الإصلاح بين الناس عبادة عظيمة يحبها الله سبحانه وتعالى، والمصلـح هو ذلك الإنسان الذي يبذل جهده وماله من أجل أن يعصم الله به دماء الناس ويحافظ على حياتهم ويبصر طريقهم، وينشد الخير لهم، ويسعى على نفعهم، ويعمل على تحصين المجتمع الإسلامي وحفظ مبادئه وقيمه.
وفيما يلي نتعرف على سير بعض المصلحين الذين رحلوا في مارس:
عبداللطيف الشايع.. والد اليتامى والفقراء
في منطقة المرقاب بمدينة الكويت، ولد العم عبداللطيف علي حمود أحمد الشايع، عام 1336هـ/ 1918م، لإحدى عوائل الأساعدة المقيمين في دولة الكويت، في أسرة انحدرت من بلدة الزلفى بمنطقة نجد.
عمل والده بالتجارة، وأسس شركة نشطت في التجارة مع الهند؛ ما أكسبه حب التجارة منذ الصغر، كما كان والده أحد القائمين على أعمال البر والخير؛ وهو ما أصقله وحببه في هذا الأمر أيضاً، والتحق بالمدرسة المباركية، ومارس التجارة منذ الصغر، واستمر في هذا العمل حتى وفاته.
كان العم عبداللطيف نموذجاً من نماذج العمل الخيري حتى لقب بـ«والد اليتامى والفقراء» وعرف بين الناس بذلك؛ وانتخب عضواً في المجلس البلدي عام 1952م، وكان أيضاً عضواً في اللجنة السابعة للبيوت المتضررة من كثرة هطل الأمطار في المرقاب عام 1954م، وعضواً في مجلس الأوقاف عام 1955م، وعضواً في مجلس المعارف عام 1960م، كما كان أحد مؤسسي الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية.
امتلك العم عبداللطيف قلباً متسامحاً مع الحياة والناس، وكان أخاً صادقاً مع الجميع، ومواسياً كريماً، وكانت مودة الناس لديه فريضة وصدقة، وقد منحه الله حسن التأني والاعتدال والتوسط في كل أمور حياته، وعمل على تربية أبنائه تربية صالحة؛ فكان لهم خير قدوة وقيادة.
كان حريصاً على التعمق في أصول الدين واللغة والشعر، ورافق الكثير من علماء الإسلام وجالسهم، وله جهود كبيرة مع إخوانه في جمعية الإصلاح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذود عن الإسلام.
وكم زار كبار المسؤولين في الدولة مع إخوانه من جمعية الإصلاح سعياً لترسيخ قواعد الدين والأخلاق والقيم في المجتمع الكويتي، والحث على التمسك بالدين، فترك بصمات مؤثرة في نفوس الجميع حتى رحل يوم الخميس 2 صفر1427هـ/ 2 مارس 2006م عن عمر ناهز 85 عاماً.
علي عبدالحليم محمود.. عاشق التربية
يعد واحداً من مؤسسي النظرية التربوية، وكتاباته تعد تأصيلاً لقواعد التربية الإسلامية وأساليبها، إنه د. علي عبدالحليم محمود الذي ولد بمدينة طهطا بمحافظة سوهاج بصعيد مصر عام 1928م، ونشأ في أسرة أغلبها من العاملين بالأزهر الشريف بمن فيهم والده.
حفظ القرآن صغيراً، والتحق بالأزهر بعدما انتقل للقاهرة مع والده عام 1942م حتى تخرج في كلية اللغة العربية؛ ما شجعه أن يكمل دراسته؛ فحصل على الدبلوم في التربية وعلم النفس من كلية التربية عام 1956م، والدبلوم في التخطيط والمتابعة في مجال التعليم نظام الدراسة المطولة نسبياً عام 1961م، ثم درس في المعهد العالي للجامعة العربية حتى عام 1962م.
عمل في «مؤتمر التعليم الإسلامي الأول» الذي عقد في مكة تحت إشراف جامعة الملك عبدالعزيز، قبل أن ينتقل للكويت للعمل أستاذاً في كلية المعلمين عام 1970م وبقي بها عاماً واحداً.
تعرف على الشيخ حسن البنا عن طريق والده الشيخ عبدالحليم في شعبة شبرا وروض الفرج وهو صغير، ثم التحق بمدرسة الدعاة التابعة للإخوان عام 1945م، ومن وقتها أصبح أحد المربين في الجماعة، وقد حاول السفر لحرب فلسطين عام 1948م إلا أن والده رفض.
تعرض للاعتقال عدة مرات، ومنعت كتبه من النشر كثيراً، بل صادرت السلطات العديد منها في أوقات مختلفة، ومع ذلك تركا تراثاً تربوياً عظيماً، ويعدُّ كتابه «وسائل التربية عند الإخوان المسلمين.. دراسة تحليلية تاريخية» من أشهر كتبه وأوسعها انتشاراً.
وله من المؤلفات الكثير، مثل «منهج التربية عند الإخوان المسلمين»، و«التربية الاجتماعية الإسلامية»، و«المسجد وأثره في المجتمع الإسلامي»، و«ثقافة الطفل العربي»، و«التربية الإسلامية في المجتمع»، و«مشكلات الشباب والفتيات»، و«فن تربية الأولاد في الإسلام»، و«التربية الدينية الغائبة».. وغيرها.
ورغم انتشار مؤلفاته، فإنه كان قليل الظهور، وظل كذلك حتى توفاه الله يوم الإثنين 8 جمادى الأولى 1435هـ/ 10 مارس 2014م، ودفن في مسقط رأسه طهطا بسوهاج بمصر.
محمد بن عمر زبير.. من رواد الاقتصاد الإسلامي
ولد د. محمد عمر زبير في مدينة جدة بالسعودية عام 1351هـ/ 1932م، وأحب العلم منذ صغره حتى استطاع أن يتخرج في الجامعة ويحصل على شهادة الدكتوراة في الاقتصاد من جامعة كونيتيكت بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1390هـ/ 1970م.
بعد تخرجه عمل خبيراً بالهيئة المركزية للتخطيط عام 1965م، والتحق بسلك التدريس في جامعة المؤسس عبدالعزيز بكلية الاقتصاد والإدارة، قبل أن يُختار عميداً لها فأميناً عاماً للجامعة فوكيلاً لها، إلى أن عُين مديراً للجامعة عام 1391هـ/ 1971م.
نشط د. زبير في العمل الإسلامي، حتى اختير رئيساً للجنة العلمية بالمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية بجدة، وعضواً مؤسساً بالجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي في لندن ثم رئيساً لها.
كما شارك بصفة «خبير» في دورات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وساهم في الندوات التي يعقدها الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، وعمل عضواً باللجنة الخاصة لتقييم أداء البنك الإسلامي للتنمية.
كانت له عناية فائقة بالاقتصاد الإسلامي، منذ بدايات تأسيسه والتنظير له؛ فرعى أول مؤتمر عالمي للاقتصاد الإسلامي عقد في مكة المكرمة عام 1396هـ، كما شجع على البحث والنشر في هذا المجال، وألف كتاباً بعنوان «دور الدولة في تحقيق أهداف الاقتصاد الإسلامي».
منحه البنك الإسلامي للتنمية بجدة جائزة الاقتصاد الإسلامي للعام 1415هـ، تقديراً لجهوده الرائدة ومساعيه الجادة في سبيل تطوير علم الاقتصاد الإسلامي الحديث.
كان يتصف بصفات القادة والزعماء، وكان صاحب كلمة مسموعة وحكم رشيد؛ لذا تميز بالإصلاح بين الجماعات والفصائل الإسلامية، كالأفغانية والجزائرية والسودانية والفلسطينية، وكان مطلعاً على شؤون هذه الجماعات؛ سياسياً ومحلياً.
كان رحيماً بالأمة، حسن الشفاعة، مجلاً للعلماء، يساعد المحتاج، ما قدر عليه، متواضعاً، يتردد على الحرم، حافظاً للقرآن، مكثراً من الذكر.
توفي يوم الأحد 5 شعبان 1442 هـ/ 18 مارس 2021م، وهو يصلي الظهر بالمسجد المجاور لمنزله بحي الأمير فواز الجنوبي في مدينة جدة.
_______________________________________________
1- من ذاكرة التاريخ: الحاج الفاضل عبداللطيف العلي الحمود الشائع،
2- محمد خير رمضان يوسف: توفي رجل الخير والوجاهة والإحسان، 19 مارس 2021م، ، وانظر: مجلة «المجتمع» الكويتية:
3- المستشار عبدالله العقيل: د. علي عبدالحليم محمود.. العالم والمربي، 26 يوليو 2014م،