لم يسع مفتش الشرطة الصهيوني يعقوب شبتاي في تسجيل صوتي مسرب خلال أحد اجتماعاته، في تعقيبه على جرائم القتل المتصاعدة في الداخل الفلسطيني المحتل، إلا أن يتهم العرب بأن العنف جزء من ثقافتهم العربية حيث قال: «لا يمكن فعل شيء حيال ذلك، إنهم يقتلون بعضهم، إنها طبيعتهم، هذه هي عقلية العرب»!
تصريح شبتاي يعبر بالضرورة عن الأفكار العنصريّة الاستعلائيّة للصهاينة، فبالعودة إلى استطلاع للرأي؛ أجرته «القناة الإسرائيليّة 13»، أخيرًا، قال 46% من المُستطلعين: إنّ القيادة العربيّة تتحمل المسؤوليّة عن الجريمة في المجتمع العربيّ، بينما حمّل 6% الشّرطة المسؤوليّة فقط.
العنصرية الصهيونية
فيما يذهب المراقبون إلى أن الطّبيعة العنصريّة المُؤسسة لكيان العدو تجاه العرب على مدار عقودٍ، هي من أسس لأنماط العنف والجرائم الحالية، فجرائم التطهير العرقي التي مارسها الكيان منذ بداية الاحتلال والحكم العسكريّ مفعم بقوانينه التمييزية لصالح اليهود.
هذه الروح الإجرامية هي ذاتها التي تنفخ في غول الجريمة في الداخل الفلسطيني المحتل، التي ترعاها المؤسسة الرسمية الصهيونية، واضعين ما يسمى بهيبة الدولة في أسفل جدول الاهتمامات، دون أدنى خوف من وصول الجرائم للمجتمع اليهودي، وهو دليل إضافي على أن المؤسسة الأمنية الصهيونية هي من تمسك بخيوط الجريمة وتحركها كيفما تشاء صعوداً وهبوطاً، ارتباطاً بتنامي الروح والنزعة القومية بين الفلسطينيين في الداخل المحتل.
الأمر الذي عبر عن نفسه بهبة الكرامة إبان معركة «سيف القدس» عام 2022م، والروح الانتقامية التي تغلب على الأحكام الصادرة بحق الشباب المتهمين بالمشاركة في هبة الكرامة، على وقع وتنامي جرائم مصادرة الأرض، وهدم البيوت، والاعتقال والإبعاد في الداخل المحتل.
تشير آخر الإحصاءات حول الجريمة في الداخل المحتل إلى أن 57 جريمة وقعت خلال يونيو الماضي تنوعت بين جرائم طعن ودهس وإطلاق نار، وأن 17 منطقة خيّم عليها الحزن خلال يونيو لجرائم القتل التي أدت لمقتل 25 فلسطينيًا.
ويسوق المراقبون مزيداً من الأدلة على رعاية المؤسسة الرسمية الصهيونية للجريمة في الداخل الفلسطيني، على سبيل المثال:
– لم تقدّم الشّرطة الصهيونية لوائح اتهامٍ بحق مرتكبي الجرائم، وبناء قاعدة أدلّةٍ قوية سوى لـ10% من مجمل جرائم القتل.
– غياب تطبيق للقوانين الرادعة يحفّز مجموعات الجريمة المنظّمة (المافيا) للاستمرّار في النّشاط والازدهار.
– ارتفاع نسبة جرائم قتل الفلسطينيين في الداخل المحتل بستّة أو سبعة أضعاف مقارنةً مع الضّفّة الغربيّة، وقطاع غزّة، والدّول العربيّة.
– ارتفاع أرقام السّلاح المنتشر بين الفلسطينيين في الداخل، معظمها يعود أصلها إلى معسكرات الجيش والمؤسسة الأمنية.
الجرائم المروعة المتواصلة على وقع ارتفاعٍ غير مسبوقٍ في أعدادها هذا العام، وصلت حتّى الآن إلى أكثر من 105 جرائم في نصف عامٍ فقط، وهي ذات النسبة من جرائم القتل التي تقع في عامٍ كاملٍ، قياساً بمعدلات الجرائم في السّنوات السابقة، التي وصلت إلى أكثر من 1800 قتيل منذ عام 2000م.
جرائم تخلف جرحى وقتلى وعائلات ثكلى وأرامل وأيتاماً وقلوباً معتلة وصدوراً مليئة بالحقد والغضب والرغبة في الانتقام؛ ما يصنع دورة لا متناهية من جرائم القتل والثأر والانتقام وشلال دم لا ينتهي.
كما يخلف هذا الوضع حالة من الخوف بين الفلسطينيّين في الدّاخل، من أنّ يطالهم رصاص الجريمة؛ ما يصنع بيئة طاردة يراهن العدو أن تدفعهم في النهاية إلى التفكير في الهجرة، وبذا يحقق العدو الصهيوني هدفه المنشود في إفراغ الأرض من سكانها، سواء على يديه بشكل مباشر، أو على أيدي الجريمة المنظمة التي يرعاها ويغذيها.
وما يرجح هذا التحليل، التصريح الصريح الذي هدد به رئيس «الشاباك» السابق آفي ديختر الفلسطينيين في الداخل المحتل بعد يومين من تفجّر هبّة الكرامة في الدّاخل عام 2022م، وارتقاء شهداء، بقوله: «ستدفعون الثمن (عن المظاهرات) غاليًا، ما لكم أنتم والضّفّة و«الأقصى»؟! سيأتي وقتٌ تكونون فيه عالقين بينكم وبين أنفسكم».
أما أدوات تنفيذ المخطط الصهيوني برعاية الجريمة المنظمة، فيعتقد المراقبون أن جزءاً منهم هم العملاء، الذين هربوا من الضفة وغزة بعد كشف عمالتهم، ويستدل المحللون على صحة هذا الرأي بقيام «الشّاباك» بعد عام 2000م باستقدام عائلات عملائه من الضّفّة الغربيّة وقطاع غزّة، للسكن في الدّاخل الفلسطينيّ، مع منحهم تراخيص للسّلاح، استخدم قسمٌ منه لاحقًا في ارتكاب جرائم.
كما يعمل العدو على توظيف جيش العاطلين عن العمل والكسالى والمدمنين والجشعين مالياً للانخراط في الأعمال الإجرامية التي تستهدف ضرب بنية المجتمع وتفتيت صموده.
في وقت تنقل فيه وسائل إعلامٍ صهيونية تصريحات تناقلتها عن مسؤولٍ كبيرٍ في جهاز الشّرطة، يقول فيها: «البلطجيّون الذين يقودون الجريمة المنظّمة في المجتمع العربيّ غالبيتهم عملاء «الشاباك»، في هذه الحالة أيدي الشّرطة مكبلة، لا يمكن الاقتراب من هؤلاء العملاء الذين يتمتعون بحصانة».
الأمر الذي يبرر تمنع جهاز «الشاباك» الضلوع في تحقيقات جرائم القتل في الداخل الفلسطيني، بعد أنّ طلب رئيس حكومة العدو نتنياهو، لتخوفه ربما من انكشاف الأدوات الّتي يستخدمها ضدّ ما يسميه «الإرهاب»، في حال أُجبر على إحالة المشتبه به للمحكمة.
إلا أن رئيس جهاز «الشاباك» رونين بار عبر أخيراً عن دعمه لتوسيع انخراط ومشاركة «الشاباك» في جهود مكافحة الجريمة في المجتمع العربي، وذلك في إطار قانون «الشاباك» الحالي.
وقد ضع «الشاباك» شروطاً للمشاركة في مكافحة الجريمة في المجتمع العربي، بما يضمن له الحصول على غطاء قانوني لعملياته، وعدم الكشف عن أدواته وقدراته حتى أمام الهيئات القضائية ذات الصلة.
الأمر الذي يخشى معه أن يصبح المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل مع الوقت مجرد ملف أمني على طاولة الأجهزة الأمنية، الأمر الذي يرسخ أدوات الحكم العسكري بحيث يتم توظيف عنوان مكافحة الجريمة، لمكافحة أي نشاط فلسطيني على خلفية قومية، ما يهدد جميع الأنشطة الفلسطينية الاجتماعية والسياسية وربما حتى الدينية.
خيارات ممكنة لمواجهة الجريمة المنظمة:
1- أن تتداعى كافة قطاعات فلسطينيي الداخل؛ من قوى مجتمعية وعائلية وسياسية، لعقد ورش عمل ومؤتمرات شعبية ووطنية بشكل تصاعدي وصولاً إلى عقد مؤتمر وطني عام لمواجهة هذه الظاهرة المستفحلة.
2- إعادة الاعتبار للهدف الوطني الجامع لشعب تحت الاحتلال، وبناء مرجعية وطنية ذات إجماع، تعمل على إعادة إنتاج البرنامج الوطني وقيمه العليا وتوفير أدواته، في مواجهة محاولات تفكيك الشعب والمجتمع الفلسطيني في الداخل، ليأخذ فلسطينيو الداخل دورهم الكامل في إطار الرؤية الوطنية الشاملة، لتتكامل الجهود التي تستهدف إسناد صمود شعبنا حتى التحرير والعودة مع منظمة التحرير ومع مختلف القوى والأحزاب والفصائل الفلسطينية في الضفة وغزة والقدس المحتلة.
3- تعزيز لجان إفشاء السلام والإصلاح العشائرية، وتطويرها، ورفدها بقوى بشرية تطوعية قوية، لتصبح لها سلطة معنوية ومادية على ملاحقة ومعاقبة المجرمين ومنع الجريمة قبل وقوعها.
4- تكليف خلايا تفكير متقدمة لوضع خطط وازنة، تعمل على تحويل هذه المحنة إلى منحة، بحيث يصبح سلاح الجريمة الذي تموله المؤسسة الأمنية الصهيونية وبالاً عليهم، ليرتد رصاصهم إلى صدورهم، بما يحول فلسطينيو الداخل إلى جبهة مقاومة متقدمة داخل غرف نوم العدو.
5- تنظيم حملات توعية دينية متواصلة في المساجد والكنائس، لفضح هذه الظاهرة ومن يقف خلفها، وإصدار فتاوى تحرم ظواهر القروض بالربا وتحريم التعامل مع المجرمين والقتلة.
6- إسناد حملة التوعية بوضع مادة دراسية للطلاب في المدارس العربية لمعالجة مبدئية لهذه الظاهرة.
7- تعزيز دور لجنة المتابعة للجماهير العربية، وصولاً إلى تحولها إلى سلطة ذات أدوات تنفيذية رادعة لكل ما يستهدف المجتمع الفلسطيني.
8- تشكيل لجان حراسة شعبية في كل أحياء ونواحي المدن العربية، لمنع الجريمة قبل وقوعها، ولمعاقبة القتلة، وفضح رموز الجريمة، وإبلاغ شرطة الاحتلال بذلك حتى لا تتهم بتجاوز القانون.
9- حصر كافة الأسماء التي تقف وتشارك في الجريمة وفضحها على الملأ وعبر كل وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلان عن مقاطعة مجتمعية لكل من هو متورط في قضايا القتل.
10- مقاطعة كل العملاء وأبنائهم الذين فروا من المناطق الفلسطينية المحتلة.
11- دعوة المجتمع الدولي ومؤسساته للتدخل بسبب تقصير حكومة الكيان وأجهزته الأمنية في وقف الجريمة في الوسط الفلسطيني.
12- محاولة خلق نماذج في قرى وأحياء بشكل أولي، لناحية طرد كل من له علاقة بالجريمة المنظمة، ومنع دخول المشبوهين بتورطهم في الإجرام إليها.
13- التفكير في مراحل لاحقة في إنشاء شركات حراسة مرخصة لمكافحة الجريمة والمجرمين بكل الوسائل التي يكفلها القانون.
من الجدير بالذكر أنه تم مشاركة عدد من الكتَّاب والمفكرين عقولهم في اقتراح بعض الحلول والخيارات أعلاه.