إن من أحب الأشياء إلى الله الصلاح والإصلاح، فصلاح النفس مقدمة لإصلاح الآخرين والعمل على عمارة الأرض بالخير والحب والتعاون، وهو ما يعرف القليل ممن عرف غايته في الحياة وسعى لجعلها طريقاً معبداً لرضا الله وجنته.
وفي ديسمبر رحل عن عالمنا كثير من المصلحين، منهم:
الشيخ عود علي خميس الفزيع.. بين طريق الدعوة والعمل الخيري
ولد المعلم الشيخ عود علي خميس الفزيع في منطقة الشرق بالعاصمة الكويتية عام 1946م، حيث تيسرت له الظروف أن التحق بالتعليم وظل فيه حتى سافر في بعثة دراسية إلى مصر عام 1970م، وبعد عودته منها التحق بالعمل الدبلوماسي في وزارة الخارجية.
لم ينسه العمل الدبلوماسي حبه للعلم، فآثر استكمال جوانبه العلمية في العلوم الشرعية بالمدينة المنورة حيث ظل بها ما يقرب من 7 سنوات، وحينما عاد لوطنه الكويت عمل مدرساً بدور القرآن الكريم التابعة لوزارة الأوقاف خطيباً ومعلماً وداعية حتى إحالته إلى التقاعد.
وفي خضم العمل الدعوي، تولدت إليه عواطف العمل الإنساني الخيري منذ عودته من مصر لما رأه من حال المسلمين، فساهم في وضع نواة العمل الخيري الكويتي المنظم، فولدت على يديه «لجنة زكاة كيفان»، ومنذ ذلك الوقت ولأكثر من نصف قرن من الزمان وإلى آخر لحظة من حياته رحمه الله تعالى وهو يؤدي دوره الديني وواجبه الدعوي وإنجازه الخيري.
وكان على رأس أولوياته إثراء المحيط الخيري محلياً بعدد من الجهود الخيرية والإنسانية، والجمع بين الدعوة والخطابة والدروس والخواطر والعمل الخيري، فضلاً عن الارتحال إلى خارج الكويت لتنفيذ ومتابعة العمل في المشروعات الخيرية الكويتية.
كان العم عود شديداً في الحق، حيث شنع بالمحتل العراقي وأغلظ القول فيه بعد احتلال الكويت، ولم يخش بطشه ولا تنكيله، وظل كذلك حتى رحل يوم الجمعة 2 ديسمبر 2022م، وشيعت جنازته في اليوم التالي عن عمر ناهز 81 عاماً(1).
علي نعمان.. والجهاد على أرض فلسطين والقنال
قد لا يعرفه الكثيرون أو سمع عنه إلا القليل، غير أنه أحد الأشخاص الذين سطروا أسماءهم في سجل المجاهدين، وعرفته أرض فلسطين والقنال لدوره الفعال في الدفاع عن الدين والوطن.
ولد علي مصطفى نعمان في 25 يناير 1928م، في إحدى قرى صعيد مصر، وحفظ أجزاء من القرآن الكريم صغيراً، ثم التحق بالمدرسة الأولية.
تعرف إلى دعوة الإخوان عام 1945م، وكان أحد قادة المجاهدين في حرب فلسطين عام 1948م.
وحينما اندلعت الاشتباكات بين الشعب المصري والمحتل البريطاني في معركة القنال بمصر عام 1951م، كان نعمان أحد قادة المجاهدين ضد المستعمر الإنجليزي، حيث قام مع رفاقه من الإخوان بتنفيذ عملية نسف لقطار بريطاني في منطقة القنطرة؛ ما أسفر عن خسائر فادحة للجيش المحتل في الأرواح والمعدات.
لم يشفع ذلك له عند النظام الجديد في مصر حيث تم اعتقاله مع العديد من الإخوان في سجون عبد الناصر بعد «حادثة المنشية» عام 1954م، وحينما خرج وازن بين عمله الدعوي ومشاركة إخوانه وعمله الحياتي، حتى توفاه الله يوم الأربعاء 15 من ذي الحجة 1430هـ/ 2 ديسمبر 2009م(2).
عبدالله بن حسين بن ناصر الأحمر.. والعمل الإسلامي باليمن
ولد عبدالله بن حسين بن ناصر بن مبخوت الأحمر في شعبان 1351هـ/ 1933م في حصن حبور بمنطقة ظليمة حاشد في أسرة ذات تاريخ عريق، وتعلم على يد أحد الفقهاء الذي علمه القراءة والكتابة والقرآن الكريم ومبادئ الدين والعبادات.
تعرض للاضطهاد من الإمام أحمد بن يحيى هو ووالده وأخوه لشكوك الإمام في مناصرتهم لأحرار اليمن أثناء ثورتها عام 1948م.
زاد الاضطهاد في نهاية الخمسينيات حينما قاد حسين الأحمر وولده حميد تحركات وطنية للقبائل المتحمسة للتخلص من الإمام، لكنه استطاع أن يقبض عليهما ويعدمهما، وأودع عبدالله السجن الذي قضى فيه 3 سنوات حتى قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م.
وأثناء هذه الفترة، تعرف إلى رموز كثيرة من رجالات اليمن من المشايخ والعلماء والسياسيين والمثقفين، وكان ذلك بداية تدشين انخراطه في معترك القضية الوطنية والعمل السياسي.
وأثناء الثورة قاد الشيخ عبدالله قبائل حاشد في مطاردة الإمام المخلوع محمد البدر، كما تعاون مع قبائل حاشد في معركة الدفاع عن الثورة والجمهورية دون هوادة ولا توقف ولا تأثر بالظروف السياسية المتقلبة في صنعاء حتى انتهت المعارك في يناير 1970م.
تعرف في تلك الأثناء إلى الشهيد محمد محمود الزبيري الذي تعاونا سوياً في إرساء قواعد سيادة اليمن على الحب والإخاء والتعاون ووقف بحور الدماء، حتى استشهد الزبيري فأكمل الأحمر المهمة بصحبة الكثير من العلماء.
تبنى الأحمر أفكار الزبيري الإصلاحية المستوحاة من الفكر الإسلامي المعاصر، وتوثقت علاقته بتلاميذ الشهيد الزبيري من دعاة الإصلاح القائم على الشريعة الإسلامية السمحاء والتصور الإسلامي الأصيل الراشد بعيداً عن الانغلاق والجمود والتعصب من جهة، وعن دعوات التفلت من الإسلام تحت مبرر التحرر الزائف من جهة أخرى، وهو ما مهد الأمر لتأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي ضم كافة طوائف المجتمع من علماء ومشايخ ومثقفين ورجال أعمال وشباب ونساء من مختلف المناطق اليمنية.
أصبح الشيخ عبدالله الأحمر عضو مجلس الرئاسة المشكل بعد قيام الثورة في اليمن عـام 1962م، كما اختير وزير الداخلية لثلاث مرات منذ عـام 1963م، ورئيس المجلس الوطني عام 1969م، وهو المجلس الذي تولى صياغة الدستور اليمني، ثم رئيس مجلس الشورى من عام 1971م حتى تاريخ حله عـام 1975م، ثم رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح منذ تأسيسه عـام 1990م، ورئيس مجلس النواب اليمني منذ تأسيسه في فترة أولى من 1993 إلى 1997م، وفي فترة ثانية من 1997 إلى 2001م، ثم فترة ثالثة، حتى قبل وفاته.
وشارك الأحمر في العديد من الفعاليات الرسمية والشعبية لدعم القضية الفلسطينية سواء في داخل الوطن أو في خارجه، وظل معنياً بهموم وطنه وأمته ودينه حتى توفاه الله يوم 29 ديسمبر 2007م عن عمر ناهز 75 عاماً(3).
________________________
(1) عبدالله الشهاب: عود الخميس.. سيرة ومسيرة، 6 ديسمبر 2022، https://cutt.us/9GJPw
(2) علي نعمان المجاهد الصامت: إخوان ويكي، https://cutt.us/DhXj4
(3) الشيخ عبد الله في سطور: نبذة تعريفية: موقع الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، https://cutt.us/mHPB7