في المقال السابق، طرحنا السمة المساندة الثانية للمدرِّب المتألِّق؛ وهي التنافس والتحدي بين المتدربين، وهنا نكمل توضيح هذه السمة المهمة، ونتبعها بثلاث سمات مساندة أخرى.
إن من طرق التنافس والتحدي بين المتدربين طرح الألغاز الإدارية، ومن هذه الألغاز التي طرحناها في دورة «أسرار القيادة الفعالة للقطاع النفطي» لغز الحلزون، وهو كالتالي:
يُحكى أن حلزوناً بدأ صعود سلم مكون من 20 درجة، يصعد هذا الحلزون خلال النهار 5 درجات، وينزل خلال الليل 4 درجات، والسؤال هو: كم يوماً يلزم الحلزون كي يصل إلى أعلى السلم؟
معظم المتدربين يظن أن الإجابة المنطقية 20 يوماً، ولكن الإجابة الصحيحة هي أن الحلزون يصل إلى أعلى السلم في نهار اليوم الـ16؛ حيث يصعد 5 درجات خلال النهار فيصل إلى أعلى السلم!
ولكن الهدف الخفي من هذا اللغز تشجيع المتدربين على عدم النزول من أعلى القمة إذا وصلوا إليها، والمدرب المتألق هو الذي يتحدى المتدربين في حل لغز أو حل مشكلة، ويجعلهم يتنافسون في حلها.
على المدرب طرح الأسئلة لتشجيع النقاش والحوار وسماع مزيد من الآراء
وإليكم هذه القصة: وقَّع مدير إدارة العقود في مؤسسة عقداً لبناء محطة كهربائية، وكان الأمر يتطلب تحويل مبلغ مليون دينار للشركة المنفذة للمشروع، فاتصلت الشركة بمدير المؤسسة تطلب منه تحويل المبلغ لها فوراً.
بدوره، اتصل المدير بالمحاسب، وطلب منه تحرير شيك بالمبلغ فوراً، فقام المحاسب بتحرير الشيك، وتم إرساله للشركة فوراً، ولكنْ تأخر وصول الشيك للشركة، فقامت الشركة واتصلت مرة ثانية بمدير الشركة تطلب منه تحويل المبلغ فوراً.
هنا اتصل المدير بالمحاسب وطلب منه تحرير شيك بالمبلغ فوراً؛ فقام المحاسب -في غفلة من الأمر وبسبب ازدحام العمل- بتحرير شيك ثانٍ، وتم إرساله للشركة فوراً.. وصل الشيكان معاً للشركة، فقامت الشركة بإرجاع الشيك الثاني للمؤسسة.
هذه مشكلة كبيرة؛ حيث وقَع المحاسب فيها بخطأ جسيم ثمنه مليون دينار! والسؤال هنا: لو كنت مكان مدير المؤسسة، كيف تحتوي هذه المشكلة، علماً أن المحاسب لم يرتكب خطأ سابقاً، وقد مضى على عمله في تلك المؤسسة 12 عاماً، وكان غاية في التفاني والإخلاص لخدمة المؤسسة؟
فلو كنت مدرباً متألقاً فإنك ستطلب من المتدربين طرح الحلول في جلسة عصف ذهني، ثم تطلب منهم التصويت لاختيار أفضل الحلول.
إذاً، المدرب المتألق هو الذي يتحدى المتدربين بطرح مشكلات واقعية، ويطلب منهم طرح حلول واقعية لها، في جلسة عصف ذهني.
3– الهدوء والتفكير:
من طبيعة المتدربين أنهم يحبون المدرب الذي يطلب منهم المشورة، والحوار، والتصويت، لاختيار أفضل فكرة تمت مناقشتها، في المقابل لا يحبون من ينفعل سلباً، وينتقد الأفكار المطروحة.
.. والحرص على التواصل مع المتدربين وإقامة علاقات معهم أثناء الدورة وبعدها
ولتوضيح ذلك نرجع إلى قصة المدير والمحاسب التي طرحت أعلاه، ففيها من الحوار والنقاش الكثير، والعديد من الآراء المتنوعة، ونستنتج منها أن المدرب المتألق هو الذي يدير هذا النقاش؛ حيث يقوم بتشكيل عدة فرق، ويطلب من كل فريق تعيين قائد يضبط الحوار، ويكتب الآراء التي يسمعها، ويجمعها في رأي واحد يعبر عن رأي الفريق، إذاً؛ عليه (المدرب) أن يفتح النقاش لطرح الآراء المتنوعة، ويوجه الأسئلة التالية للمتدربين:
– من منكم يرى أن احتواء هذه المشكلة أولى من تصعيدها؟ ولماذا؟
– من منكم يرى ضرورة معاقبة المحاسب ولو بلفت نظر؟
– هل تعتقدون أن لفت النظر ينبغي أن يكون مكتوباً أم مشافهة؟
– ما أول خطوة ينبغي للمدير أن يتخذها تجاه المحاسب؟
– هل جمع المعلومات والحقائق من الضرورات قبل استدعاء المحاسب؟
– هل يقوم المدير باستضافة المحاسب عند قدومه إليه؟
– هل يبدأ المدير بالثناء على أعمال المحاسب السابقة قبل محاسبته؟
– هل يوجه المدير النصيحة والانتقاد للمحاسب؛ لمعرفة ما حدث على وجه الخصوص؟
– هل المدير شريك للمحاسب في الخطأ الذي حدث؟
– هل يقوم المدير بوضع نظام جديد لضمان عدم تكرار الخطأ مرة أخرى؟
– هل يقوم المدير بمتابعة تطبيق النظام الجديد؟
– هل يعين المدير موظفاً يساعد المحاسب في عمله؟
هذه مجموعة من الأسئلة المغلقة والمفتوحة، يطرحها المدرب المتألق للوصول إلى حل يرضي الجميع، دون أن يفرض رأيه على المتدربين.
نؤكد هنا أن المدرب المتألق هو الذي يستعمل الأسئلة المغلقة (هل، أين، متى، من، كم) لضبط النقاش وضبط وقت الحوار، وقد يستعمل الأسئلة المفتوحة (ماذا، لماذا، كيف، أخبرني) لتشجيع النقاش والحوار وسماع مزيد من الآراء، وينهج هذا النهج مع المتدربين لطرد الملل، وتشجيع النقاش، وإفشاء الحيوية، والنشاط، والطاقة، والحماسة بين المتدربين.
4– التواصل وإقامة العلاقات:
من طبيعة المتدربين أنهم يحبون المدرب الذي يتواصل ويقيم علاقة معهم؛ قبل انعقاد الدورة، وأثناء انعقادها، وبعد انتهائها.
ولإثبات ذلك نذكر هذه القصة: في دورة «المدير المحصن للشركة السعودية للكهرباء في جدة»، طلبت من المتدربين في نهاية الدورة كتابة أرقام هواتفهم في ورقة، ثم أرسلت رسالة نصية لكل متدرب على حدة بعد الدورة، ذكرت فيها اسمه وشكرته على تفاعله في أثناء الدورة، وطلبت منه إبداء رأيه فيها، واقتراح ما يحسن الأداء فيها.. واكتشفت أن نسبة من تجاوب مع رسالتي 44% (7 متدربين من أصل 16).
.. وابتكار وتجديد مكان انعقاد الدورة وجلب ضيوف من الخارج لهم
وفي دورة «أسرار القيادة الفعالة لموظفي وزارة الأوقاف في الكويت»، قمت بإرسال رسالة نصية لكل متدرب على حدة، ذكرت فيها اسمه، ورحبت به، وطلبت منه أن يرسل لي كلمة إيجابية تبدأ بأول حرف من اسمه.. فكانت نسبة من تجاوب مع رسالتي 89% (24 متدرباً من أصل 27).
وعليه؛ فإن المدرب المتألق يحرص على التواصل مع المتدربين، وإقامة علاقات معهم؛ قبل انعقاد الدورة وأثناءها وبعدها كذلك، وتوصلت إلى أن أقل ما يتوقعه المتدرب -من المدرب- في أي دورة ثلاثة أمور، جمعتها في كلمة «تام»: «ت = ترحيب به، ا = ابتسامة في وجهه، م = مناداة باسمه».
ويجعل تواصله مع المتدربين محدداً؛ فيطلب منهم أمراً واحداً ولا يُكثر، كأن يطلب مقترحاً واحداً، أو كلمة واحدة، أو حلاً لتمرين واحد؛ لكي يتجاوبوا معه.
مثال على ذلك: اجعل آخر نصف ساعة في نهاية كل دورة حواراً حول خطة العمل الشخصي، تقول فيها للمتدربين: «اذكر أمراً واحداً تعلمته في هذه الدورة، وتريد تطبيقه في حياتك الشخصية أو العملية».
5– التجديد والابتكار:
من طبيعة المتدربين أنهم يحبون المدرب الذي يجدد لهم مكان انعقاد الدورة، ويجلب لهم ضيوفاً من الخارج، وأذكر أمثلة على هذا الأمر:
– في دورة «التفكير الإبداعي لشركة المشروعات السياحية»، عقدنا أحد أيام الدورة على ظهر سفينة -وسط البحر- من سفن شركة المشروعات السياحية! كان ذلك اليوم من أفضل أيام الدورة، ففيه تجديد بمكان انعقادها.
– في دورة تدريبية لمعهد الأبحاث التي عقدت في فندق «راديسون بلو»، اتخذنا قراراً بعقد الدورة على ظهر سفينة «الهاشمي»، وهي أكبر سفينة خشبية شراعية في العالم، تم بناؤها في هذا الفندق!
– في دورة تدريبية للحرس الوطني الكويتي، كانت لنا زيارة ميدانية -في أحد أيام الدورة- لشركة صناعة الكيماويات البترولية الكويتية، وكانت زيارة تخطت توقعات المتدربين!