منذ بداية معركة «طوفان الأقصى» المجيدة، ظهرت أصوات شاذة على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، تلاحقها الاتهامات، باستغلال العدو الصهيوني لها في الدعاية السوداء ضد القضية الفلسطينية، بعدما أصروا على النيل من المقاومة الفلسطينية، وترويج سرديات الاحتلال؛ ما دفع الكيان الصهيوني للاحتفاء الإعلامي بهم في الفترة الماضية، واستغلالهم في الحرب النفسية والمعنوية، دون استنكار منهم، كان من أبرزهم كُتَّاب من مصر والخليج، بجانب باحثة حقوقية وناشط سياسي من مصر.
تلك الموالاة للعدو الصهيوني أثناء العدوان على غزة لاقت استهجاناً واسعاً على مواقع التواصل بين الشعوب العربية والإسلامية، ومطالبات بإصدار قوائم سوداء بحق أعداء القضية الفلسطينية وعزلهم شعبياً، بحسب مفكرين وقادة رأي تحدثوا لـ«المجتمع».
ياسين: خسروا أنفسهم مرتين وهم الطبعة الجديدة من خدام الاحتلال
في البداية، يوضح المفكر العربي والمؤرخ الفلسطيني عبدالقادر ياسين، في حديث لـ«المجتمع»، أن هؤلاء المرجفين هم طبعة جديدة من عمالة صحيفة «المقطم» القاهرية للاحتلال البريطاني لمصر في عام 1888م، التي كانت تعرف بالدفاع عن الاحتلال البريطاني والتخديم عليه من قلب القاهرة، وتضعه على مسافة واحدة مع المصريين الذين عانوا من احتلال الإنجليز، حتى تحرروا منه.
ويؤكد ياسين أن ما يقوم به هؤلاء تجاوز القيام بجريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني، إلى الانحياز المطلق والسافر للعدو الصهيوني ضد المقاومة، بل نصَّبوا أنفسهم قضاة في قضية واضحة وضوح الشمس كتحرير فلسطين، ولا تحتاج إلى اجتهاد، بل هي فيصل ما بين الفعل الوطني وغير الوطني.
ويشير المفكر العربي والمؤرخ الفلسطيني المقيم بالقاهرة إلى أن بعض الإعلاميين المصريين المعروفين يقومون بفعل مستهجن وقبيح؛ وهو لوم الضحية، وعدم الوقوف مع الشقيق، موضحاً أنه على مدار تاريخ القضية الفلسطينية يزيد عدد هؤلاء المتواطئين مع العدو الصهيوني، ولكن هذه المرة -والكلام له- سيصدمون حين تسفر المعركة عن خذلان شديد للاحتلال الصهيوني، وهزيمة لهم، ليخسروا أنفسهم مرتين؛ مرة بالابتعاد عن الموقف الوطني الجامع، ومرة بتلقي حليفهم هزيمة جديدة.
سيف الدولة: الصهيوني قد يكون «إسرائيلياً» أو أمريكياً أو عربياً
لا مجال للمحايدين
ويستنكر المفكر المصري محمد عصمت سيف الدولة، مؤسس حركة «مصريون ضد الصهيونية»، في حديث لـ«المجتمع»، ما يحدث من هؤلاء قائلاً: في الحرب لا مكان ولا مجال للمحايدين، فما بالنا بمن ينحازون من أبناء أوطاننا وأمتنا الى معسكر العدو ويتبنون روايته الصهيونية ويروجون له في ذروة اشتعال المعارك وسقوط آلاف الشهداء.
ويضيف سيف الدولة أنه لا مجال هنا لحسن الظن أو حسن النوايا، فالوطني وطني، والصهيوني صهيوني، سواء كان صهيونياً «إسرائيلياً» أو أمريكياً أو عربياً، خاصة أن الصراع بيننا وبين الكيان الصهيوني صراع قديم، والقضية واضحة لجميع الأطراف منذ عشرات السنين، وهناك إجماع تام بين كل أطياف الأمة على الثوابت الوطنية والعربية والعقائدية.
ويوضح مؤسس حركة «مصريون ضد الصهيونية» أنه من أساسيات هذه الثوابت تجريد العدو من أي إمكانية للاستقرار أو الأمن على الأرض المحتلة، مهما كانت التضحيات والأثمان، وذلك بهدف دفع أكبر عدد من الصهاينة للرحيل عن فلسطين والعودة إلى أوطانهم الأصلية، وأيضاً لضرب وإضعاف أي هجرات يهودية جديدة إلى فلسطين، وهو ما يقوم به الجيل الحالي من المقاومة.
“هي قضية ولاء وبراء، وفرز، وفيصل بين الحق والباطل وبوصلة يوزن الناس بها»، بهذه الكلمات الحاسمة وصف المفكر الإسلامي د. كمال حبيب، في حديثه لـ«المجتمع»، القضية الفلسطينية، موضحاً أنها كشفت عوار المنافقين وأظهرت حقيقتهم، ووظيفتهم الحقيقية كمدفعية فكرية تمهد السبيل لاستحلال حرام على المستوى الوطني والديني، والترويج للصهاينة.
حبيب: هؤلاء منافقو العصر ومدفعية العدو الفكرية وفضحهم واجب
ويضيف د. حبيب أن الله عز وجل تحدث عن المنافقين في القرآن، وهم موجودون في كل عصر وزمان، ويظهرون بخاصة وقت الأزمات، كما قال تعالى: (لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (الأنفال: 37)، ففي هذه الأوقات التي تمر بها القضية الفلسطينية كشفت معركة «طوفان الأقصى» هؤلاء المنافقين الذين كانوا يروّجون من قبل لـ«صفقة القرن» و«الديانة الإبراهيمية».
ويدعو المفكر الإسلامي د. حبيب إلى إصدار الشعوب لقوائم سوداء تضم المشايخ والساسة والأكاديميين والإعلاميين من كل دولة، الذين خذلوا فلسطين والمقاومة الفلسطينية في المعركة الدائرة، حتى يلاحقهم العار ويتم فضحهم على مدى الدهر.
طابور خامس
إعلامياً، يرى الأمين العام المساعد السابق للمجلس الأعلى للصحافة بمصر الكاتب والإعلامي قطب العربي، في حديثه لـ«المجتمع»، أن من حسنات «طوفان الأقصى» أنها كشفت الطابور الخامس في الوسط الإعلامي والسياسي عامة، فهؤلاء لم يستطيعوا إخفاء انحيازهم للعدو حتى لو تقوّلوا بغير ذلك، كما لم يستطيعوا إخفاء عداوتهم للمقاومة، وفي مقدمتها «حماس».
العربي: «طوفان الأقصى» كشفت الطابور الخامس بالإعلام والسياسة
وحول مزاعمهم، يقول العربي: لقد ظهر هؤلاء المنافقون منافحين بشدة عن حق الكيان الصهيوني في الرد على «حماس» والمقاومة بزعم أن المقاومة هي التي بدأت العدوان في «طوفان الأقصى»، متجاهلين عن عمد وإدراك أن المقاومة كانت وستظل مجرد رد فعل على الاحتلال الصهيوني الذي اغتصب فلسطين وهجر أهلها، ويواصل اعتداءاته على ما تبقى من أرضها وشعبها بغية استكمال تهجيرهم وقضم أراضيهم ليصبح الكيان خالصاً للصهاينة ولا وجود فيه لأي فلسطيني.
ويؤيد العربي إصدار قوائم سوداء بحق المتعاونين مع العدو الصهيوني، مؤكداً أنه ينبغي التعامل معهم بمنتهى الحذر، وينبغي فضحهم في كل مكان، ووضعهم في قوائم سوداء لأعداء فلسطين، وأعداء الحق الفلسطيني في وطن حر مستقل عاصمته القدس الشريف، وهو ما لن يتحقق إلا من خلال المقاومة مع انسداد أفق الحل السياسي العادل.