«أين هو إلهكم الآن؟!».. تصدر هذا السؤال الاستفزازي شبكات التواصل الاجتماعي في السويد، حيث يسود الإلحاد، تزامناً مع وقوع زلزال تركيا، وذلك بعد تعطيل الأخيرة لانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وموقف حكومتها الحاد من واقعة حرق القرآن في ستوكهولم.
واعتبر متداولو السؤال أن «إله الأتراك المزعوم غير موجود، وإذا كان موجوداً فقد عاقبهم لمواقفهم من السويد»! تعالى الله عما يقولون.
وفي العالم العربي، تواترت فيديوهات لملحدين يزعمون أن الزلازل المدمرة في تركيا وسورية دليل على عدم وجود خالق، مقابل شهادات أخرى لمن عايشوا أهوال انهيار المنازل والمباني، يؤكدون فيها أن جيرانهم الملحدين كانوا أول من استغاث بالله وقت المحنة.
الناشط السوري خالد رعد، أبرز شاهد عيان على ردود فعل من سبق لهم إعلان الإلحاد على مشاهد الدمار خلال وقت الزلزال، وهو ما عبر عنه في منشور جاء فيه: عندما فَتحتُ النافذة كان الناسُ يصرخون خوفًا، صَرخت بصوت أعلى من صرخاتهم: كبَّروا اللّٰه.. أول من صرخ بالتكبير كان جاري المُلحد!
وأعادت تلك المفارقة التساؤل مجدداً بشأن مدى تعبير شبكات التواصل الاجتماعي عن حقيقة وعي وفكر المؤثرين، ومدى تعبير ظاهرة إنكار الإيمان بين الشباب العربي عن إلحاد حقيقي.
يجيب عن السؤال الأول الاختصاصي النفسي والتربوي موسى مطارنة، مشيراً إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي كثيراً ما تظهر شخصيات لا تنتمي لواقعها الحقيقي، إذ تعبر عن حالة فكرية ونفسية ليست واقعية بالضرورة، إذ كثيراً ما يرتدي المؤثرون بالعالم الافتراضي الأقنعة، حسبما أوردت صحيفة «الغد» الأردنية.
ويشير إلى أن مواقع التواصل تعبر عن علاقات مزيّفة، تختلف تماماً عما هي عليه في الواقع الحقيقي، إذ يشوبها الكثير من «النفاق الاجتماعي»، بحيث يتعمد الشخص بأن يظهر أمام متابعيه بصورة لا تشبه أبداً صورته الحقيقية في الحياة الطبيعية.
وعليه، فإن كثيراً من إنكار مؤثرين عبر شبكات التواصل الاجتماعي للإيمان هو تعبير عن «تألحد»، وليس عن إلحاد حقيقي.
الإيمان غريزي عالمي
أما التساؤل الثاني، فتجيب عنه تجارب عالم النفس جيسي بيرنج، الأستاذ بجامعة أوتاجو في نيوزيلندا، التي تعرض فيها متطوعون، بعضهم يزعم أن الإيمان بالآخرة وهْم، لضوء في غرفة، يومض بشكل متقطع.
أظهر الأشخاص الذين زعموا أنهم لا يؤمنون بالآخرة شعوراً بخوف وفزع حقيقي، وقفزت مستويات الإثارة لديهم إلى أقصاها، رغم عدم وجود أي سبب «مادي» للخوف أو الفزع، حسبما أورد موقع «SAGE Journals».
ويخلص بيرنج إلى أن تجاربه تثبت أن معظم الناس يتمسكون بالاعتقاد بأن الموت ليس النهاية، حتى هؤلاء الذين يمكن وصفهم بأنهم عقلانيون متشائمون.
وفي السياق ذاته، يؤكد زميل بيرنج، في الجامعة ذاتها، جامين هلبرشتات، أن معظم الناس يؤمنون بالحياة بعد الموت، واصفاً ذلك بأنه مذهل؛ لأن العلم غيَّر الطريقة التي نفكر بها في كل جانب من جوانب حياتنا تقريبًا، بما في ذلك الموت، ولكن من خلال كل ذلك، ظل الإيمان بالحياة بعد الموت ثابتًا.
ولذا، يرى كثير من علماء النفس أن الاعتقاد في الحياة بعد الموت «غريزي وعالمي»، وأن المعارضين له ليسوا منكرين لهذه الغريزة، لكنهم ببساطة تعلموا قمعها.
آيات منكوبي الزلزال
من هنا، كانت مشاهد منكوبي الزلزال أصدق رد على المحتوى المروج للإلحاد، مستنداً إلى دمار زلزال تركيا وسورية، وهي المشاهد التي كشفت عن تدين فطري يسري في روح البسطاء بلا تكلف، وليس عن المفاهيم التي يروجها دعاة الإلحاد عبر مواقع التواصل.
المفتي العام بسلطنة عُمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، سلط الضوء على هذه الردود، وعلى خروج أشخاص من تحت الأنقاض بعد أيام الزلزال وبقائهم أحياء دون طعام أو شراب، واصفاً ذلك بأنه آية جلية ظاهرة تشير لوجود خالق عظيم وتدل على قدرته، لكن الملحدين يتجاهلون هذه الآيات الواضحة الجلية، حسبما أورد عبر حسابه الرسمي على «تويتر».
ويضيف الخليلي موضحاً: كفى بما ظهر أخيراً في الزلزال الذي حدث في تركيا وفي سورية من خروج أناس من تحت الأنقاض بعد أيام عاشوها في تلك الظلمات ما كان يصلهم إليها طعام ولا شراب ولا هواء، وقد خرجوا أحياء.
ويستطرد مفتي سلطنة عُمان: وكفى بها آية بينة على أن كل شيء مصرف بأمر الله، وأن الأسباب لا تفضي إلى مسبباتها إلا بقدره تعالى، ولكن الملحدين يجحدون ما هو أظهر من الشمس في رابعة النهار.
وإزاء مشاهد الرضا بقضاء الله بين منكوبي الزلزال، وإفادات شهود العيان بشأن استغاثة عديد «المتألحدين» بالله وقت المحنة، جاءت ردود المؤمنين بخلاصة سؤال يقابل سؤال السويديين: «أين إلحادكم الآن؟!»، فالواقع يشهد أن الكل ملحد حتى تسقط الطائرة، وأن حقيقة المؤثرين خلف الشاشات لا تتطابق بالضرورة مع واقعهم أمامها.