في 27 نوفمبر 2023م، نشرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية تحقيقاً مزعجاً بعنوان «كيف تهدم الصين الإسلام؟»، يظهر من خلال صور الأقمار الاصطناعية كيف دمرت الحكومة الصينية معالم آلاف المساجد، وجرَّمت دخولها لمن هم دون 18 عاماً!
وبالتزامن، نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية تقريراً من الصين، في 21 نوفمبر 2023م، يبين أن حكومة بكين أغلقت مئات المساجد في المناطق الشمالية ذات الأغلبية المسلمة، بحسب منظمة «هيومن رايتس ووتش».
وأشارت إلى تغيير هوية مساجد أخرى من خلال إزالة المآذن، كجزء من حملة التطهير بحيث لا يمكن التعرف عليها بعد وضع خطط لاقتلاع هوية المسلمين هناك.
قالت: أغلقت السلطات الصينية أو غيَّرت مئات المساجد في المناطق الشمالية من نينغشيا وقانسو، موطن أكبر عدد من السكان المسلمين في الصين بعد شينجيانغ، كجزء من جهود أوسع «لإضفاء الطابع الصيني» على الأقليات الدينية في الصين، وفقاً لتقرير.
وقال باحثون في منظمة «هيومن رايتس ووتش» قاموا بتحليل صور الأقمار الصناعية: إن الحكومة الصينية خفضت بشكل كبير عدد المساجد في منطقة نينغشيا المتمتعة بالحكم الذاتي ومقاطعة قانسو، وبين عامي 2019 و2021م، تمت إزالة القباب والمآذن من جميع المساجد السبعة، وإجراء تغييرات كبيرة على أربعة من المساجد بهدم أجزاء منها.
وقدرت أن حوالي 1300 مسجد في نينغشيا، ثلث العدد الإجمالي المسجل، قد تم إغلاقها منذ عام 2020م.
ويأتي هذا فيما يواصل الحزب الشيوعي الصيني هدم مساجد المسلمين الإيغور في تركستان الشرقية جنوب الصين.
ويشكو المسلمون في الصين أيضاً من تدخل الحزب الشيوعي في محتوى خطب الجمعة وفرض الترويج للشيوعية فيها، وأبدى المسلمون في نينغشيا، وهي إحدى 5 مناطق ذاتية الحكم في الصين بجانب منغوليا والتبت وتركستان الشرقية وجوانجشي، غضبهم من تدخل الحزب الشيوعي في شؤون دينهم.
حملة على قباب ومآذن ألف مسجد تاريخي
وكانت الحملة التي بدأتها السلطات الصينية منذ عام 2021م لإزالة الآلاف من قباب المساجد التاريخية، في جنوب وغرب الصين، حيث إن الأغلبية مسلمون، بدعوى جعل مظاهر المساجد «أكثر صينية»، حسب زعمها، قد تصاعدت بصورة خطيرة.
ورغم حالة القمع والبطش بمسلمي الصين وإجبارهم على تغيير هويتهم، فقد تصدى المسلمون في جنوب غرب الصين، في مايو 2023م، لحملة الهدم بعدما بالغت في هدم المساجد وتعليق لوحات للحزب الشيوعي الصيني فوقها، وتصاعدت حالة الغضب.
وانفجر سكان شينجيانغ ذات الأغلبية المسلمة في جنوب غربي الصين، في 27 مايو 2023م، واشتبكوا مع الشرطة حين بدأت جرافات الحزب الشيوعي تهدم قباب مسجد يبلغ عمره قروناً من الزمان، ضمن عمليات الغسيل الثقافية ومحو التاريخ الإسلامي بعد الهجمة على عقيدة وثقافة المسلمين.
وأكدت صحيفة «واشنطن بوست»، في 29 مايو 2023م، أن حشوداً من المسلمين تصدوا، في27 مايو، لعشرات ضباط مكافحة الشغب الصينيين، وهم يتدافعون نحو بوابة مسجد ناجياينغ، الذي يعد مقر عبادة وتعليم ديني مهماً لأقلية هوي المسلمة بمقاطعة يونان، وذلك وفقاً لفيديوهات نشرها نشطاء على موقع «تويتر».
وقد اضطرت الشرطة للانسحاب من المنطقة أمام غضب المسلمين الذين تظاهروا واعتصموا خارج بوابة المسجد طيلة الليل، وأرسلت السلطات قوات ضخمة لقمع المسلمين واستمرار تنفيذ عمليات الهدم لقباب ومآذن المساجد، ثم بدأت حملة اعتقالات للمسلمين.
إسلام صيني!
وقد أكد موقع شبكة «CNN» الأمريكية، في 30 مايو 2023م، أن المسلمين فاض بهم من حملة هدم قباب مساجدهم وتغيير تراثهم الإسلامي ووضع لافتات تدنسها من قبل الحزب الشيوعي عليها.
وأكدت أن حملة هدم قباب المساجد في قرية ناجياينغ بمقاطعة يونان وغيرها جاءت ضمن حملة كاسحة أطلقها الزعيم الصيني شي جين بينغ لـما يسمى «تصيين المسلمين»، أو «تصيين الدين»؛ أي «إسلام صيني» على غرار محاولات الغرب تشكيل ما يطلق عليه «إسلام غربي معتدل» لا يلتزم المسلمون فيه بالشريعة.
ووصفت «CNN» حملة تدمير قباب ومآذن المساجد بأنها سياسة، وقالت: إن السلطات الصينية تزعم أنها تهدف إلى تطهير المعتقدات الدينية من النفوذ الأجنبي ومواءمتها بشكل وثيق مع الثقافة الصينية التقليدية، والحكم الاستبدادي للحزب الشيوعي الملحد رسمياً.
وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، أزالت السلطات الشيوعية العمارة الإسلامية وهدمت القباب وهدمت المآذن، وقال مسلمون في منطقة هوي ذات الأغلبية المسلمة: إن أكثر من ألف مسجد في جميع أنحاء البلاد تم هدم قبابها ومآذنها.
وقالت «وكالة أنباء تركستان الشرقية» المعبرة عن مسلمي الصين: إن السلطات الصينية تسعى لإزالة مآذن المساجد وقباب المسجد الكبير في مدينة شاديان الصينية وتحويلها إلى طراز صيني؛ ما أدى إلى صراع شرس مع المسلمين الصينيين الذين احتجوا على سياسات الصين الشيوعية.
تحاول السلطات الصينية إزالة مآذن المساجد وقباب المسجد الكبير في مدينة شاديان الصينية وتحويلها إلى طراز صيني، مما أدى إلى صراع شرس مع المسلمين الصينيين الذين احتجوا على سياسات الصين الشيوعية. pic.twitter.com/Qvevs5TAqc
— (وكالة أنباء تركستان الشرقية) عربي Istiqlal (@eastturkistann) May 27, 2023
وبدأت هذه الحملة عام 2021م حين كشف تقرير لموقع الإذاعة الأمريكية العامة «أن بي آر»، في 25 أكتوبر 2021م، أن سلطات مدينة شينينغ عاصمة مدينة مقاطعة تشنغهاي في شمال غربي الصين أزالت قباب مسجد تونغوان التاريخي الذي يعود إلى سبعة قرون.
وقال: تزعم السلطات الصينية أن هذه القباب انعكاس للتأثير الديني الأجنبي، في إشارة لمزاعم عن نفوذ سعودي وعربي سابق، وأنها ترغب في إضفاء الطابع الصيني على هذه المساجد والجماعات العرقية الإسلامية التاريخية.
حيث تمت إزالة القباب الخضراء الكبيرة التي كانت تتوج مآذنها، وقاعة الصلاة مفقودة، تحت شعار «إزالة النفوذ السعودي والعربي»، بينما الهدف الحقيقي هو إزالة للعمارة الإسلامية بشكل صريح كجزء من حملة لإضفاء الطابع الصيني على الجماعات العرقية الإسلامية التاريخية لجعلها أكثر تقليدية صينية، كما يقول مسلمو الصين.
ويؤكد نشطاء وجماعات حقوقية أن السلطات كثفت جهودها في السنوات الأخيرة لتقييد الممارسات الدينية لمسلمي أقلية هوي في جميع أنحاء الصين، بما في ذلك إغلاق المدارس الإسلامية ودروس اللغة العربية ومنع الأطفال من تعلم وممارسة الإسلام.
ووفقاً لهؤلاء، فقد تم هدم قباب ومآذن أكثر من 200 مسجد في مقاطعة يونان وحدها، إضافة لأكثر من ألف مسجد في شمال غرب البلاد.
ويشدد نشطاء على أن هدف الحزب الشيوعي الصيني النهائي يتمثل بتنفيذ سياسة الإبادة الثقافية والدينية، تماماً كما فعل في إقليم شينجيانغ مع الإيغور.
وعلى عكس الإيغور، لا يسعى مسلمو عرقية هوي للانفصال عن الصين، ويبلغ تعدادهم نحو 10 ملايين نسمة، يمثلون نصف عدد المسلمين في الصين، وفقاً لإحصاءات رسمية.
ويعود تاريخ مسجد ناجياينغ الذي سعت الصين لهدمه ضمن حملتها الأخيرة إلى القرن الثالث عشر، وقد خضع لأعمال توسعة أكثر من مرة على مدار السنوات الماضية لإضافة مبانٍ، إلى جانب 4 مآذن وسقف مقبب.
وفي السنوات الأخيرة، تصاعدت قيود الحزب الشيوعي الصيني التي يفرضها على مظاهر التدين تصاعداً حاداً، وتم تكثيف مراقبة القادة الدينيين.
وجاء هذا بعدما طالب الرئيس الصيني شي جين بينغ بالولاء السياسي التام للمجتمعات الدينية، وطالب بما يُعرف بـ«تصيين» الدين؛ أي إضفاء الطابع الصيني عليه.
حيث أزالت السلطات قباب معظم المساجد في جميع أنحاء شمال غرب الصين كجزء من حملة وطنية لإزالة النفوذ بدأت بشكل جدي في عام 2018م.
مقطع يُدمي القلب 💔
مسلمة صينية تبكي بحرقة وهي ترى سلطات بلادها تهدم أحد المساجد.
حسبنا الله ونعم الوكيل pic.twitter.com/ZdczdnRMBk— #سعوديون_مع_الاقصى (@Saudis2018) November 2, 2021
وضمن هذه السياسة، فرضوا على مسجد ناجياينغ عقد لقاءات لقراءة الأفكار الماوية، وتم رسم شعارات الحزب الشيوعي على الجدران لإجبار المصلين على قراءتها والولاء للحزب الشيوعي لا للدين الإسلامي.
أيضاً قامت سلطات الحزب الشيوعي الصيني بمصادرة أصول المساجد وسجن الأئمة وإغلاق المؤسسات الدينية وفرض قيود على استخدام اللغات غير الصينية مثل التبتية أو الإيغورية واستهداف العلماء والكتاب المسلمين بقيود قاسية على نحو متزايد.
ويبلغ عدد مسلمي الصين حوالي 10.5 ملايين؛ أي أقل من 1% من سكان الصين، وتزعم السلطات أنها تهدف ليصبح المسلمين صينيين ثقافيًا ولغويًا، حتى إنهم جعلوا نسختهم من الإسلام تشبه الكونفوشيوسية والطاوية، في محاولة لإظهارها على أنها صينية بطبيعتها وليست ذات تأثير أجنبي!