الجديدة، فقد عادت مؤخراً للاقتراض من الصندوق، حتى إنها تعد أكبر دولة مقترضة منه حالياً، وربما يكون النموذج الذي لم يلجأ للصندوق لطلب العون هو ماليزيا في أعقاب أزمة دول جنوب شرق آسيا عام 1997م، وتمكنت بحلولها الذاتية من عبور الأزمة.
كيف ترى الاستثمارات العربية في مصر في الفترات الأخيرة ورفض بعض المصريين لها؟
– أكبر المستثمرين الأجانب في مصر بالسنوات الأخيرة هم بريطانيا والولايات المتحدة وإيطاليا وبلجيكا، إلا أن غالبية استثماراتهم في النفط والغاز الطبيعي، كما يعملون في إطار اتفاقات استثمارية تمكنهم من القفز على عوائق البيروقراطية المصرية.
وزادت استثمارات الإمارات مؤخراً حتى أصبحت تمتلك 5 بنوك تعمل بمصر، واستحوذت على البنك السادس، إلى جانب عدد من الشركات بمختلف المجالات، وكررت السعودية ذلك بقيمة أقل، كما استمرت قطر في الاستثمار بمصر حتى وقت المقاطعة التجارية المصرية لها، وتحتاج مصر لقدر كبير من الاستثمار الأجنبي لتعويض نقص الاستثمار المحلى عن الوفاء بالقدر المطلوب من السلع والخدمات ومن التشغيل للعمالة.
وتتضارب الآراء تجاه مسلك صناديق سيادية خليجية بالإمارات والسعودية وقطر بشراء حصص في شركات مصرية حكومية وخاصة ناجحة، ولكن الحكومة ترى في ذلك البيع للحصص تخفيفاً عنها من تدبير أقساط وفوائد ديونها لهم، التي قامت بعض تلك الدول بإعادة جدولتها أكثر من مرة لتأخير موعد السداد، وكرد للجميل لتلك الدول لمساندتها للنظام المصري خلال الربع الأخير من العام الماضي والربع الأول من العام الحالي، لتعويض خروج الأموال الساخنة المكثف من مصر، حيث قدمت الدول الثلاث « السعودية والامارات وقطر « 19 مليار دولار ساهمت في تعويض خروج حوالي 21 مليار دولار من الأموال الساخنة خلال هذين الفصلين.
أخيراً، ما «روشتكم» لإنقاذ الاقتصاد المصري؟
– المشكلات الاقتصادية المصرية متعددة ومزمنة، ولا يمكن حلها سريعاً، كما لا يمكن حلها بمعزل عن إبعاد التدخل السياسي في القرار الاقتصادي، والأمر يحتاج حتى في حالة السير في طريق الإصلاح لفترة زمنية لاستعادة الثقة المفقودة من جانب القطاع الخاص المصري، بل والأجنبي والعربي، ومن هنا يحتاج الأمر لإجراءات إصلاحية تمهيدية لاستعادة الثقة أولاً ، من بينها : تغيير فكر الجباية السائد، وتقليل الأعباء على المستثمر المحلي، من خلال حزمة من الحوافز الاستثمارية لتعويضهم عما لاقوه من متاعب، والتركيز على القطاع الإنتاجي الصناعي والزراعي بشكل رئيس حتى تعود الثقة تدريجياً خلال السنوات المقبلة، كي يمكن أن نضع روشتة للإصلاح حينذاك.