جاء في عدة روايات أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الصحابي تميم الداري رضي اللَّه عنه «بيت حبرون»، وهي الخليل الآن.
وجاء في «معجم البلدان» (2/ 212): حَبْرُون اسم القرية التي فيها قبر إبراهيم الخليل عليه السلام بالبيت المقدس، وقد غلب على اسمها الخليل.
إن ثمـة وثائـق تؤكـد بالنـص الصـريـح أن الوقـف الإسـلامي الأول في فلسطين هو الذي أوقفه الرسول صلى الله عليه وسلم مرتين في مدينة الخليل (حبرون) على تميم بن أوس الداري وإخوته (وهم من لخم) مرة قبل الهجرة، ومرة بعدها؛ وذلك كان بشارة نبوية إعجازية تؤكد هوية فلسطين الإسلامية، قبل فتحها في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه(1).
ويعد هذا الإقطاع من الخصائص النبوية، فليس لأحد من الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع أحداً من الرعية شيئاً لم يدخل في ملك المسلمين، وهو أيضاً من المعجزات النبوية وبشرى من الرسول صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأرض المباركة ستؤول إلى المسلمين، وقد وقع ذلك فعلاً بعد زمن قصير من الإنطاء النبوي، فكان فتح بيت المقدس وفلسطين في السنة الخامسة عشرة من الهجرة النبوية، وبعدها استلم الداريون أراضي الإقطاع، ثم أقبل المسلمون الفاتحون لبيت المقدس وفلسطين فيما بعد على وقف كثير مما يملكون من أراضيها وعقاراتها في وجوه الخير والبرّ، فما من ذرة من ترابها إلا أوقفت وقفاً إسلامياً صحيحاً من رأس الناقورة شمالاً إلى أم الرشراش (أَيْلَةَ) جنوباً(2).
ولما فتحت في عهد عمر وفّى بوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوقفها تميم على ذريته وعلى خيرات حددها، فهو أول وقف بالإسلام في أرض فلسطين، وقد ذكر المقدسي في كتابه «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم»: «.. وجود دار ضيافة دائمة مع خباز وطباخ وخدام يقدمون العدس بالزيت لكل حاجّ أو زائر يمر بمدينة الخليل، وهذه الضيافة والإطعام من وقف تميم الداري رضي الله عنه»(3).
وقد وردت قصة الإنطاء النبوي الشريف بعدة روايات (ورد بلفظ أنطى وأقطع وهما بمعنى واحد)، منها رواية كتاب «الخراج» (ص 132): قال مؤلفه قاضي القضاة أبو يوسف رحمه الله: «.. فقام تميم بن أوس الداري فقال: يا رسول الله، إن لي جيرة من الروم بفلسطين لهم قرية يقال لها حبرون وأخرى يقال لها عينون، فإن فتح الله عليك الشام فهبهما لي، فقال: «هما لك»، قال: فاكتب لي بذلك كتاباً، فكتب له: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله لتميم بن أوس الداري أن له قرية حبرون وبيت عينون قريتهما كلها وسهلها وجبلها وماءها وحرثها وأنباطها وبقرها ولعقبه من بعده ولا يُحاقُّه فيها أحد ولا يَلِجُها عليهم أحد بظلم، فمن ظلم واحداً منهم شيئاً فإن عليه لعنة الله»، فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه كتب لهم كتاباً نسخته: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من أبي بكر أمين رسول الله الذي استخلف في الأرض بعده، كتب للداريين ألا يفسد عليهم سندهم ولبدهم من قرية حبرون وعينون، فمن كان يسمع ويطيع الله فلا يفسد منهما شيئاً، وليقم عمرو بن العاص عليهما وليمنعها من المفسدين»(4).
لقد كان وقف تميم الداري من أقدم الأوقاف في تاريخ المسلمين، فضلاً عن أوقاف فلسطين، ولم يسجل إلا في سنة 1096م، وكان مصروفاً على منطقة الخليل، وأصبح يشمل أكثر من 60% من منطقة الخليل، وكان دخله سنة 1947م يصل إلى 15 ألف جنيه فلسطيني، غير أن الصهاينة استولوا على أراضيه وعقاراته بما يزيد على 500 دونم بموجب القرار العسكري رقم (59) بحجة الأمة تارة، وبحجة أن أراضيه أميرية؛ لأنها خارج مدينة الخليل(5).
في عام 2017، تقدمت عائلة «آل تميم» في الخليل (جنوب القدس المحتلة) بشكوى لهيئة مكافحة الفساد الفلسطينية ضد رئيس السلطة محمود عباس، بعد أن أصدر قرار استملاك أرض وقف إسلامية ومنحها للكنيسة الروسية.
وشهدت مدينة الخليل (جنوب القدس المحتلة) آنذاك حراكًا ووقفات تدعو لرفض منح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أرض الصحابي تميم الداري التي تبلغ مساحتها 72 دونماً لكنيسة المسكوبية فيها بعد استملاكها من قبل السلطة، رغم أنها أرض وقف إسلامي.
وفي عام 2020، قررت محكمة العدل العليا إلغاء قرار عباس باستملاك أراضي وقف تميم الداري في مدينة الخليل ومنحها لصالح البعثة الروسية.
وحكمت المحكمة آنذاك بعودة الأرض المصنّفة كوقف إسلامي يمنع التصرف بها إلا من قبل صاحب الوقف من آل التميمي.
_______________________
(1) موقع «إسلام ويب»، علاقة المغاربة بفلسطين (الرحلة والوقف)، الفصل الخامس النشأة التاريخية للأوقاف في فلسطين، المبحث الثاني أوقاف تميم بن أوس الداري، د. حسن يشو.
(2) موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مقال «الإنطاء النبوي لتميم الداري معجزة وبشرى بهوية فلسطين الإسلامية»، د. تيسير رجب التميمي.
(3) موقع «الإسلام سؤال وجواب».
(4) منتدى العلماء، مقال «أول إقطاع في الإسلام وقف الرسول صلى الله عليه وسلم لآل تميم الداري في فلسطين»، د. تيسير التميمي.
(5) موقع «إسلام ويب»، مرجع سابق.