إن نهاية الكيان الصهيوني ليست نتيجة للتحليل السياسي فحسب، وليست كذلك من باب التسكين العاطفي المجرد، كما أنها ليست رجماً بالغيب، بل هي حقيقة قرآنية دامغة،ومنهجية ربانية قاطعة، وما على الأمة إلا أن تضطلع بمهامها، وأن تتعرف على معالم طريقها، وأن تستبين سبيل المجرمين.
إن الكيان الصهيوني أقيم بداية على قواعد بيّن القرآن ضعفها وتهافتها، ومنطلقات قطع القرآن بفشلها، ورفع رايات أكد القرآن حتمية سقوطها، وستكون نهايته وفق سنن نَصَّ القرآن على مُضيها؛ لذا ففي تلك الإطلالة القرآنية نضع الكيان الصهيوني ومنهجياته، في كفة ميزان القوانين القرآنية لتكون معياراً قائماً، ومنهجية قاطعة، في صراع الحق والباطل، لتظهر النتيجة واضحة دون عناء، وبارزة دون تفصيل، على النحو التالي:
أولاً: المسجد الأقصى معيار التمايز القاطع:
جعل القرآن الكريم المسجد الأقصى معياراً حدياً قاطعاً لتمييز من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، ممن انقلب على عقبيه، فقال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) (البقرة: 143).
الكيان الصهيوني باطل في نشأته وفي دولته وممارساته فلا بقاء له
وقد أوضح لنا هذا المعيار حال الأمة، وتمايز معسكرات الإيمان والنفاق، وعاقبة كل فريق منها، وذلك لكي يكون العقاب فاصلاً، والنتيجة حاسمةً، قال تعالى: (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال: 42).
حيث انقسمت الأمة إلى فريقين؛ فريق اتبع الرسول فانحاز للمسجد الأقصى؛ ديانة واعتقاداً واستقامة ومنهجية وحماية ونضالاً وجهاداً، فلم يكن متردداً، ولم يكن متلوناً، فاستحق أن يكون من الذين قال الله تعالى فيهم: (وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ) (البرة: 143)، ثم طمأن هؤلاء النفر سبحانه، بقبول العمل، ونجاح المقصد، وتحقيق الأهداف، فقال تعالى: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (البرة: 143).
وفريق أظهر الله سوء طويته، وخبث نيته، وسوء عمله، فكان من الذين انقلبوا على أعقابهم، فتحالفوا مع عدوهم، وتهاونوا في المحافظة على مقدساتهم، وخانوا أماناتهم، وخذلوا إخوانهم وأمتهم، وبشّرنا سبحانه بأن هؤلاء لا مستقبل لمعسكرهم كاملاً إلا الخسران، فقال تعالى: (وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران: 144).
ثانياً: قانون الحق والباطل:
الكيان الصهيوني باطل في نشأته، باطل في دولته، باطل في ممارساته، فحق عليه قول الله تعالى: (إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) (الإسراء: 81)، وإن ذلك الباطل لا بقاء له، وإن استمر به الزمن بعض الوقت، فليس ذلك لمكانته أو لقوته، ولكن أبرز أسباب بقائه تقاعس الحق عن المجيء، وعدم تحقق أهل الحق بمواصفات الحق في القرآن، لأن من قوانين القرآن في صراع الحق والباطل، أن الحق إذا جاء، وقام به أهله على الوجه الصحيح، فلا مجال لبقاء الباطل مهما ملك من عُدة وعتاد، فالحق لا يجتمع والباطل في مكان ما، ولذلك فإن تحقق المؤمنين، أو البعض منهم بمواصفات الحق ومقتضياته في القرآن الكريم يؤهلهم لمنحة الاستخدام، حيث يستعملهم الله تعالى كأسباب وأستار لتقديره الحكيم في إزالة الباطل ومحقه، فالله لا يُسلم الحق للأعداء، ولكن يتركه ليبلوا به غيرة الناس عليه، فإذا لم يغاروا هم غار هو سبحانه عليه.
الله تعالى جمع اليهود بالكيان المزعوم ليكون علامة على نهاية أسطورتهم
ثالثاً: البعث الجديد:
(فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً) (الإسراء: 7)؛ إن الكيان الذي اغتصب المسجد الأقصى ينتظر البعث الجديد، الذي كتب الله له الفتح الثاني، وقد أظهرت المقاومة ضعفهم وصغارهم، وأبرزت تفاهتهم وكذب ادعاءاتهم، ورمغت أنوفهم في الأرض، ومن خلفهم المنظمات الدولية، والمؤسسات الحقوقية، وكشفت الأنظمة العميلة والرايات المضللة.
وتبقى لهم أن يدخلوا المسجد الذي من أجله انطلقوا، ولأجله ضحوا وبذلوا، فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم هذا يهودي خلفي، تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود».
وإن الأمة على موعد مع انطلاقة جديدة، وبعث مبارك، ينطلق من المسجد الأقصى، لتتأهل الأمة للريادة والتمكين، الذي وعدها الله إياه؛ (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) (النور: 55).
الدماء التي أسالها الكيان الغاصب والأرواح التي أزهقها كفيلة بأن تُحيي الأمة
رابعاً: التهيئة للاجتثاث:
أقام الله تعالى تجمع اليهود في الكيان المزعوم ليكون آية من آياته، وعلامة قاطعة على نهاية أسطورتهم، وضعف سطوتهم، ومحو باطلهم، قال الله تعالى: (وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً) (الإسراء 104)؛ وأصْلُ اللَّفِيفِ الجَماعَةُ مِن قَبائِلَ شَتّى، فربما يتساءل البعض: كيف يُقاتل هؤلاء، وهم شذاذ في الآفاق أوزاع ليس لهم كيان، وتجمع كبير، ودولة حتى يمكن قتالهم، أما الآن فذلك ظاهر، فهؤلاء قد تجمعوا من أنحاء الأرض في هذه البلاد المباركة، فبعد أن شردهم الله تعالى في أصقاع الأرض، وجعلهم شراذم في الآفاق، أذن سبحانه أن تتخلص الأرض من رجسهم، بجمعهم في مكان واحد، لتكون نهايتهم دمغاً، وليكون زوالهم محواً.
خامساً: الهزيمة وسوء العاقبة:
الكيان الذي رفع راية الكفر والضلال، وسفك الدماء وانتهك الأعراض، أخبرنا القرآن عن قانون من قوانينه في معالم صراع الحق والباطل، أن نوقن برسالة قرآنية قاطعة، قال عنها الله تعالى: (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) (آل عمران: 12)؛ فعقيدتنا الراسخة أن الكفر وراياته المتنوعة، وعلى رأسهم راية الكفر الصهيوني، حتماً ستُغلب، وحتماً ستزول، وحتماً ستؤول عاقبتها ومن والاها إلى جهنم وبئس القرار.
على الأمة جميعاً أن تتأهب للقيام بواجبها لتكون جديرة باستعمال الله لها
إن الدماء التي أسالها الكيان الغاصب، والأرواح التي أزهقها، كفيلة بأن تُحيي الأمة، فالدماء التي تُسقي راية الحق، تجعلها أثبت في الأرض، وأقوى في المواجهة، وأكثر فاعلية في الصراع، لذا فإن ما اقترفه الكيان الغاصب من جرائم كفيل بأن يجعله على أهبة الزوال صباحاً قبل المساء، ومساءً قبل الصباح، وليس ذلك رجماً بالغيب، ولكن يقيناً في سنن الله التي لا تحابي أحداً، وقد قال الله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) (إبراهيم: 42).
وما على الأمة إلا أن تتأهب للقيام بواجبها لتكون جديرة باستعمال الله لها، فإن لم تفعل فإن سُنة الله كذلك فيها لن تتغير قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة: 54).