في تطور قضائي مثير للجدل في الهند، أصدرت محكمة خاصة بالوكالة الوطنية للتحقيق (NIA) ووحدة مكافحة الإرهاب (ATS) حكمًا بالسجن المؤبد على الداعية الإسلامي مولانا كليم صديقي، ومولانا عمر غوتم، إلى جانب 12 متهمًا آخرين، بتهمة التورط في شبكة غير قانونية لتغيير الدين، أثارت هذه القضية جدلاً واسعًا في الأوساط الإعلامية والسياسية والدينية، حيث تتقاطع فيها العديد من القضايا الحساسة مثل حرية الدين، العلاقات بين الطوائف، وتمويل الأنشطة الدينية من الخارج.
موجز القضية والحكم القضائي
تم توجيه تهم لمولانا كليم صديقي، ومولانا عمر غوتم، بالضلوع في عمليات تغيير الدين غير القانونية، التي يُزعم أنها نُفذت بتمويل من جهات أجنبية، بعد محاكمة استمرت لأشهر، صدر الحكم في 11 سبتمبر، حيث أدانت المحكمة المتهمين استنادًا إلى مواد قانونية تشمل التحريض على الفتنة، والتآمر الجنائي، والإساءة إلى الدين، وتراوحت الأحكام بين السجن المؤبد إلى السجن لمدة 10 سنوات بحق بعض المتهمين.
الحكم كان قد أتى بعد سنوات من التحقيقات المكثفة من قبل وحدات مكافحة الإرهاب والوكالات الأمنية في ولاية أوتار براديش، التي زعمت أن المتهمين كانوا يديرون شبكة واسعة تستهدف تحويل الناس إلى الإسلام بطريقة غير قانونية، كما أضافت السلطات أن هذه الأنشطة كانت تتم تحت ستار مؤسسات تعليمية ودينية، بدعم مالي خارجي عبر قنوات غير قانونية مثل نظام الحوالة.
من هو مولانا كليم صديقي؟
مولانا كليم صديقي يُعتبر أحد أبرز الدعاة المسلمين في الهند، ولد في قرية فيلت بمنطقة مظفر نجر في ولاية أوتار براديش، وتلقى تعليمه الأوَّلي في قريته قبل أن يكمل دراسته الثانوية في كلية بيكت إنتر كوليج، رغم تفوقه الأكاديمي في مجال العلوم وحصوله على درجة البكالوريوس في العلوم من كلية ميروت، إلا أنه قرر ترك دراسة الطب ليكرس حياته للعلم الديني.
أسس مولانا كليم العديد من المؤسسات التعليمية والدينية، أبرزها «جامعة الإمام ولي الله الإسلامية» في عام 1991م، ركز مولانا في مؤسساته التعليمية على تدريس القرآن الكريم، واللغة العربية، والشريعة الإسلامية، كما عمل على دعم المدارس الدينية في مناطق مختلفة من الهند، وقد عاش مولانا كليم لمدة طويلة في منطقة شاهين باغ بالعاصمة دلهي، التي تعتبر واحدة من أبرز المناطق ذات الأغلبية المسلمة في الهند.
بجانب نشاطاته التعليمية والدينية، شغل مولانا كليم منصب رئيس مؤسسة السلام العالمية، وهي منظمة تعمل على تعزيز الحوار بين الأديان والسلام المجتمعي، وعلى الرغم من أن جهوده كانت تتجه نحو تعزيز القيم الإسلامية والمشاركة المجتمعية، إلا أن السلطات زعمت أنه استخدم هذه المؤسسات كغطاء لتغيير الدين غير القانوني.
القبض على مولانا كليم صديقي ومزاعم تمويل أجنبي
في 22 سبتمبر 2021م، ألقت وحدة مكافحة الإرهاب القبض على مولانا كليم صديقي على طريق دلهي-دهرادون السريع، بعد اتهامه بقيادة شبكة لتغيير الدين بشكل غير قانوني، وفقًا للادعاءات، كانت الشبكة تعتمد على تمويل أجنبي يأتي عبر نظام الحوالة، وهو نظام مالي غير رسمي يستخدم في العديد من الدول لنقل الأموال دون المرور بالقنوات المصرفية الرسمية.
التحقيقات زعمت أن هذا التمويل كان يُستخدم لدعم المدارس الدينية وتنظيم حملات تغيير الدين، وهو ما نفاه مولانا كليم ومحاموه بشدة، وقد قضى مولانا كليم 562 يومًا في السجن قبل أن يحصل على كفالة من محكمة الله آباد العليا في أبريل 2023م، ولكن على الرغم من إطلاق سراحه بكفالة، فقد فرضت المحكمة قيودًا صارمة عليه، منها منعه من مغادرة منطقة العاصمة الوطنية (NCR) وإلزامه بإبقاء هاتفه النقال مفعلاً لمراقبة تحركاته.
عمر غوتم وقصة اعتناقه الإسلام
عمر غوتم، الذي كان يُعرف سابقًا باسم شيام برتاب سينغ، هو شخصية أخرى بارزة تم اتهامها في هذه القضية، وُلِد في أسرة راجبوتية في مقاطعة فتحبور، أوتار براديش، وكان ابن شقيق رئيس الوزراء الهندي السابق في بي سينغ، خلال دراسته الجامعية، بدأ عمر يشعر بالشكوك حول عبادة الأصنام في الهندوسية؛ مما دفعه للبحث عن أجوبة في الأديان المختلفة.
في عام 1985م، اعتنق الإسلام بعد تأثره بسلوك جاره المسلم ناصر خان، الذي ساعده خلال فترة مرضه، تحولت حياته بعد اعتناقه الإسلام، حيث درس القرآن الكريم وعلوم الشريعة وبدأ في العمل على نشر الدعوة الإسلامية، وفي السنوات التي تلت، أسس عدة منظمات دينية وساهم في دعم المسلمين الجدد في الهند.
إلا أن وحدة مكافحة الإرهاب في ولاية أوتار براديش اتهمته، إلى جانب مساعده مفتي جهانجير، بإجبار نحو 1000 شخص على اعتناق الإسلام بطرق غير قانونية، كما زعمت السلطات أن له علاقات مع وكالة الاستخبارات الباكستانية (ISI)، وهي ادعاءات نفتها أسرته والعديد من الشخصيات الإسلامية.
الجدل حول حرية الدين وحقوق الإنسان
أثارت قضية مولانا كليم صديقي، وعمر غوتم، جدلاً واسعًا حول حرية الدين في الهند، ففي حين تعتبر السلطات الهندية أن تغيير الدين بطرق غير قانونية يهدد السلم الاجتماعي، يرى منتقدو هذه القوانين أنها تستغل كأداة لقمع الأقليات الدينية، خاصة المسلمين، ويشير هؤلاء المنتقدون إلى أن الدستور الهندي يكفل حق كل مواطن في اختيار دينه بحرية، وأن اعتناق الدين حق أساسي يجب أن يكون مصونًا.
منظمات حقوق الإنسان والجماعات الإسلامية أدانت هذه الأحكام واعتبرتها جزءًا من حملة أكبر تستهدف المسلمين في الهند، كما أشاروا إلى أن الكثير من الاتهامات الموجهة إلى مولانا كليم، وعمر غوتم، تستند إلى أدلة ضعيفة أو مزاعم غير موثقة بشكل كافٍ.
إن قضية مولانا كليم صديقي، وعمر غوتم، تسلط الضوء على التوترات العميقة بين الدين والسياسة في الهند المعاصرة، بينما تدعي السلطات أنها تعمل على حماية الأمن القومي والسلم الاجتماعي، يرى منتقدو هذه الإجراءات أنها تأتي على حساب حقوق الأقليات وحريتهم الدينية، وفي ظل هذه القضايا المعقدة، يبقى السؤال الرئيس هو: كيفية تحقيق التوازن بين الحفاظ على القانون وحماية الحريات الفردية والدينية في دولة متعددة الثقافات مثل الهند؟