حقق حزب جبهة العمل الإسلامي 31 مقعدًا من أصل 138 مقعداً مخصصة لمجلس النواب الأردني للعام 2024م، توزعت بين 17 مقعدًا للقائمة الوطنية (الحزبية) من أصل 41 مقعداً، و14 مقعدًا للقائمة المحلية من أصل 97 مقعداً، بنسبة بلغت نحو 22.5% من مقاعد البرلمان، تبعها حزب الميثاق بعدد مقاعد لم يتجاوز 21، وحزب إرادة بـ19 مقعداً، وهي الأحزاب الأقرب تمثيلاً للتوجهات الرسمية للدولة، في حين لم تحقق الأحزاب اليسارية والقومية وصاحبة التوجهات المدنية الليبرالية أي نتائج، لتتوزع باقي المقاعد على قوى اجتماعية وعشائرية ورموز اقتصادية معروفة.
النتيجة اعتبرها البعض مفاجأة؛ ذلك أن أفضل التوقعات ذهبت نحو حصول جبهة العمل الإسلامي على 14 مقعداً في أحسن الأحوال، غير أن النتيجة جاءت مغايرة للتوقعات التي بنيت على حسابات غير موضوعية لتجارب سابقة تم هندسة نتائج الانتخابات البرلمانية فيها بشكل مسبق من قبل الدولة ومؤسساتها السيادية عبر قانون الصوت الواحد، أو عبر التدخل المباشر؛ الأمر الذي كذبته نتائج انتخابات مجلس النواب العشرون، وعززته القرائن الموضوعية الممثلة بقانون انتخاب جديد لا يعيد إنتاج وتدوير قانون الصوت الواحد سواء في شروطه أو بيئته السياسية والإقليمية التي تعود إلى توقيع اتفاق «وادي عربة» عام 1994م، وإلى جانبه قانون أحزاب جديد أقر في العام 2022م ضمن حزمة للإصلاح السياسي في البلاد تبناها الملك عبدالله الثاني، ودفع نحوها للوصول إلى حكومة برلمانية متصورة خلال ما يقارب 10 إلى 15 عاماً من لحظة إقرار حزمة الإصلاح السياسية الجديدة.
الانتخابات.. والتحديات الإقليمية
البيئة القانونية المتغيرة تفاعلت على نحو إيجابي مع واقع سياسي محلي اقتصادي واجتماعي وإقليمي سياسي وأمني مضطرب، إذ لم يثن صانع القرار عن المضي قدماً نحو الانتخابات البرلمانية، معززاً الثقة بالنظام السياسي ومؤسسات الدولة، ومضيفاً مرونة كبيرة للبلاد للتعامل مع الأزمات والضغوط والتحديات المحلية والإقليمية، التي كان أولها صعود اليمين «الإسرائيلي» بفوز بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم في نوفمبر 2022م، وهو ائتلاف ضم المتطرف بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب الصهيونية الدينية، وإيتمار بن غفير، زعيم حزب عوتسيما يهوديت، وهو ائتلاف تبنى أجندة أيديولوجية (مسيحانية إنجيلية) تدعو إلى ضم الضفة الغربية وفرض السيادة «الإسرائيلية» على كامل المسجد الأقصى في ظل نزوع دول عربية نحو تطبيع سياسي واقتصادي وأمني مع الاحتلال يتجاوز المصالح والدور الأردني.
وزاد المشهد الإقليمي تأزماً بانطلاق معركة «طوفان الأقصى» والعدوان «الإسرائيلي» على قطاع غزة بمحاولة تهجير ساكنيه من الفلسطينيين، وهي المعركة التي ستبلغ عامها الأول في السابع من أكتوبر المقبل دون أن يلوح في الأفق حسم سياسي أو عسكري يشير إلى احتمال توقفها، لتتحول إلى حرب استنزاف تكاد تغرق الإقليم من طهران إلى صنعاء مروراً ببغداد ودمشق وبيروت، فكيف الحال بالأردن الذي يقع في عين العاصفة ومركزها الإقليمي؟!
الانتخابات تحولت من كونها استحقاقاً دستورياً إلى مخرج سياسي حقيقي للبلاد من الأزمات المحلية والجبهات الإقليمية المتعددة، فمخرجات الانتخابات أضافت قوة ناعمة جديدة للدولة الأردنية تضيق الفجوة بين الرسمي والشعبي، وتحد من الاحتقان الاقتصادي والسياسي الداخلي الناجم عن الأزمة الاقتصادية والعدوان «الإسرائيلي» على قطاع غزة والضفة الغربية.
فمسار الانتخابات ونتائجها فتح الباب للتعامل مع الضغوط الداخلية والخارجية بفاعلية أكبر خصوصاً وأن المنطقة مقبلة على استحقاقات من الممكن أن تسهم في تعقد المشهد السياسي والأمني والاقتصادي في المنطقة، ولعل أبرزها الانتخابات الأمريكية التي ما زالت تنذر بفوز الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترمب، مرشح الحزب الجمهوري الأمريكي الذي يعول عليه نتنياهو وائتلافه الحاكم لاستكمال مشروع الضم للضفة الغربية والمقرون بالتطبيع مع دول اتفاق «أبراهام» العربية سواء الموقعة عليه، أو الطامحة للانضمام إلى قاطرته، مقدماً بذلك قوة دفع لليمين «الإسرائيلي» الفاشي لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن بتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية.
التكيف مع الضغوط
الانتخابات رسمت معالم الخيار الأردني المستقبلي للتعامل مع الضغوط وتطورات المشهد الإقليمي بتقوية الجبهة الداخلية والتعامل بفاعلية مع حالة الاحتقان وتعزيز مرونة السياسة الخارجية والإقليمية للتعامل مع الخصوم والشركاء والحلفاء في الآن ذاته، ومن ضمنهم أمريكا والكيان «الإسرائيلي» ودول اتفاق «أبراهام» التي يتوقع أن تمارس مزيداً من الضغوط على عمَّان لتمرير مشاريع اليمين «الإسرائيلي» ومشاريع ترمب اليمينية في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية، خصوصاً بعد وعود انتخابية ألمح فيها ترمب لضرورة توسعة مساحة الكيان «الإسرائيلي» على حساب الفلسطينيين.
وأخيراً، لم تكن جبهة العمل الإسلامي الحزب الوحيد الفائز في الانتخابات، بل هناك طيف واسع من الأحزاب الأردنية الرافضة لفكرة الوطن البديل وأجندة اليمين «الإسرائيلي» المتطرف، وإن كان بنكهة عشائرية واضحة لا تنتقص من واقع المجتمع الأردني وتكوينه السياسي، فهي تأكيد على خصوصيته وأصالة تركيبته التي إن كتب لها المضي قدماً فستقود البلاد نحو حياة سياسية وحزبية أكثر نضجاً واستقراراً، وحكومات برلمانية أكثر تنوعاً وتمثيلاً ودولة أكثر مرونة وفاعلية في التعامل مع التحديات ورسم معالم السياسة الأردنية المستقبلية.
كما أنها لا تعني بأن الأحزاب والقوى المجتمعية التي لم تصوت للحركة الإسلامية ممثلة بحزب جبهة العمل الإسلامي ضد المقاومة الفلسطينية، أو خيارها في مواجهة الاحتلال، أو ضد الإصلاح السياسي والهوية الوطنية والعربية للبلاد، وهي حقيقة برزت في الدعاية الانتخابية والخطاب السياسي لكافة القوى التي وصلت إلى قبة البرلمان الأردني بمجلسه العشرين.
التحدي الإقليمي وتداعياته الداخلية من الممكن أن تتحول إلى فرصة أردنية تمزج بين تعزيز التجربة الديمقراطية في الحكم والعبور نحو الإصلاح السياسي، ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية في الآن ذاته، وعلى رأسها تحدي المسار التصادمي مع الاحتلال «الإسرائيلي» وحكومته اليمينية المتطرفة.
فالإصلاح وعلى نحو إيجابي تحول إلى نقيض للاحتلال والمشروع الصهيوني في المنطقة، ووسيلة لتحقيق الاستقرار وتعزيز الجبهة الداخلية، فهو فرصة لانضاج التجربة السياسية والتعامل مع التحديات التي تعصف بالإقليم بفعل التطرف «الإسرائيلي» والشلل السياسي الأمريكي والتوتر الاحتقان الإقليمي بشقيه الرسمي والشعبي؛ ما جعل منها خياراً سياسياً محلياً وإقليمياً للدولة والقوى السياسية الأردنية التي شاركت بقوة للتعامل مع التحديات.
يبقى السؤال المركزي الذي تطرحه الانتخابات الأردنية يتمركز حول مدى جدية نهج إصلاحي ومساره السياسي إن كان مستقراً وثابتاً، أم مجرد محطة لتخطي عواصف الإقليم ومساومة القوى الإقليمية والدولية؟ سؤال لا يمكن الإجابة عنه قبل مرور 4 أعوام تفصلنا عن الانتخابات المقبلة التي إما أن تؤكد مسار الإصلاح، أو أن تؤكد مجدداً بأننا أمام محطة لتخطي حالة الاحتقان الداخلي وعواصف الإقليم فقط.
ورغم ذلك، فان المؤشرات تؤكد أن الإقليم على موعد مع عاصفة ممتدة لا يمكن تخطيها دون تبعات سياسية وأمنية واقتصادية على دوله التي باتت أكثر هشاشة وضعفاً وأقل قدرة على التكيف بفعل المتغيرات الخارجية السريعة وغياب المرونة السياسية الداخلية، وهي عناصر جهد صانع القرار في الأردن على تجاوزها خلال عام كامل من اندلاع «طوفان الأقصى» والعدوان على قطاع غزة بالمضي قدماً في الإصلاح السياسي.