د. محمد همام ملحم
هنيئاً لك أيها القائد المقدام، هنيئاً لك يا ذا الرئاستين؛ رئاسة الشعب، ورئاسة المقاومة، هنيئاً لك هذا الاصطفاء والاجتباء، هنيئاً لك هذه الشهادة العالية التي كنت تطلبها وتسعى لها، وكأنك كنت تدعو بدعاء عليّ رضي الله عنه: «وَلَقِّنِي إِيَّاك على شهادة سَبَقَت بشراها وَحَقّها وفرحُها جزَعَها»، فقد سبقت بشراها لك، كنت تستشعر قربها منك وقد بشرت بنيلها برؤى صادقة رآها فيك صالحون وصالحات، وقد أخذتها بحقها بعد حمل الراية وأداء الأمانة، فدفعت ضريبة الطوفان العظيم بنفسٍ زكية ورخيصةٍ لله.. يا لها من ضريبة مباركة ميمونة!
دماؤكم المباركة الزكية، ودماء المجاهدين، ودماء المؤمنين الصابرين دماءٌ غالية، لا بد أن تُنْبِت النصر وتقرّب الفتح بإذن الله، ولسان حالكم أنكم كنتم تطلبون شهادة في سبيل الله يتبعها نصر وفتح، كما فعل النعمان بن مقرن رضي الله عنه يوم نهاوند عندما قام خطيباً في جيش المسلمين فقال: إِنّي داعٍ اللهَ بدعوة، فأقسمت عَلَى كلّ امرِئٍ مسلمٍ لما أمَّن عليها، فقال: اللَّهمَّ ارزق النُّعمان اليوم الشَّهادة في نصرٍ وَفتحٍ عليهم، وأنت القائل: «إن حركة تقدم قادتها ومؤسسيها شهداء من أجل كرامة شعبنا وأمتنا لن تهزم أبدًا، وتزيدها هذه الاستهدافات قوة وصلابة وعزيمة لا تلين، هذا هو تاريخ المقاومة والحركة بعد اغتيال قادتها، أنها تكون أشد قوة وإصرارًا».
هنيئاً لك الأجر المعظم على جهادك وصبرك ومصابرتك واحتسابك، كأنّك كنت تستبطئُ دورَك بعد أن سبقك ثلةٌ من أبنائك وأحفادك وإخوانك وأحبابك، وكأنك قد اعتدتَ التوديع منذ زمنِ شيخك الياسين، ورفيقك الرنتيسي، وسميك إسماعيل أبو شنب.. وغيرهم الكثير رحمهم الله، فصبرت واحتسبت ورضيت وواصلت الطريق ولم تلن لك قناة،
قَضَى مِنْ قَبلِهِ أبناءُ صدقٍ وأحفادٌ وأنفاسٌ زَكِيَّةْ
فما وَهَنَتْ لَهُ عَزَماتُ بَأْسٍ وما نالت به الأعداءُ طِيَّةْ
(الشاعر د. أيمن العتوم)
أنت الذي طالما أنشدت بصوتك الشجي بإيمان راسخ:
ماضٍ وأعرف ما دربي وما هدفي والموت يرقص لي في كل منعطف
وما أبالي به حتى أحاذره فخشية الموت عندي أبردُ الطرف
ولا أبالي بأشواكٍ ولا محنٍ على طريقي وبي عزمي، ولي شغفي
أهفو إلى جنة الفردوس محترقاً بنار شوقي إلى الأوفياء والغرف
فمضيت في الطريق تحمل القضية بين جنبيك رافعاً بها هامتَك ساعياً تطلب الشهادة وتسعى لها دونما تردد أو وجل، أخذت بوصية الشهيد الرنتيسي التي أوردها على لسان سميك الشهيد إسماعيل أبو شنب فعجلت إلى لقاء الأحبة:
تقدم يا أخيَّ ولا تبالي تقدم فالجهاد هو القضية
فإني قد وجدت الموت شهداً وفي الرحمن ما أحلى المنية
تقدم يا سميَّ وكن عجولا فكم لاقى السميُّ بها سمية
فكن كالراكب الماضي لعرس له الدنيا وصهوتها مطية
لا نعتب عليك عندما عجلت إلى لقاء الأحبة، ولم تلتفت إلى خوفنا من فقدِك فكان إيمانك بإخوانك راسخاً، وأنت موقن بأن هذه الحركة لن يضيعها ربها، وبأن هذه الدماء والتضحيات لن تضيع سدى، وأنت موقن بأنه سيخلفك سيد يكمل الطريق ويحمل الراية، وقد استشهدت في آخر مقولاتك بقول القائل:
إذا سيِّدٌ منَّا خلا قامَ سيِّدٌ قؤولٌ بما قالَ الكرامُ فعُولُ.
وأنا أضيف إليه قول حاتم:
إذا مات منا سيدٌ قام بعده نظيرٌ له يغني غناه ويخلف.
هنيئاً لكم يا صاحب المبادئ الراسخة والمواقف الثابتة، نشهد لك أنك لم تبدل ولم تغير، يا من قلت فصدقت: «لن تسقط القلاع، ولن تُخترق الحصون، ولن يَخطفوا منا المواقف بإذن الله الواحد القهار»، فكان موقفك قلقَهم الدائم الذي أقضّ مضجِعَهم فاستهدفوك.
هنيئاً لك يا صاحب النفس الزكية، والطلعة البهية، يا من ابتسامته لم تفارق محياه حتى في أحلك الظروف، يا من محبته تسللت إلى قلوب المسلمين، يا من جمع الله عليه القلوب، كما قال الشهيد د. نزار ريان في حقك رحمه الله.
فلتهنأ بالشهادة ولتهنك الشهادة، ولتهنّأ أم العبد وليهنأ أبناؤك وإخوانك وأخواتك وأحفادك وأحبابك وأنصارك، وليهنأ كل من سار على دربك، وليخسأ كل متخاذل خوّار، شهادتك شاهدة على الناس.
تُهنَّى فيكَ أقوامٌ، وتُزْرِي بأقوامٍ، هَنِيئًا يا هَنِيَّةْ
(الشاعر د. أيمن العتوم)
وكأني بأبي العبد يوصي كل حبيب من أحبابه بوصية أسد فلسطين له:
تأبط حبل ربك والتزمه فإن الله لا ينسى وليه
وداعاً يا أخي وإلى لقاء بجنات العلا الخضر البهية
فكفكف دمعك الجاري وعدني بأن ترعى بهمتك الوصية
فما في الأرض بعد الدين شيء بأغلى من دموعك يا أُخية.
رحلتَ يا أبا العبد وقد آن لك أيها الفارس أن تترجّل، وآن لهذه الروح أن تحظى بإذن الله بصحبة النبيين والصديقين والشهداء، وستظل رمزاً سامياً ومنارة تهتدي بها الأمة، وأبشر يا أبا العبد فإن الطريق ستظلُ مضاءة وهادية ولن يخطئها السائرون المجاهدون، فطبت حيّاً وميتاً، وإلى لقاء قريب نلقاك فيه ونلقى الأحبة؛ محمداً عليه الصلاة والسلام وصحبه.