في الوقت الذي تمر فيه الأمة بمحن عظيمة تضعها على مفترق طريق خطير، تكون في أمسّ الحاجة للتقرب إلى الله وطلب معونته، ولن يتحقق ذلك إلا بعبادة تنشط فيها وترجوه سبحانه أن يرفع بها البلاء ويهديها سبلها ويعيدها لسابق عهدها.
ومن هذه العبادات اليسيرة والعظيمة الأجر في ذات الوقت، الذكر، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً {41} وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الأحزاب)، وعن أبي الدرداء قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟»، قالوا: بلى، قال: ذكر الله تعالى» (رواه الترمذي).
وقد وردت عبادة الذكر في كتاب الله على صور مختلفة وفي آيات كثيرة تحث المسلمين على القيام به والمواظبة عليه، كذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة ناصحاً المسلمين بالحرص عليه، فيقول تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) (البقرة: 203)، وقال تعالى: (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) (آل عمران: 41)، ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأنفال: 45)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون: 9).
وعن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سبَق المفردون»، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات» (أخرجه مسلم)، وعن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثلُ الذي يذكُر ربَّه والذي لا يذكر ربَّه، مثلُ الحي والميت» (رواه البخاري)، وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قعد مقعدًا لم يذكر الله تعالى فيه، كانت عليه من الله تعالى ترةٌ، ومن اضطجع مضجعًا لا يذكر الله تعالى فيه، كانت عليه من الله ترةٌ» (أخرجه أبو داود)
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل: أي العباد أفضل عند الله يوم القيامة؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات»، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكَرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خيرٌ منهم، وإن تقرَّب مني شبرًا تقرَّبت إليه ذراعًا، وإن تقرب إلي ذراعًا تقربت منه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرولةً» (رواه مسلم في صحيحه).
الذكر.. ورفع البلاء
يقول الله تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ) (النمل: 62)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» (رواه مسلم)
وهذا ذكر واحد وجهنا الله عز وجل إليه لاجتناب الابتلاءات العامة التي تصيب الأمة نتيجة تقصيرها، وقال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً {10} يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً {11} وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً) (نوح).
وعن أبي موسى الأشعري قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلُّك على كنزٍ من كنوز الجنة؟»، فقلت: بلى يا رسول الله، قال: «قل: لا حول ولا قوة إلا بالله» (متفق عليه).
ذكر اليوم والليلة
ذكر اليوم والليلة هي الأوراد التي تقال عقب الصلوات الخمس وفي الصباح والمساء وعند ممارسة المسلم حياته اليومية من أكل وشرب وسفر وحركة وعمل، ولها فضل عظيم في حفظ المسلم من الوقوع في البلاء، أو تخفيفه عنه وتثبيته أثناء وقوعه وسرعة رفعه من الله عز وجل، وهي أذكار كثيرة لا يستوعبها مقال، ونذكر منها على سبيل المثال:
– يردد المسلم صباحاً «سيد الاستغفار»: «اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْت» (رواه البخاري).
– «رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ» (أخرجه مسلم).
– جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: علِّمني كلامًا أقوله، قال: «قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم»، فقال: يا رسول الله، إن هؤلاء لربي، فما لي؟ يقول الأعرابي: هذه الكلمات تعظيم لله جل وعلا، فماذا يكون لي؟! وماذا أقول لأُحصِّل منفعة في الدنيا؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «قل: اللهم اغفر لي وارحمني، واهدني وارزقني»، ويقول عليه الصلاة والسلام: «الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله» (صحيح ابن حبان).