كاتب المدونة: أشرف شعبان
هناك من يرون أعمالهم على عكس ما هي عليه، حيث يرون ما يقومون به من شر خيرًا محضًا، ومن جور إنصافًا صرفًا، ومن ضلال هدى خالصًا، ومن سيئة حسنة صريحة، بل ويرونها أفضل مما يقوم به غيرهم، وما هم عليه من قوة وثراء وجبروت، لأكبر دليل على ذلك، سواء كانت أعمالهم هذه في مجال العقائد والإيديولوجيات أو في مجال مقتضيات الحياة ومتطلبات المعيشة، وكل ما يعملونه من عمل، يحسبون أنهم محسنون في صنعه، وأنهم على شيء من الحق، قال تعالى: { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ} (المجادلة آية 18) بل من هؤلاء أيضًا من يفسد في الأرض ويسفك فيها الدماء، ويعتقد أنه يفعل الصواب، بل ويعتقد بأن ما يقوم به هو من مصاف الأمور العظيمة والمهمة.. ويا لها من انتكاسة في العقل والفكر، وزوغان في البصر، أن يظن المبطل أنه محق، والمخطئ أنه مصيب، والضال أنه مهتد، وأن يرى قبيح عمله روائع يجب إن يشدو بها، قال الله تعالى {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} (الكهف).. نزلت هذه الآية في أهل الكتاب، ولأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإنها تنطبق على كل فرد أو جماعة من أبناء أمة الإسلام، أو من غيرها من الأمم، طالما حادوا عن الصواب وانقادوا للشيطان، وأطاعوه فيما يزينه ويحسنه لهم من أعمال وما يسبقها من فكر وعزم، ويحسبون أنهم يحسنون صنعًا، بل وعلى هدى أيضًا، قال تعالى: { إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} (الأعراف30) فليس من كان على بصيرة من ربه، يميز بها بين الحق والباطل، وبين الصواب والخطأ، وبين الرشاد والغي، كمن زين له الشيطان سوء عمله فرأى السيئة حسنة والباطل حقًا، واتبع ما تمليه عليه أهواؤه، قال تعالى {أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم} (محمد 14).
بداية.. تزيين الشيء يعني: تحسينه وتجميله في عيون من يراه، وما يتبع ذلك من ترغيب النفس فيه وإقبالها عليه، فمن الناس من حسن لهم أعمالهم السيئة فرأوها حسنة، وحببت إليهم، فاستمروا على فعلها، ويرتكبون ما يرتكبونه من قبائح، ظنًا منهم أنها محاسن، وما هذا إلا لمشيئة الله عز وجل، فهو وحده الذي يضل من يشاء إضلاله، ويهدي من يشاء هدايته، قال تعالى {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ} (فاطر 8).. وقال جل وعلا في سورة النمل آية 4 {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ} فالله عز وجل بين لعباده السيئ من الحسن وعرفه لهم، فإن هم اختاروا القبيح وأحبوه ورضوه لأنفسهم، زينه سبحانه وتعالى لهم، وأعماهم عن رؤية قبح أعمالهم، عقوبة لهم.. وكل ظالم وفاجر وفاسق لا بد أن يريه الله تعالى ظلمه وفجوره وفسقه قبيحًا، فإذا تمادى فيه، ارتفعت رؤية قبحه من قلبه، فرآه حسنًا عقوبة له. قال عز وجل {كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام 108) أي زينا لكل أمة عملهم، من الخير والشر، والطاعة والمعصية، ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم ويجازيهم بما كانوا يعملون، ولا يمكن لبشر مهما أوتي من الفطنة والذكاء، والعلم والفهم، أن يحيط علمًا، بحكمة الله تعالى في خلقه وأمره، وقضائه وقدره، ولقصور مدارك البشر، تجدهم يحسبون أعمالهم السيئة حسنة.
وعلى الجانب الآخر فقد حبب الله تعالى الإيمان وزينه في قلوب عباده الذين آتاهم رشدهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، قال تعالى {وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} (الحجرات 7).
وللشيطان دور في تزيين الأعمال، قال تعالى {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)} (الحجر 39- 42) قال إبليس: لأحسن لهم في الأرض حب الدنيا وإيثارها على الأخرى، وأحبب الشهوات إلى نفوسهم حتى يتبعوها، ولأزين لهم المعاصي والسيئات، وأحسن لهم القبيح، وأجمل لهم المنكر، وأصرفهم عن طاعتك، ولأعملن على إضلالهم إلا عبادك منهم المخلصين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن إبليسُ قال: وعزَّتِك لا أبرحُ أُغوي عبادَك ما دامت أرواحُهم في أجسادِهم . فقال : وعزَّتي وجلالي لا أزالُ أغفرُ لهم ما استغفَرُوني”.. وهذا إصرار من الشيطان على غوايته للناس أجمعين، إلا عباد الله المخلصين منهم، ويقابله من المولى عز وجل مغفرة لمن تاب وأناب وعاد إلى ربه مستغفرًا.
وقال عز وجل {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام 43) وقال {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} (الأنفال 48) وقال {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} (النمل 24) وقال تعالى {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} (فاطر 8) والشيطان ليس له سلطان على الذين آمنوا، إنما سلطانه على الذين يتولونه، قال تعالى {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100)} (النحل 99 -100).