قضيت أكثر من 40 عاماً من عمري في مدرجات الجامعات، أكافح لتأهيل الشباب ليساهموا في بناء القوة الإعلامية والمعرفية للأمة، وأعمل لتحقيق حلمي بأن يبني الشباب مجتمع المعرفة كأساس لمرحلة جديدة يتم فيها استثمار الثروة البشرية لإنتاج أفكار جديدة.
وحتى الآن –وقد أوشك العمر أن ينقضي– أعلق الآمال على الشباب الذين يواجهون تحديات جديدة؛ من أهمها أنهم يتعرضون لطوفان من المعلومات والتسلية يستهدف صناعها التأثير على عقولهم واتجاهاتهم ومشاعرهم.
لكن كيف يمكن أن يطور الشباب قدراتهم لاختيار المضمون الذي يساهم في زيادة ثروتهم الفكرية والعلمية والثقافية، ليقودوا عملية تغيير مجتمعاتهم، لتحقيق أهداف عظيمة.
العالم يتغير.. ولكن أين أنت؟!
وأنا أدرس للشباب في الجامعات نظريات الإعلام وفنونه كنت أكافح لتحويلهم إلى قادة ينتجون المعرفة، وينقلونها للجماهير، ويوضحون لها أنها قادرة على تحقيق التغيير، وبناء المستقبل.
كنت أقول لطلابي: إن وسائل الإعلام لا تقوم بتغطية الكثير جداً من أحداث العالم، لكن المعلومات التي توفرها هذه الوسائل توضح أن العالم يتغير، فأين مكانك أنت كمسلم في العالم الجديد، وكيف تساهم في بناء مكانة أمتك ودولتك، وكيف تطور ثروتك الفكرية لتكون مؤهلاً للقيادة عندما يأتي الموقف الذي يحتاج فيه شعبك لعلمك، وخطابك، ورؤيتك، وقراراتك الحكيمة.
لقد جاء الموقف للكثير من الناس، في وقت لم يتوقعوه، فلم يكونوا مستعدين للقيادة، لأنهم لم يؤهلوا أنفسهم بالعلم والمعرفة، وأضاعوا أعمارهم في الحصول على التسلية الرخيصة.
تعرض لوسائل الإعلام.. ولكن حدد أهدافك!
التعرض لوسائل الإعلام يمكن أن يحولك إلى قائد رأي، ويساهم في زيادة ثروتك المعرفية، وتأهيلك للقيادة، ولكي تحقق ذلك يجب أن تحدد أهدافك أولاً، وأن تكون تلك الأهداف واضحة في ذهنك، وتقوم بالتخطيط لتحقيقها عبر فترة زمنية طويلة.
لكي تصبح قائداً يمتلك ثروة معرفية يجب أن تمتلك الذكاء الاتصالي، والقدرة على نقد الوسائل والمصادر، لكي تقرر هل يستحق المضمون الذي تقدمه صحيفة أن تقرأه؟ وهل تستحق المادة التي تقدمها قناة تلفزيون أن تنفق وقتك الثمين في متابعته؟ ولماذا تنفق عمرك تنظر في شاشة تليفونك المحمول؟
إن لم تحسن السباحة، وتجيد فن الإبحار، يمكن أن تغرق في طوفان المواد المسلية التي صنعتها لك الشركات الغربية لتستلب عقلك وقلبك، وتحولك إلى تابع للثقافة الغربية، فتفقد إمكانيات التعبير عن ثقافتك الإسلامية، ولا تستطيع إنتاج أفكار جديدة، فالتابعون يرددون بدون وعي أفكار الغرب دون تجديد، ودون وعي بصلاحيتها لشعوبهم، فتفقد الجماهير الثقة فيهم، وتكرههم.
القرار الأول: حرية اختيار الوسيلة
هناك الكثير جداً من وسائل الإعلام التي تتنافس على جذب انتباهك، باستخدام الكثير من الأساليب التي طورها علماء النفس، لكن هل أصبح الإنسان بالفعل يتمتع في هذا العصر بحريته في اختيار الوسائل الإعلامية؟
دراسة الإعلام العالمي توضح أن حرية الاختيار محدودة، فمعظم وسائل الإعلام في الغرب تسيطر عليها الشركات عابرة القارات، وتستخدمها في التلاعب باتجاهات الجماهير.
أما في دول الجنوب الفقيرة فالسلطات تسيطر على معظم الوسائل، لتقوم بإخفاء الحقائق عن الأزمات التي تواجهها هذه الدول بسبب الفساد وسوء الإدارة.
وأدى ذلك إلى انتشار التزييف والتضليل والإثارة والدعاية والتعتيم على الحقائق.. فما الحل؟
أنت المسؤول عن حماية عقلك!
الدولة مسؤولة عن توفير التعليم الذي يؤهل الفرد للحياة في هذا العصر، وحماية صحته العقلية والنفسية، لكن معظم النظم التعليمية في الدول لا تقوم بهذه الوظيفة؛ لذلك أنت مسؤول عن نتائج تعرضك لوسائل الإعلام، ويجب أن تسأل نفسك: ماذا يمكن أن أستفيد من التعرض لهذه الوسيلة؟ وهل يمكن أن يساهم المضمون الذي أحصل عليه منها في زيادة ثروتي الفكرية؟
واجه نفسك بحقائق مهمة، هي أنك تحتاج لترشيد مسيرتك في الحياة، وأنك تحتاج إلى معرفة تجعل لحياتك معنى، وأنك يجب أن تقاوم من يحاول أن يدفن في رأسك نفايات الغرب الثقافية!
إن وعيك بالخطر يزيد قدرتك على الدفاع عن ذاتك وعقيدتك وحقك في المعرفة، وحماية عقلك، ولكي ترشد قراراتك باختيار الوسائل التي تتعرض لها يجب أن تدرك مكانتك في الكون، وأنك إنسان كرمه الله تعالى؛ لذلك يجب ألا تضيع حياتك في التفاهة والسطحية.
نفسك ستنازعك كثيراً، وتغريك بقضاء وقت ممتع، لكن إن أطعتها يمكن أن تفقد فرصة مهمة في الحصول على معرفة تزيد مكانتك الاجتماعية، وتساهم في بناء قوتك العقلية.
الاستخدام الإيجابي لوسائل الإعلام
لكي تتمكن من زيادة ثروتك المعرفية، يجب أن تطور قدراتك لتصبح مستخدماً إيجابياً لوسائل الإعلام؛ فهذا المفهوم يمكن أن يحول الفرد إلى فاعل في البيئة الاتصالية العالمية، ويساهم في زيادة قوة دولته.
المستخدم الإيجابي يبحث في الوسائل الإعلامية عن المضمون الذي يحقق أهدافه، ثم يحلله، ويفسره، وينقده، وينتج مضموناً جديداً يقوم بنقله إلى جمهوره باستخدام الاتصال المباشر، أو عبر وسائل الإعلام الجديد، ويستطيع أن يتفاعل مع الآخرين، ويدير الحوار معهم حول الأحداث، فيعرض وجهة نظره، ويعبر عن رأيه.
هذا الدور يزيد قوتك ومكانتك الاجتماعية، ويؤهلك لتصبح قائداً للرأي، وعندما تؤهل نفسك للقيام بهذا الدور تتراكم ثروتك المعرفية مع الزمن، وتصبح قائداً للمعرفة، وهذا الدور يشكل أساساً لقوة المجتمعات خلال القرن الـ21.
مراقبة البيئة لاكتشاف الفرص
من أهم الوظائف التي تقوم بها وسائل الإعلام «مراقبة البيئة»؛ فماذا يعني ذلك؟
أنت تحتاج لوسائل الإعلام لكي تفهم العالم، وتشكل رؤيتك له، وتتابع الأحداث؛ فتفهم ما يدور حولك، وتكتشف الفرص التي يمكن أن تتيحها لك التغيرات في الدولة، وفي العالم.
وفي فترات التغيير تتعرض المجتمعات للكثير من الأخطار والتحديات، ووسائل الإعلام تحذر المجتمعات لتزيد قدرتهم على المواجهة.
لذلك، يمكن أن تحدد أول أهدافك من التعرض لوسائل الإعلام في اكتشاف التحديات والأخطار لتقوم بدورك في قيادة مجتمعك لمواجهتها، فالقائد هو الذي يتقدم لمواجهة الخطر.
العالم كله يتعرض الآن لأخطار تهدد وجوده، وهذا العالم سيكون مختلفاً تماماً خلال سنوات قليلة، وهناك دول ستصعد لتحتل مكانة مهمة، وتتمكن من بناء قوة سياسية واقتصادية في الوقت الذي ستشتعل فيه حروب أهلية في الكثير من الدول تهدد وجودها، وتدفعها للانهيار.