في معظم مجتمعات المسلمين في العالم يسمى إمام المسلمين بلقبه المعروف «إمام»، لكنه في الصين يحظى بلقب آخر هو «آهونغ»، فمن أين جاء هذا اللقب؟ وكيف يتم إعداد الآهونغ لتولي مهمته؟ وما مراسم تنصيبه؟
آهونــغ (阿訇)
هي كلمة في اللغة الصينية مكونة من مقطعين «آ»، و«هونغ»، وهي مأخوذة من كلمة «أخوند» الفارسية، وتعني المعلم، بحكم تواصل العرب والفرس مع الصين في فترات مبكرة تلت وصول الإسلام إلى الصين.
والآهونغ بمثابة القائد الأعلى للشؤون الدينية في المسجد، وكلمة أهونغ لها شرح شعبي جميل لدى عامة مسلمي الصين، يقول: إن حرف «آ» (阿) بمعنى الشخص الذي سئل سؤالاً واحدًا، فأجاب بمائة جواب، أما كلمة «هونغ» (訇) فتعني الشخص صاحب العلم الواسع والمكانة العالية معاً، ولذلك كان على من يتولى هذه المهمة أن يكون من أهل العلم والفضل، وكانت مهمة الآهونغ أن يصلي بالناس، ويلقي خطبة الجمعة والعيدين، ولكن زاد عليه مهمة التدريس للتلاميذ في مسجده، بشكل رئيس.
من يعيّن الآهونغ؟
تعيين شخص لمنصب الآهونغ في مسجد من مساجد الصين، كان يتم بناءً على الشورى بين رعاة المسجد والقائمين عليه.
كان هذا النظام معمولاً به في الصين، حيث يشرف على المسجد مجموعة من ذوي الفضل واليسار ممن يجاورون المسجد، وكانوا يختارون الآهونغ بالتشاور فيما بينهم، ورغم أن الوضع قد تغير إلى حد ما الآن، فأصبحت الجمعية الإسلامية التابعة للحكومة التي تشرف على تعيينه؛ فإن نظام الإشراف ما زال ساريًا في مناطق كثيرة في الصين.
كان تولي وظيفة الآهونغ أو الأئمة المعلمين يرسو على الذين تخرجوا في المدارس المسجدية، وهذا التخرج ليس له وقت محدد، وإنما يعتمد الأمر في ذلك على الآهونغ الكبير، فإذا رأى أن تلميذه قد أتم دراسته وظن فيه الكفاءة، وأنه أهل لحمل قضية الإسلام، أقام له حفل تخرج وسط جمع من المسلمين، حيث يحصل المتخرج على إجازة رسمية؛ وهي عبارة عن جُبة حريرية خضراء باعتبارها زي شرف له، ويمنح راية حريرية باعتبارها شهادة رسمية، وعليها كتابات تشير إلى موجز سيرته وشمائله وكفاءاته في علوم الدين، وأمل المسلمين فيه.
أما الذين لم يحصلوا على الإجازات سالفة الذكر، فكانوا غير مؤهلين للعمل في المساجد ذات المـدارس المسجدية، وإن كانوا متبحرين في علوم الدين.
وقد وضع أئمة المسلمين الأوائل في الماضي شروطًا يجب توافرها في الآهونغ، وهي:
– التعمق في علوم الدين.
– إتقان التعليم والبراعة فيه.
– التحلي بالخصال الحميدة دون أدنى شائبة.
– المثل الأعلى في القول والعمل وفي توعية المسلمين.
– التعفف والزهد.
وكان عمل الآهونغ يتم عن طريق توجيه الدعوة له للتدريس، والعمل بأحد المساجد، وكانت هذه الدعوات تتوقف بصورة رئيسة على ما يتحلون به من شمائل ومعارف، فإذا كان هؤلاء العلماء متواضعين ومتحمسين في تحصيل العلم وجادين في تهذيب أنفسهم حتى يتعمقوا في علوم الدين أكثر وأكثر؛ أصبحوا موضع الاحترام والتقدير في أغلب الأحيان، ففي هذه الحالة تتاح لهم فرص تلقى دعوات المساجد.
الاحتفال بقدوم الآهونغ
كان لا بد من إقامة مراسم احتفال للترحيب بقدوم المعلمين للعمل في الجوامع قبل أن يبدؤوا عملهم، وكان هناك أئمة معلمون لهم شعبية واسعة وسط المسلمين بفضل تفوقهم الأخلاقي وكفاءتهم العلمية، فهم قد تصلهم دعوة من عدة جوامع في آن واحد، وهناك أئمة معلمون عاديون فضلاً وعلمًا، فقلما توجه الدعوة إليهم، أو حتى لا تتاح لهم فرصة الدعوة.
وكان من عادة المسلمين الصينيين أن يخاطبوا الأئمة بلقب «الشيوخ» تعظيمًا لهم؛ سواء أكانوا مسنين أو شبابًا، حتى إنهم كانوا يخرجون خارج قريتهم أو مدينتهم بعشرات الكيلومترات لاستقبال الإمام الجديد، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على المكانة العالية التي كان يتمتع بها الإمام أو الآهونغ.
وكان غاية المنى لدى طلاب المدارس المسجدية أن يصلوا لهذه المكانة العالية، نظرًا لما كانوا يرونه من الإكبار والتعظيم الذي يحظى به صاحب هذه المهنة كلما حل أو رحل.
وإلى اليوم يعتبر الآهونغ في مسجده وفي الحي الذي يعيش فيه ملكاً متوجاً، فعند الصلاة يصطف المصلون قياماً لاستقباله، ولا يجرؤ أحد أن يتقدم للصلاة دونه، وهو الذي يختم الصلاة جهراً ويردد خلفه المصلون ولا يخرجون من المسجد إلا بعد مصافحته، ثم السير خلفه.
أما اليوم فإلى جانب خريجي المدارس المسجدية، يتم اختيار الأئمة من خريجي معاهد العلوم الإسلامية الصينية، وممن أكملوا دراستهم في البلاد العربية.
ورغم هذه المكانة الكبيرة التي يحظى بها الآهونغ، فإن رواتبهم لا تتوافق مع مكانتهم الدينية، فهي على العموم رواتب ضعيفة، تجبر بعضهم أحياناً على البحث عن مصادر أخرى للرزق.