بينما تعلن الحكومة المصرية بياناتها عن زيادة معدلات التضخم شهرياً، يطل بين المصريين شبح سيناريو تفاقم الأزمة الاقتصادية المصرية على غرار أزمتي لبنان والسودان، اللتين تعانيان من أزمة نقدية واقتصادية غير مسبوقة، فيما يرى خبيران اقتصاديان تحدثا لـ«المجتمع» أن معدلات التضخم المتزايدة بمصر تدق جرس الخطر بالبلاد التي وصل عدد سكانها إلى 105 ملايين مواطن.
ووفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الصادرة أمس الأحد 10 سبتمبر، ارتفع معدل التضخم السنوي لمصر خلال أغسطس الماضي، ليصل إلى 39.7%، مقابل 38.2% في يوليو الماضي، كما ارتفع معدل التضخم الشهري بنسبة 1.6%.
وبحسب بيانات رسمية، أعلن وزير المالية المصري د. محمد معيط، في وقت سابق، أن حكومة بلاده ملتزمة بما أسماه المسار الإيجابي المتوازن من أجل تخفيف حدة الموجة التضخمية غير المسبوقة، فيما أكدت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية د. هالة السعيد أن الدولة بكل مؤسساتها تقوم بجهود كبيرة للتخفيف والتقليل قدر الإمكان من معدلات التضخم، مع خفض الإنفاق -عن عمد– من أجل احتوائها.
د. عبدالمطلب: ندق جرس الخطر ومؤسسات الدولة قادرة على منع الانهيار
جرس خطر
من جانبه، يرى خبير الاقتصاد الدولي، وكيل وزارة التجارة والصناعة للبحوث الاقتصادية الأسبق، د. عبدالنبي عبدالمطلب، أن وصول مستوى التضخم الرسمي العام إلى ذلك المستوى هو دق لناقوس الخطر، موضحاً أن هناك توقعات أن يتجاوز مستوى التضخم الأساسي حاجز الـ43%.
وتوقع عبدالمطلب، في حديثه لـ«المجتمع»، قدرة مؤسسات الدولة على ضمان عدم الانهيار المالي، مستبعداً حدوث فوضى نقدية تؤدي إلى انهيار الجنيه كما حدث في لبنان، بسبب امتلاك ما يطلق عليه الدولة العميقة من الإمكانات والموارد التي تجعلها قادرة على ضمان عدم انزلاق الاقتصاد المصري إلى مرحلة الانهيار، وفق تأكيده.
ويضيف عبدالمطلب أن بعض مؤسسات الدولة المصرية تمتلك قدرات وموارد تستطيع استخدامها في أوقات الضرورة القصوى، والدليل على ذلك أنه رغم الشكوى المرة من عدم توفر الدولار لتمويل الاستيراد، فقد أعلنت مصر سداد ما قيمته نحو 25.5 مليار دولار خلال يناير/ يونيو 2023م.
ويوضح الخبير الاقتصادي أن مصر لن تصل لمرحلة السودان، كما يخشى البعض، مبرراً ذلك بأن البلد الشقيق يعاني منذ عقود من فساد على أعلى مستويات، والصراع الداخلي المستمر والمتجدد بالسودان؛ ما أدى إلى تمزيق موازنة السودان وتوجيهها إلى أنشطة بعيدة عن التنمية، وانهيار قيمة الجنيه السوداني والعملة السودانية بشكل كامل.
ويلقي عبدالمطلب باللائمة على مؤسسات الدولة المصرية التي يرى أنها لا تتعامل بحزم مع ارتفاع الأسعار، وتترك المعركة قائمة بين التجار والمستهلكين، وكأن الأمر لا يعنيها، لكنه يستدرك قائلاً: الدولة تحتفظ بحق التدخل إذا شعرت أن معدلات التضخم قد تخرج عن السيطرة.
د. الصاوي: أحذر من استمرار الفجوة بين الأسعار والأجور فالمعاناة كبيرة
معاناة كبيرة ومقلقة
المشكلة في الفجوة بين الأسعار والأجور، فبينما تزداد الأسعار بمعدلات كبيرة نتيجة ارتفاع التضخم تكاد الأجور أن تكون ثابتة أو تزداد بمعدلات بطيئة جداً، هكذا يقول الخبير الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي، في حديث لـ«المجتمع»، موضحاً أن معدلات التضخم لم تصل بعد إلى معدلات لبنان والسودان، وأقل منها بكثير، ولكن معاناة المواطنين عالية وكبيرة للغاية ومقلقة.
ويوضح الصاوي أنه ليس العبرة بالوصول إلى معدلات تضخم كبيرة حتى لو وصلت إلى 200% أو 400%، ولكن العبرة بالمعاناة التي يعيشها المواطن المصري في حياته الاقتصادية والاجتماعية، التي تظهر في عادات استهلاكية لم تكن موجودة أبداً مثل شراء بقايا الطعام، أو عدم القدرة كلية على شراء اللحوم والسمك والدواجن، واللجوء إلى شراء هياكل الدجاج وأرجلها.