دور العمل الخيري الكويتي في تنمية المجتمعات يتجاوز مجرد تقديم المساعدات المادية للفئات المحتاجة، فهو يُعتبر عنصراً أساسياً في تعزيز التنمية الشاملة والمستدامة؛ حيث تتنوع مساهمات الجمعيات الكويتية في دعم المجتمعات من خلال مجموعة واسعة من البرامج التي تغطي الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية؛ مما يعزز من قدرتها على تحسين حياة الأفراد وتمكينهم من الاعتماد على أنفسهم.
العمل الخيري ليس مجرد توزيع مساعدات بل عملية تنموية متكاملة تسهم في بناء المجتمعات
أولاً: العمل الخيري والتنمية الاقتصادية:
يعد الدعم الاقتصادي أحد أهم أدوار العمل الخيري، حيث تعمل الجمعيات الخيرية على:
– تمويل المشاريع الصغيرة: تقدم الجمعيات الخيرية قروضاً صغيرة للفئات التي لا تستطيع الحصول على تمويل من البنوك التقليدية؛ ما يساعد في تمكين الأفراد من بدء مشاريع صغيرة وتحقيق دخل مستدام، وهذا النوع من التمويل يمكن أن يسهم في الحد من البطالة وتحسين مستوى المعيشة، مثل مشروع «إثمار» الإلكتروني لنماء الخيرية الذي يعد منصة رائدة تهدف إلى متابعة ومراقبة تنفيذ المشاريع التنموية الممولة، وتوفير آلية دفع فعالة بين نماء الخيرية والمستفيد، كما يسعى المشروع إلى تمويل المشاريع التنموية في فلسطين عبر تقديم قروض حسنة لأصحاب المشاريع الصغيرة؛ ما يسهم في دعم رواد الأعمال وتحفيز النشاط الاقتصادي.
في التنمية الاقتصادية: تمويل المشاريع الصغيرة.. التدريب المهني.. تمكين المرأة
– التدريب المهني: تؤدي الجمعيات الخيرية دوراً كبيراً في تدريب الأفراد على المهارات المهنية اللازمة لدخول سوق العمل؛ ما يسهم في تقليل الفجوة بين العرض والطلب في السوق، وتعزيز الفرص الاقتصادية للفئات المهمشة، وقد كان لنماء الخيرية شراكة مع أكاديمية حرف لتدريب الأسر المتعففة وتحويلهم من العوز والحاجة إلى طاقات فاعلة منتجة تسهم بقوة في دفع عجلة التنمية والتطوير والإبداع والإنتاج، وتنقل أسرهم إلى العطاء والإنتاج، وذلك من خلال دراسية واقعية تقوم بها الأكاديمية لأهم احتياجات سوق العمل.
– تمكين المرأة: يعد تمكين المرأة من أبرز المجالات التي تسهم الجمعيات الخيرية في تطويرها، فمن خلال برامج التدريب والتأهيل، تساهم الجمعيات في تعزيز دور المرأة في المجتمع وتوفير الفرص الاقتصادية لها؛ ما يساهم في تحسين أوضاع الأسر والحد من الفقر، وهناك العديد من المشاريع الخيرية للجمعيات داخل الكويت منها المراكز الحرفية، وأيضاً المراكز الثقافية النسائية.
في دعم التعليم: توفير المنح الدراسية.. بناء المدارس والمراكز التعليمية.. دعم التعليم المهني
ثانياً: العمل الخيري ودعم التعليم:
التعليم يُعد إحدى الركائز الأساسية التي تعتمد عليها المجتمعات في تحقيق التنمية، والجمعيات الخيرية تؤدي دوراً محورياً في هذا المجال من خلال:
– توفير المنح الدراسية: تدعم الجمعيات الخيرية الطلاب من الفئات المحتاجة بمنح دراسية تساعدهم على إكمال تعليمهم في مختلف المراحل؛ ما يسهم في تمكينهم أكاديمياً وتحقيق طموحاتهم، وهناك العديد من المشاريع لنماء الخيرية مثل مشروع «طالب العلم الجامعي»، ومشروع «علمني ولك أجري»، و«كفالة طلبة العلم».. وغيرها.
– بناء المدارس والمراكز التعليمية: تهدف العديد من الجمعيات إلى توفير بنية تحتية تعليمية قوية، خصوصاً في المناطق الريفية والفقيرة التي تعاني من نقص المؤسسات التعليمية، ومنها جامعة الوفاء في إندونيسيا، وجامعة الأمة في أفريقيا، والجامعة الكويتية القرغيزية، إضافة إلى العديد من المدارس والمجمعات التنموية.
– دعم التعليم المهني: تعمل الجمعيات على تعزيز التعليم المهني الذي يهدف إلى تزويد الشباب بالمهارات التقنية والمهنية المطلوبة في سوق العمل؛ ما يساعد على تقليص نسبة البطالة بين الشباب، وتوفير كوادر مؤهلة لسوق العمل، وهناك العديد من المراكز الحرفية التي أنشأتها الجمعيات الخيرية في أفريقيا.
في الرعاية الصحية: بناء المستشفيات.. تقديم الأدوية والمستلزمات الطبية.. التوعية الصحية
ثالثاً: العمل الخيري والرعاية الصحية:
الصحة من العناصر الأساسية في استقرار المجتمع وتنميته، والجمعيات الخيرية تؤدي دوراً كبيراً في تحسين الأوضاع الصحية من خلال:
– بناء المستشفيات والمراكز الصحية: تساهم الجمعيات الخيرية في توفير الرعاية الصحية من خلال إنشاء المستشفيات والمراكز الصحية في المناطق النائية أو الفقيرة التي تعاني من نقص في الخدمات الطبية، وقد أنشأت الكويت العديد من المستشفيات، منها مستشفى الكويت التخصصي في غزة، ومستشفى جراحات المخ والأعصاب في جيبوتي، إضافة إلى العديد من القوافل الطبية.
– تقديم الأدوية والمستلزمات الطبية: تقدم الجمعيات الخيرية الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية للأفراد الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج، وخصوصاً في حالات الأمراض المزمنة أو الحالات الطارئة، من خلال القوافل الطبية التي تقوم على تسييرها الجمعيات الخيرية.
– التوعية الصحية: تساهم الجمعيات في نشر الوعي الصحي حول الأمراض والأوبئة، كما تنظم حملات توعية مجتمعية تهدف إلى الوقاية من الأمراض وتحسين الصحة العامة.
في الاستدامة البيئية: حماية البيئة.. دعم مشاريع المياه النظيفة والصرف الصحي
رابعاً: العمل الخيري والاستدامة البيئية:
أصبحت قضايا البيئة والاستدامة من أولويات العمل الخيري في العقود الأخيرة، حيث تسعى الجمعيات إلى:
– حماية البيئة: تعمل الجمعيات الخيرية على تنفيذ برامج لحماية البيئة والمحافظة على الموارد الطبيعية، من خلال حملات تنظيف المناطق الطبيعية، وتشجيع استخدام الطاقة النظيفة، وزيادة الوعي البيئي.
– مشاريع المياه النظيفة والصرف الصحي: تساهم الجمعيات في توفير مياه نظيفة وآمنة من خلال حفر الآبار في المناطق التي تعاني من نقص المياه، إلى جانب إنشاء أنظمة صرف صحي لتحسين الظروف الصحية للسكان.
في دعم الفئات الهشة: رعاية الأيتام والأرامل.. وذوي الاحتياجات الخاصة.. مساعدة الأسر المتعففة
خامساً: العمل الخيري ودعم الفئات الهشة:
يعتبر دعم الفئات الهشة من أكثر الأدوار الأساسية التي تقوم بها الجمعيات الخيرية، إذ تركز على:
– رعاية الأيتام والأرامل: تقدم الجمعيات الخيرية الرعاية والدعم للأيتام والأرامل من خلال توفير الاحتياجات الأساسية كالمأوى والتعليم والرعاية الصحية، حيث ترعى المؤسسات الخيرية الكويتية آلاف الأيتام حول العالم، فعلى سبيل المثال ترعى نماء الخيرية أكثر من 1000 يتيم داخل الكويت، وأكثر من 3600 يتيم خارج الكويت.
– رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة: تقدم الجمعيات برامج تأهيلية وتعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى تقديم الأدوات الطبية والدعم النفسي والاجتماعي لهم ولأسرهم، بل إن نماء الخيرية حرصت على أن يكون هناك تدريب ينتهي بالتعيين لهذه الفئة من خلال برنامج «شركاء لتوظيفهم»، حيث تقوم به نماء الخيرية بشراكة مع البناء البشرية والهيئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة.
– مساعدة الأسر المتعففة: تسعى الجمعيات إلى تحديد الأسر المتعففة التي تخجل من طلب المساعدة، وتقدم لها الدعم المناسب دون إحراج، استناداً إلى دراسات وبحوث متعمقة لأوضاعهم.
في أعمال الإغاثة الإنسانية: تقديم المساعدات الغذائية.. تأمين المأوى.. المساعدات الطبية الطارئة
سادساً: العمل الخيري وأعمال الإغاثة الإنسانية:
في أوقات الأزمات والكوارث، تكون الجمعيات الخيرية في طليعة من يقدم المساعدات الإنسانية الفورية، حيث تقوم بـ:
– تقديم المساعدات الغذائية: توفير الطعام والماء للأشخاص المتضررين من الكوارث الطبيعية أو الحروب، حيث تكون هذه المساعدات ضرورية للبقاء على قيد الحياة، ولا أدل على ذلك من الفزعات التي تطلقها الكويت، من فزعة لفلسطين، إلى فزعة أفغانستان، إلى فزعة المغرب، إلى اليمن، إلى غزة.. وغيرها.
– تأمين المأوى: تعمل الجمعيات الخيرية على توفير مأوى مؤقت للنازحين أو المتضررين من الكوارث، من خلال إنشاء القرى السكنية للفقراء، وأيضاً البيوت ومراكز الإيواء والمخيمات.
– المساعدات الطبية الطارئة: تقديم خدمات الإسعاف والعلاج الفوري للمتضررين من النزاعات والكوارث، وتوفير العلاجات اللازمة في المناطق التي تفتقر إلى الرعاية الصحية.
سابعاً: التحديات والفرص التي تواجه العمل الخيري:
رغم الأدوار العظيمة التي يؤديها العمل الخيري، فإنه يواجه عدة تحديات، من بينها:
– نقص التمويل: يعتمد العمل الخيري بشكل كبير على التبرعات؛ ما يجعل من الصعب تحقيق استدامة مالية دائمة للمشاريع الكبيرة.
– زيادة الطلب على الخدمات: مع تزايد الأزمات العالمية، يزداد الضغط على الجمعيات لتلبية احتياجات أكبر عدد من المتضررين.
– نقص الكوادر المؤهلة: تعاني العديد من الجمعيات من نقص في الكفاءات المهنية التي يمكنها قيادة وتطوير المشاريع.
ورغم هذه التحديات، فإن هناك فرصاً كبيرة للنمو والابتكار في العمل الخيري، خاصة مع:
– تطور التكنولوجيا: إتاحة منصات إلكترونية لجمع التبرعات وتوسيع نطاق التوعية المجتمعية.
– الشراكات الإستراتيجية: التعاون مع مؤسسات أخرى يزيد من فعالية العمل الخيري ويعزز من استدامة البرامج.
العمل الخيري ليس مجرد توزيع مساعدات آنية، بل هو عملية تنموية متكاملة تسهم في بناء المجتمعات وتطويرها، من خلال تحسين الأوضاع الاقتصادية والتعليمية والصحية، ودعم الفئات الضعيفة والمهمشة، وتؤدي الجمعيات الخيرية دوراً حاسماً في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة.