مرت الأمة الإسلامية في تاريخها بمراحل قوة استطاعت أن تبسط سلطانها على أماكن شاسعة في 3 قارات، ومر بها كذلك مراحل ضعف استباح الصليبيون أرضها 200 عام، واجتاح المغول بغداد وأسقطوا الخلافة العباسية عام 656هـ؛ فانتصر المماليك عليهم عام 658هـ، وأنهوا الوجود الصليبي في بلاد الشام عام 691هـ، وبرزت الدولة العثمانية كإحدى القوة العظمي في العالم لقرون حتى سقوطها عام 1924م.
وهكذا صارت مراحل القوة والضعف متداولة بين الأمة الإسلامية وأعدائها؛ فالأمة الإسلامية تضعف، لكنها لا تباد وتهلك كسائر الأمم، ولن يسلط الله عليهم عدوًا يستبيحهم جميعًا، ولو اجتمعوا عليها من كل الأقطار؛ فضعفهم ليس بسبب قوة عدوهم، بل بسبب تفرقهم وتناحرهم واستقواء بعضهم على بعض، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن(1).
أولاً: مفهوم الوهن والضعف في الأمة الإسلامية:
يشمل مفهوم الأمة الإسلامية المسلمين في العالم جميعاً مع اختلاف أقطارهم ولغاتهم وأجناسهم؛ فيقول سبحانه: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: 92).
والوهن أن يفعل الإنسان فعل الضعيف مادياً ومعنوياً؛ فالضعف النفسي بالخوف أو الحزن أو فقدان الثقة بالنفس أشد من الضعف المادي؛ لذا أمر سبحانه المسلمين بالتخلي عن مظاهر الضعف النفسي عقب هزيمتهم في غزوة «أُحد» في قوله: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران: 139)(2).
الأمة تواجه تحديات كثيرة أهمها التخلف الحضاري في ظل العولمة والهيمنة السياسية والاقتصادية الغربية
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»؛ فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن»؛ فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت»(3)، والحديث يفيد طمع العدو في المسلمين ليس لقلة عددهم؛ فإنهم كثيرُ، لكن لا نفع فيه ولا فائدة؛ لقلة شجاعتهم وشدة تفرقهم.
ثانياً: مظاهر الوهن والضعف في الأمة الإسلامية:
تواجه الأمة الإسلامية تحديات كثيرة، من أهمها التخلف الحضاري في ظل العولمة التي تمثل ذروة الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية الغربية على العالم، وهذا الوهن والضعف الذي تمر به الأمة الإسلامية اليوم تبدو مظاهره في جميع المجالات، ومن أهمها:
– الارتباط بالنظام الغربي؛ رحل الاحتلال العسكري عن البلاد العربية والإسلامية واستبدل به احتلال العقول التي تمتلك السيطرة على الأرض من خلال أنصاره الذين يتكلمون لغتنا ويحملون أفكاره بأساليب أكثر ذكاء وأعمق تأثيراً وأوسع انتشاراً؛ فيسير وفقاً للرؤية الغربية في السياسية الأمنية والعسكرية، والنظام الاقتصادي الذي تتبناه، وسوقاً استهلاكية كبيرة لمنتجاته.
– ضعف شأن الأمة الإسلامية في السياسة الدولية؛ سيطرت الخلافات على العلاقات بين الدول الإسلامية، وسادت الصراعات المسلحة على السلطة في بعضها مما ساهم في انشغالهم بأنفسهم وعزلتهم عن قضايا المسلمين في بورما وتركستان الشرقية والهند وفلسطين وغيرهم.
– التخاذل غير المسبوق للقضية الفلسطينية؛ حيث سارعت دول عربية إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني في السنوات الأخيرة، وعجزت الأمة عن اتخاذ موقف مؤثر ضد حرب الإبادة التي يتعرض لها شعب غزة منذ أكثر من 7 أشهر؛ فلم تستطع الأمة الإسلامية التي تبلغ نحو ملياري مسلم الضغط على الكيان الصهيوني لإدخال المساعدات الإغاثية لشعب غزة المحاصر ووقف المجازر اليومية التي أسفرت عن أكثر من 120 ألف شهيد وجريح.
– انتشار العولمة الثقافية الغربية في المجتمعات الإسلامية؛ انتشر في المجتمعات الإسلامية تقليد الأنماط السلوكية والعادات والتقاليد الغربية على نحو ما نجد في دعوتهم إلى الحرية الجنسية المطلقة، والحرية الفكرية التي لا تعترف بنصوص مقدسة، ومن ثم نجد من يشكك علنًا في ثوابت الدين مما لا يستوعبه العقل من أمور الغيبيات ومعجزات الأنبياء، ويعملون على إثارة التعصب المذهبي بين الشيعة والسنة والخلافات الفرعية، والتشكيك في السنة النبوية وعلماء الأمة، ونشر العلمانية والإلحاد وصناعة رموز دينية مزيفة؛ ليصبح المسلمون بأسهم بينهم شديد، وينشغلوا بأنفسهم بعيدًا عن قضاياهم(4).
طريق النهوض:
– ترابط المسلمين واتحادهم
– توجيه الاقتصاد الإسلامي لخدمة المسلمين
– الأخذ بأسباب النهضة الحديثة
– التمسك بالعقيدة الإسلامية الصحيحة
ثالثاً: سبل معالجة الوهن والضعف بالأمة الإسلامية:
إن طريق النهوض بالأمة من حالة الضعف التي تعيشها الأمة لا بد أن يتوفر فيه الإرادة للتغير والإصلاح، فيقول سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11)، وإذا أرادت الأمة تجاوز حالة الضعف التي تمر بها لا بد أن تسعى جاهدة لاتخاذ طريق الإصلاح، ومنه:
– ترابط المسلمين واتحادهم في مواجهة التحديات المعاصرة: ظل حلم وحدة العالم الإسلامي يراود دعاة الإصلاح في العالم الإسلامي؛ حيث دعا جمال الدين الأفغاني في نهاية القرن التاسع عشر إلى إنشاء وحدة المسلمين تحت مظلة «الجامعة الإسلامية»، واليوم توجد الكثير من التكتلات العربية والإسلامية التي تحتاج إلى تفعيل دورها، ومنها: «جامعة الدولة العربية»، و«منظمة المؤتمر الإسلامي» التي وضعت من أهدافها: تعزيز التضامن الإسلامي؛ ودعم التعاون في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية؛ وتنسيق العمل من أجل الحفاظ على سلامة الأماكن المقدسة وتحريرها، ودعم كفاح الشعب الفلسطيني ومساعدته على استرجاع حقوقه وتحرير أراضيه، وإيجاد المناخ لتعزيز التعاون والتفاهم بين الدول الأعضاء والدول الأخرى.
وتلك الأهداف إذا تم تطبيقها؛ فإنها تحقق الوحدة بين الأقطار الإسلامية والدفاع عن قضاياه، لكنها ظلت داخل الإطار النظري بعيدة عن التطبيق مما أفقد العالم الإسلامي مكانته الدولية.
– توجيه الاقتصاد الإسلامي لخدمة المسلمين: تمتلك الأمة الإسلامية مقومات اقتصادية هائلة يمكن الاستفادة منها في مجال التنمية كهدف إستراتيجي، وتنفيذ خطط تنموية مشتركة بين الدول العربية والإسلامية تأخذ بعين الاعتبار ما يتميز به الاقتصاد الوطني من خصائص لتحقيق هدف مرحلي يهدف إلى تحقيق التعاون الاقتصادي ككتلة اقتصادية واحدة، وتفعيل السوق العربية المشتركة، واستثمار رؤوس الأموال العربية محلياً بدلاً من استثمارها في الدول الأجنبية.
وتشرف الأمة الإسلامية على موقع متميز في العالم، وتتنوع ثرواتها من مختلف المعادن والبترول، وتربة زراعية وتنوع مناخي يساهم في تنوع المحاصيل الزراعية، وزيادة الإنتاج لتحقيق الأمن الغذائي لدول العالم الإسلامي، وتحقيق أكبر قدر من الازدهار الاقتصادي بما يدعم اقتصاديات الدول النامية منها، ويساهم في حل مشكلاتها الاقتصادية؛ فالنقص الغذائي، والأزمات الاقتصادية معوّق للقرار السياسي(5).
– الأخذ بأسباب النهضة الحديثة: لن يتحرر العالم الإسلامي من التبعية السياسية والاقتصادية للغرب إلا بتضحيات وثمن باهظ، وتبني إستراتيجية منظمة متطورة تكفل مواكبة التقدم في مجالات التكنولوجيا والصناعة بما يدعم التقدم الاقتصادي والعسكري التي تمكنهم من مواجهة التحديات المعاصرة.
– التمسك بالعقيدة الإسلامية الصحيحة: إن تمسك الأمة بعقيدتها هو طريق النجاة من الانحرافات الغربية التي يتم نشرها في المجتمعات الإسلامية، وقد أنشئت لهذا الغرض عدة اتحادات تضم علماء من مختلف العالم الإسلامي تحتاج إلى تفعيل دورها، ومنها: «رابطة العالم الإسلامي» عام 1962م؛ وهي منظمة إسلامية عالمية تمثل فيها جميع الشعوب الإسلامية، ومن أهدافها: نشر دعوة الإسلام، ودحض الشبهات عنه، والتصدي للتيارات والأفكار الهدامة، والدفاع عن القضايا الإسلامية بما يحقق مصالح المسلمين وآمالهم ويحل مشكلاتهم.
_______________________
(1) راجع: شرح صحيح مسلم للنووي، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، (2889).
(2) د. زياد بن عابد المشوخي: الاستضعاف وأحكامه في الفقه الإسلامي، دار كنوز، الرياض، 1433هـ/ 2012م، ص 124.
(3) سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب في تداعي الأمم على الإسلام، (4297)؛ صحيح أبي داود للألباني (4297).
(4) د. برهان غليون: العولمة وأثرها على المجتمعات العربية، مركز دراسات الشرق المعاصر، باريس، 2005م، ص12.
(5) مستقبل الأمة وصراع الإستراتيجيات، كتاب مجلة البيان، القاهرة، 1430هـ/ 2009م، ص341.