يخوض الاحتلال حربه ضد المـقـاومة على أساس فارق القوة والإمكانات؛ أن يمحو بالقوة المتجبرة إرادة التمسك بالحق، كما كانت النظرية القتالية لكل استعمار سابق ضد أصحاب الحق.
تقوم هذه النظرية لدى الصهاينة في الأدبيات والممارسة على خمس ركائز؛ هي: التفوق الاستخباري، وبناء حاجز دفاعي معقد، والمباغتة المتفوقة تكنولوجياً ونارياً، وتكرار الهجوم لمنع تراكم إمكانات المقاومة بتكتيك «جز العشب»، وفي حال تمكنت قوة المـقـاومة من تجاوز كل ذلك والهجوم فلا بد من تدريب الجنود على ظروف حرب العصابات ليكونوا مستعدين للحرب مع المـقـاومة.
هجوم 7 أكتوبر ضرب ركائز النظرية الخمس، وأصاب الذات الصهيونية المتضخمة في مقتل؛ فباتت تقاتل من دون نظرية حرب، لكنها في الوقت عينه بحاجة ماسة لتحقيق النصر الثأري العظيم الذي يشفي جروح الغرور؛ ولعل هذه هي المعضلة المركزية التي يمكن من خلالها فهم السلوك الصهيوني في هذه الحرب.
جيش الاحتلال تكيَّف نفسياً بأن يخترع لنفسه هدفاً هو «مقر قيادة» مزعوم للمقاومة
الواضح مع الزمن، ومع الفشل في ضرب الهيكل القيادي للمقاومة باستخدام معلومات استخبارية؛ أن جيش الاحتلال تكيَّف نفسياً بأن يخترع لنفسه هدفاً هو «مقر قيادة» مزعوم للمـقـاومة تحت مستشفى الشفاء، وأن يروّج له بشكل يؤسس لجعله هدف الحرب الذي يسمح تحقيقه باستعراض صورة نصر موهوم.
هذا التكيف النفسي يؤكد أن العدو الصهيوني ما زال لم يتمكن من «عقلنة» الحرب؛ وما زال محكوماً باندفاعاته النفسية ونوازع الثأر حتى اليوم دون أن يتمكن التدخل الأمريكي من ترشيده.
لا يخفى أن مثل هذا السلوك ستكون عاقبته وخيمة؛ فاحتلال «مركز القيادة» الوهمي للمقـاومة لن يوقف الاشتباك ولن يوقف نزيف مدرعاته، وسرعان ما سينكشف أنه كان مجرد وهْم؛ علاوة على أن اتخاذ المستشفيات أهدافاً هو أحط ممارسة عسكرية يمكن انتهاجها، وستقوض ما تبقى للصهيونية من دعم أو تعاطف، وسيفتح النقاش من جديد حول حقها في الوجود كفكرة إلغائية عدوانية تصادم الطبيعة الإنسانية.