تعتمد «إسرائيل» مبدأ «اللا أخلاقية» في تعاملها مع العرب والفلسطينيين، ففلسفتها قائمة على أن الأخلاق تتغير، فلا ثبات لها وأنها تتجزأ، فلا عموم لها، فلا غرو أن تتعامل بمعيار مزدوج، معيار مع النفس، ومعيار مع الأغيار، وهذا للأسف ما قررته توراتهم، وسفر التثنية فيها: «إن للإسرائيلي أن يقرض بربا مع غير الإسرائيلي، وليس له ذلك مع الإسرائيلي»، على خلاف ما قرره الإسلام: أن الحلال حلال للجميع، وأن الحرام حرام على الجميع، ولقد سجل القرآن على هؤلاء استباحتهم لمن عداهم، وعدم تأثمهم في ذلك دينًا، كما قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران: 75).
و«إسرائيل» تقرر كذلك المبدأ الجاهلي: (يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا) (التوبة: 37)، والتحليل والتحريم وفق هواها ومنافعها الخاصة، كما تتبنى الفلسفة الميكافيلية: الغاية تبرر الوسيلة، فكل الوسائل عندها مباحة ومشروعة في سبيل تحقيق غايات «إسرائيل»، بغض النظر عن احتجاجات المحتجين، واستنكارات المستنكرين.
والعرب والمسلمون قوم أخلاقيون، فقد علمهم دينهم ضرورة الالتزام بالعنصر الأخلاقي في كل جوانب الحياة ومعاملاتها، فالعلم لا ينفصل عن الأخلاق، والتشريع لا ينفصل عن الأخلاق، والاقتصاد لا ينفصل عن الأخلاق، والحرب لا تنفصل عن الأخلاق، والسياسة لا تنفصل عن الأخلاق.
ولا يقبل الإسلام بحال مبدأ: الغاية تبرر الوسيلة، بل يوجب شرف الغاية، وطهر الوسيلة، ولا بد من الوسيلة النظيفة لتحقيق الغاية الشريفة، ولا يرضى الإسلام الوصول إلى الحق بطريق الباطل، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا.
ولا غرابة أن نرى «إسرائيل» تحترم العهود والمواثيق إذا كانت في صالحها، وتضرب بها عرض الحائط إذا خالفت مصالحها، وها هو بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء «إسرائيل»، يسأل عن «اتفاقات أوسلو» وما بعدها –التي نرفضها نحن أساسًا– فيقول بصراحة: إنها قد ماتت!
وهكذا تحقق في هؤلاء ما قاله القرآن في أسلافهم: (الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ) (الأنفال: 56).
وهم بهذا يطبقون ما قاله بعض الساسة الأوروبيين من قبل: إن المعاهدات ليست إلا حجة القوي على الضعيف!
إن الأخلاق المشروعة في «إسرائيل» هي أخلاق العنف والإرهاب والاستحلال، هذا ما تقوم به الدولة، التي لا يزال تسيطر عليها روح رجال العصابات، وما يقوم به المستوطنون، الذين يسندون ظهورهم إلى قوة الدولة وحمايتها، والحق أن «إسرائيل» التي تصف الفلسطينيين الذين يدافعون عن وطنهم وأهليهم وحرماتهم بأنهم «إرهابيون» هي في الواقع الإرهابي الأكبر في العالم؛ لأنها تأخذ حق غيرها، وأرض غيرها، بالقوة والسلاح والعنف، فهو إرهاب معتدٍّ ظالم باغ في الأرض بغير الحق، وقد بين ذلك كتاب «الإرهاب يؤسس دولة: نموذج إسرائيل».
وهناك مواقف وأمثلة لا تحصى تدل على الاتجاه اللاأخلاقي عند «إسرائيل»، لعل أحدثها وآخرها ما قامت به نحو رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» في الأردن الأخ المجاهد خالد مشعل، الذي حاولت اغتياله عن طريق جهاز علمي متطور، يسلط على دماغه مادة كيماوية قاتلة، مستخدمة في ذلك جوازات سفر كندية مزورة، احتجت كندا عليها، كما لم تبال أن تقوم بذلك على أرض الأردن الذي عقدت معه معاهدة سلام، ولولا رعاية الله وحمايته، ثم تنبه الأخ خالد، ويقظة مرافقه، لذهب ضحية الغدر، دون أن يدري أحد أنه قد اغتيل عمدًا، هذا هو الإرهاب الذي تمارسه «إسرائيل» من قديم، وما زالت.
وها هو اليوم أرييل شارون، وزير البنى التحتية في «إسرائيل»، يعلن في جرأة ووقاحة عارية، أن محاولة قتل خالد مشعل، إذا كانت قد فشلت في المرة السابقة، فإنها ستتكرر وتتكرر، حتى تتحقق، هكذا قال الإرهابي العريق، ولم يبال بأحد، وإذا لم تستح فاصنع ما شئت!
أما الفلسطينيون فإرهابهم -إن صحت تسميته بذلك- إرهاب مشروع، مستجيب لقول القرآن: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال: 60)، فهو إرهاب للدفاع والمقاومة لا لاستباحة الحرمات!
واللاأخلاقية عند اليهود ليست شيئًا عارضًا في سلوكهم، بل هي أصيلة عميقة الجذور، ضاربة في أغوار تاريخهم من قديم، حتى عند أنبيائهم كما تحكي كتبهم المقدسة نفسها.
فقد جاء في العهد القديم على لسان كتبته: «أن يعقوب وأمه خدعا إسحاق حتى يحصلا على بركته ليعقوب بدلاً عن عيسى أخيه الأكبر.. وأن راحيل زوجة يعقوب سرقت من أبيها لأبان -خال يعقوب- أصنامه حين رحيلهما عنه..».
وجاء قبل ذلك -في سفر التكوين أيضًا- «أن ابنتي لوط عاشرتاه بعد أن أسكرتاه.. وأنجبتا منه المؤبيين والعمونيين.. فهم أولاد زنى».
وجاء في سفر يشوع عن سقوط أريحا على يد بني إسرائيل: «دمَّروا المدينة.. وقضوا بحد السيف على كل من فيها من رجال ونساء وأطفال وشيوخ.. حتى البقر والغنم والحمير..».
ثم جاء في سفر صموئيل الأول: «أنا الذي أرسلني الرب لأنصبك ملكًا على «إسرائيل».. فاذهب الآن، وهاجم عماليق.. ولا تبق على أحد منهم.. بل اقتلهم جميعًا.. رجالاً ونساءً وأطفالاً ورضعًا.. بقرًا وغنمًا وجمالاً وحميرًا..».
ثم جاء في نفس السفر: «أن الملك شاول طلب من داود مهرًا لابنته مائة غلفة من غلف الفلسطينيين.. فراق داود الأمر.. وقتل مائتي رجل من الفلسطينيين.. وأتى بغلفهم كاملة.. مهرًا لمصاهرة الملك».
وفي نفس السفر أيضًا: «انقلب داود على الملك شاول، وانضم إلى الفلسطينيين في حربهم ضد الملك الإسرائيلي.. ولكن رفض الفلسطينيون انضمام داود لجيشهم.. فتوسل داود لملكهم أخيش قائلاً: ماذا جنيت؟ وأي علة وجدت في عبدك حتى لا أشترك في محاربة أعداء الملك؟».
وفي سفر صموئيل الثاني: «اغتصب أمنون أخته ثامار – وهما ابنا داود- ثم عاشر أبشالوم بن داود محظيات أبيه، وحارب أبشالوم أباه داود طمعًا في الملك، وقُتل الابن في القتال».
وفي سفر الملوك.. جاء عن سليمان أنه عبد عشتاروت إلهة الصيدونيين.. وملكوم إله العمونيين.. وأقام مرتفعات ذبائح لجميع آلهة نسائه الغربيات!
هذا ما قالته أسفارهم المقدسة، ولم نقله نحن!
ولا غرو قال المسيح عليه السلام: «لكم الويل أيها الكتبة المراؤون، أيها الحيات أولاد الأفاعي، أبناء قتلة الأنبياء، كيف تفلتون من عقاب جهنم؟!».
_________________________
المصدر: كتاب «القدس قضية كل مسلم».