بقلم- نجدت كاظم طه:
فضيلة الشيخ حفظكم الله..
سمعت منكم مقابلة تلفازية أنكم تسعون إلى إنشاء مؤسستين؛ الأولى تهتم بدعم الطلبة الفائقين في العالم الإسلامي، وقد أنشئت هذه المؤسسة بالفعل في دبي عند زيارتكم لها قبل أشهر، والثانية تهدف إلى توحيد علماء المسلمين تحت “اتحاد العلماء” ليكون مرجعاً علمياً للمسلمين كافة، ومن الأمور التي نرى أن الأمة تحتاجها كذلك أشد الاحتياج ونأمل أن تدخل في دائرة اهتمامكم وسعيكم “إنشاء مؤسسة للسينما الإسلامية”، ونعني بذلك أن تتكفل هذه المؤسسة بإنتاج كل ما يتعلق بالإعلام المرئي من أفلام ومسلسلات وبرامج وأفلام الرسوم المتحركة إضافة إلى الأناشيد المصورة وأفلام الفيديو بأنواعها.
وتعود أهمية إنشاء هذه المؤسسة إلى كونها تعتمد الصورة الحية بما لها من تأثير فعال على المشاهد، فالصحف والمجلات قد تراجع تأثيرها بعد اختراع السينما والتلفاز، وصولاً إلى القنوات الفضائية بأقمارها الصناعية، وهنا يبرز رأي ذكره يوماً د. إسماعيل الشطي حيث يقول: “الإعلام ليس إصدار صحيفة ولا مجلة، الإعلام إصدار رواية سينمائية، مسلسل تلفزيوني، برنامج فكري، برنامج ثقافي، مسرحية إسلامية، أمور تقدم المتعة والبهجة للناس، وتضع فيها الفكرة والقيم”.
وتأكيداً لأهمية السينما الإسلامية، نجد المخرج العالمي مصطفى العقاد يخاطب الشعوب الإسلامية بدوره فيقول: أعطوني ثمن طائرة حربية واحدة أغيّر لكم رأي العالم في الإسلام! والعقاد يقصد بذلك السينما، حيث جاء إلى بعض المسؤولين في الدول العربية عارضاً مساعدته على إنشاء “هوليوود إسلامية” لكنه لم يجد من يصغى إليه.
وقد دفع إدراك البعض لخطورة الدور الذي تقوم به السينما في تشكيل العقل الإنساني إلى أن يسمي هذا العصر بـ “عصر السينما”، فالتأثير السينمائي يمتد إلى شتى الجوانب الثقافية والأخلاقية والاجتماعية والنفسية في المجتمع، بل إن الرئيس السوفييتي الأسبق خرشوف كان يخشى هوليوود أكثر مما يخشى الصواريخ الأمريكية العابرة للقارات.
غير أن إنشاء مؤسسة للسينما الإسلامية يحتاج إلى وجود شخصية إسلامية معروفة تقف على رأسها لتجلب ثقة الأمة بها، ولعل وجودكم أنتم –فضيلة الشيخ– في هذا الموقع يشجع أصحاب الأموال على الإسهام في تأسيسها.
وقد يبدو –للوهلة الأولى– أن إنشاء هذه المؤسسة يحتاج إلى تأسيس بنية تحتية ضخمة ومكلفة من وسائل عرض ووجود كادر كبير من ممثلين ومخرجين ومصورين وكتَّاب سيناريو وغيرهم، ويحق للبعض أن يتساءل هنا: أين الممثل الملتزم والمخرج الملتزم والكوادر الفنية الملتزمة؟ وأي بلد يمكنه احتضان مقر المؤسسة؟ غير أننا نرى الإجابة لن تكون بالصعوبة نفسها التي طرحنا بها الأسئلة، ولعل مفتاحها الأول هو العزيمة والهمة الصادقة.
ومن نافلة القول: إن العالم الغربي والإسلامي يمتلك بنية تحتية مقبولة من قاعات العرض، وبعضها يملك تجربة عريضة في مجال الإنتاج السينمائي والصناعة السينمائية، وبالإمكان الاستفادة من وجود هذه القاعدة للانطلاق في بناء المشروع المقترح.
ويمكن على صعيد الممثلين مثلاً الاستفادة من الشباب الملتزم الذين برزوا في مسرحيات ناجحة قاموا بها في إطار النشاط الثقافي في الجامعات، بالإضافة إلى الاستفادة العالية التي من الممكن تحقيقها لو قبل الكثير من الفنانين المحترفين التائبين أمثال حسن يوسف، ومحمد العربي، العمل جنباً إلى جنب مع هؤلاء الشباب الموهوبين، ولعل بوادر هذا الاستعداد واضحة لدى بعض الفنانين التائبين.
وبتوافر التمويلات اللازمة لنشاط مؤسسة السينما الإسلامية بعد إنشائها لن يكون من الصعب جلب الكوادر الفنية المؤهلة في العمل السينمائي من مخرجين ومصورين ومهندسي ديكور وغيرهم، في حين يتيح الإنتاج الأدبي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية لكتَّاب السيناريو المحترفين تحويل الروايات الإسلامية المعاصرة والتاريخية إلى سيناريوهات سينمائية، مع الاستفادة –بالطبع– من الإنتاج المتوافر في الأسواق خارج إطار رابطة الأدب الذي لا يتعارض مع التصور الإسلامي.
ونعترف بأن صعوبات عديدة قد تعترض تسويق الأفلام والمسرحيات المنتجة، لكنها لن تلبث أن تزول بمجرد النجاح الجماهيري لما تعرضه المؤسسة من إنتاج، ولعل ظهور القنوات الفضائية وتنوعها يخفف من حدة مشكلة التسويق، حيث نجد تراكماً لا بأس به في القنوات الحريصة على عرض المضمون الجاد والممتع في الآن نفسه.
ونحن متفائلون كثيراً بأنه سيكون للسينما الإسلامية جمهورها العريض الذي قد يكون هو نفسه جمهور السينما الحالية في العالم الإسلامي، خصوصاً حين يدرك هذا الجمهور أن الممثلين التائبين هم ضمن أبطال العمل المعروض، فيتوافر لديه شعور عام بالجدية وإحساس بمتعة التمثيل المتقن.
بمعنى أنه سيكون للسينما المقترحة جمهور عريض لا يقل عن جمهور السينما الحالية.
وأذكر أني حضرت –مرة– عرض مسرحية “الهجرة” على قاعة كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، التي قام ببطولتها بعض الشباب الملتزم، وكان منهم المنشد أبو راتب، فكان الازدحام شديداً على باب القاعة -علماً بأن الدخول لم يكن مجاناً– وقد استمر العرض أسبوعاً تقريباً.
وقد يخيل للبعض بأنه ستكون هناك صعوبة في إيجاد المكان المناسب لهذه المؤسسة، فأقول: إن ذلك لن يكون صعباً، المهم أن نجدَّ في البحث والطلب ولا نيأس، ولعل المكان المناسب المرشح لذلك هو مصر؛ لعوامل عديدة، أهمها وجود الفنانين التائبين الذين سيكون لهم دور كبير في نجاح المؤسسة.
وتتناول موضوعات السينما الإسلامية المقترحة مشكلات المسلمين المختلفة وفق التصور الإسلامي، فتجمع بين الفائدة والمتعة والتشويق مع كونها موجَّهة إسلامياً، فكما أن السينما العالمية الحالية تحركها -في الأغلب– أصابع يهودية، فكذلك ينبغي للسينما الإسلامية أن تكون موجَّهة إسلامياً، ولكن لا يعني هذا أن تكون السينما موجهة بطريقة تعليمية مباشرة؛ لأن المشاهد سيرفضها ويمل منها.
ولا يجب أن تثير الموضوعات كذلك خلافاً بين المسلمين، ولا أن تصطدم مع الحكومات، بل تبتعد كل البعد عن السياسة، لكي تحافظ المؤسسة على بقائها واستمراريتها.
وفيما يخص المال الذي هو العنصر الأهم في إنشاء المؤسسة فيمكن أن يجمع عن طريق الأسهم كأي شركة تجارية، فكما أن فكرة البنوك الإسلامية قد نجحت وانتشرت في معظم بلدان العالم، فكذلك يمكن للسينما الإسلامية أن تنجح، ونظن أن المسلمين أصبحوا واعين لأهمية السينما أكثر من ذي قبل.
ولكي نضع الفشل جانباً في هذا المشروع أقول: إن السينما الإيرانية الحالية استطاعت أن توجد لها مكاناً مرموقاً بين السينما العالمية، فحصدت العديد من الجوائز في المهرجانات السينمائية العالمية، علماً بأنها ابتعدت بقضاياها عن الجنس والعنف اللذين هما سمتان أساسيتان في السينما الأمريكية.
ويحدونا أمل كبير في أن تنجح –كذلك- السينما المقترحة، فتأخذ مكاناً لائقاً بها إلى جانب السينما العالمية.
إن من الأسباب التي جعلتنا نوجه أيضاً هذه الرسالة إليكم –فضيلة الشيخ– هو أن هذه المؤسسة في حال إنشائها سوف تحتاج إلى فقيه ترجع إليه كلما استشكل عليها أمر شرعي.
فضيلة الشيخ، أرجو أن ينال هذا الموضوع منكم اهتماماً كبيراً، فالفن السينمائي أداة خطيرة في تشكيل وتوجيه عقل المشاهد كما سبق توضيحه، وأن هوليوود لا تختلف في شيء عن البيت الأبيض في تأثيرهما العالمي، فهذا يوجه العالم سياسياً وعسكرياً، وتلك توجه العالم أخلاقياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً أيضاً.
وكلمة أخيرة، أليس من العيب علينا نحن المسلمين الذين صنعنا أعظم حضارات الدنيا، ألا نوجد البديل الإسلامي لهذا الكم الهائل من الأفلام والمسلسلات التي تغزو عقول المسلمين وهم في داخل بيوتهم؟!
ونحن نعتقد أن نجاح مؤسسة السينما الإسلامية المقترحة سوف يدفع بآخرين إلى إنشاء مثيلات منافسة لها تدعم خيارات التنوع الجاد في العمل السينمائي الإسلامي من جهة، ومن جهة أخرى سيدفع نجاحها كذلك مؤسسات الإنتاج السينمائية التجارية الأخرى إلى التوجه نحو تحسين إنتاجها على مستوى المضمون والنوعية.
_________________________________________________________________________
العدد: (1471)، 19 رجب 1422هـ/ 6 أكتوبر 2001م، ص50-51.