الجهاد الفريضة الغائبة عن الأمة لحقب طويلة رغم المتربصين بها واحتلال مقدساتها والتآمر المستمر عليها لتحجيم قدراتها ووقفها عن مهمتها في نشر دين الله وإعلاء كلمته.
وفي السنوات الأخيرة استطاعت المقاومة الفلسطينية والإسلامية إحياء فكرة الجهاد من جديد، ومن ثم إحياء الأمة كلها بتفعيل فريضة الجهاد والموت في سبيل الله لتحرير المقدسات، لتتعلم الأجيال الحالية لغة جديدة ولدوا وتربوا دون أن يسمعوها، ويروا بأعينهم الشهادة تحصد الآلاف في سبيل قضية كبرى، فما فضل المجاهدين؟ وما واجباتنا تجاههم؟
أولاً: فضل الجهاد والمجاهدين:
يوجه الله تعالى عباده إلى خير فضيلة الجهاد وأن فيها خيري الدنيا والآخرة، فإما النصر، وإما الشهادة، فيقول تعالى: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) (التوبة: 52)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يعطى الشهيد ست خصال يغفر له بأول قطرة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويكسى حلة من الإيمان ويزوج ثنتين وسبعين من الحور العين ويوقى فتنة القبر ويؤمن من الفزع الأكبر» (رواه أهل السنن)، وقال: «إن في الجنة لمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء والأرض أعدها الله سبحانه وتعالى للمجاهدين في سبيله» (البخاري ومسلم)، وقال: «مثل المجاهد في سبيل الله مثل الصائم القائم القانت الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام» (أخرجه البخاري، ومسلم).
ثانياً: فضل الرباط:
يقول أبو هريرة: «لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إليَّ من أن أوافق ليلة القدر عند الحجر الأسود» (رواه ابن حبان)، يقول ابن تيمية: فقد اختار الرباط ليلة على العبادة في أفضل الليالي عند أفضل البقاع، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقيمون بالمدينة دون مكة، لمعان منها أنهم كانوا مرابطين بالمدينة، فإن الرباط هو المقام بمكان يخيفه العدو ويخيف العدو، فمن أقام فيه بنية دفع العدو فهو مرابط والأعمال بالنيات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل» (رواه أهل السنن وصححوه).
وفي صحيح مسلم عن سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه ومن مات مرابطاً أجري عليه عمله وأجري عليه رزقه من الجنة وأمن الفتان»؛ يعني منكراً ونكيراً، فهذا في الرباط فكيف الجهاد؟!(1)، وعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللّه خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا» (البخاري ومسلم).
ثالثاً: حقوق المجاهدين على الأمة:
في الوقت الذي ينشغل فيه المجاهدون بجهادهم عن العمل لتوفير احتياجات أبنائهم وأسرهم من طعام وشراب ومصروفات تعليمهم وتربيتهم عامة، وحتى لإعداد أنفسهم من زاد وسلاح، يكون لزاماً على بقية أفراد الأمة أن يقوموا بأمر هؤلاء المجاهدين بدءاً من سد احتياجات الجهاد الخاصة بهم، ثم خلافتهم في أهليهم والقيام عليهم فلا يحمل فوق هم الجهاد هماً آخر.
وقد وعد الله عز وجل من يقوم بذلك بالأجر العظيم، بل وبلوغ أجر المجاهدين أنفسهم على ما لهم من شرف، فعن أبي عبدالرحمن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن خَلَفَ غازياً في سبيل الله بخيرٍ فقَدْ غزا» (رواه البخاري، ومسلم)؛ أي خلفه في حاجة أهله فيكفيه همهم.
فالمجاهد فوق ما له من حق الأخوة على المسلم، فهو يقوم بأرفع وأشرف وظيفة، حيث يجود بنفسه في سبيل الله ليكفي الأمة همها ويذود عنها ويسترجع كرامته، فليس أقل من تضافر جهود المسلمين.
رابعاً: ثمرات الإنفاق في سبيل الله على الفرد والأمة:
المال مال الله، والإنسان مستخلف فيه، فمن أنفق في سبيل الله فقد أدى ما عليه في الأمانة الموكولة إليه، ومن بخل فقد خان الله في أمانته، يقول تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {261} الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة)، وقال تعالى: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) (الحديد: 7).
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعْطِ منفقًا خَلَفًا، ويقول الآخر: اللهم أعْطِ ممسكًا تَلَفًا» (رواه البخاري، ومسلم)، ومن ثمرات الإنفاق:
1- الإنفاق استجابة لأمر الله تعالى وقربة له.
2- من أحب الأعمال إلى الله تعالى وعبادة مقربة له عز وجل.
3- بما أن من ينفق في سبيل الله، يبدله الله بالإنفاق عليه، فهو بذلك يضمن بقاء الرزق والبركة فيه.
4- إحياء سُنة التكافل بين المسلمين وضمان استمرار المحبة والأخوة والألفة بينهم.
5- استمرار فريضة الجهاد في بلاد المسلمين واطمئنان المجاهدين على ذويهم.
إن الظرف الذي تمر به الأمة ظرف خطير، ومنحنى أشد خطورة، فعلى الأمة بأفرادها ومؤسساتها أن تهرع لإغاثة المجاهدين والسؤال عنهم وتتبع أخبارهم ونشر انتصاراتهم وإنجازاتهم.
______________________
(1) مجموع الفتاوى لابن تيمية، ص419.