عبدالله بن أحمد هنيدي
إن المتمعن في تاريخ البشرية على امتداده يدرك ما للشباب من دور فعال في كل حدث عرفه الناس وتناقلته الأجيال، ونظرة واحدة في تاريخنا الإسلامي الحافل بالأمجاد والبطولات تعطينا الحجة الصادقة والبرهان الناطق على أن الدعوة الإسلامية قد انتشرت في عصور الإسلام الذهبية على أكتاف فئة من الشباب تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة عشرة والثلاثين سنة تقريبا.
فهذا علي بن أبي طالب كرم الله وجه شرح الله صدره للإسلام وهو فتى صغير ما بين العاشرة والحادية عشرة على اختلاف بين المؤرخين لكن صغر سنه لم يثنه عن التصميم والجهاد لتحمل أعباء الدعوة التي آمن بها والفكرة التي أصبح يحملها بين جنبيه ويكفي في الدلالة على ذلك إقدامه ليلة الهجرة على المبيت في فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والخطر محیط به من كل جانب والسيوف المسلطة والقلوب المشحونة بالحقد والكراهية يصمد أمامها ذلك الشاب البطل والمؤمن الشجاع.
وبجانب علي بن أبي طالب تروي لنا السيرة قصة الصحابي الجليل والشاب الغيور مصعب بن عمير الذي ترك نعيم أهله ورفاهية أمه واختار لنفسه أن يكون جنديا من جنود الإسلام ومشعلًا من مشاعل الهداية حتى صار سفير الإسلام الأول لدى الأنصار ويشرح الله على يديه صدور الكثير منهم ويأتي بمعيتهم إلى الحج فلا يسأل عن أم ولا أب ولا يبدأ بأحد في مكة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذان غلامان من مدرسة النبوة خرجا مجاهدين في سبيل الله يوم بدر وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء يقول أحدهما لعبد الرحمن بن عوف يا عم أتعرف أبا جهل قال له عبد الرحمن نعم وما حاجتك إليه قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا.
فتعجب عبد الرحمن لذلك ثم غمزه الآخر فقال له مثلها وما إلا لحظات وإذا أبو جهل يصول ويجول فقال عبد الرحمن بن عوف للغلامين هذا صاحبكم فابتدراه بسيفهما فألقياه على الأرض يتشحط في دمه ثم يأتي بعدهما شاب صغير وهو عبد الله بن مسعود فيرقى فوق صدر أبي جهل ثم يجهز عليه ويأتي مصطحباً رأس أبي جهل إلى مقر قيادة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ولم تغفل كتب السيرة قصة غلامين لم يتجاوز كل واحد منهما الخامسة عشرة ألحا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصطحبهما للقتال في غزوة أحد وهما رافع بن خديج وسمرة بن جندب فردهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لصغرهما فقيل له يا رسول الله إن رافع بن خديج يجيد الرمي فهلا تركته يقاتل فأجازه الرسول فجاء سمرة بن جندب بعد ما رأى رسول الله أجاز قرينه في القتال فقال یا رسول الله إني والله أصرع رافعا فأجازه الرسول صلى الله عليه وسلم.
إن هذين الغلامين لم يطلبا من رسول الله أن يقبلهما للخروج معه في رحلة استطلاعية أو غير ذلك من لهو الحياة وإنما يطلبان منه أن يقبلهما جنديين من جند الله ليفوزا بالنصر أو الشهادة في سبيل الله.
وتالله ما كان هذا الإلحاح المتواصل والرغبة الأكيدة والإقدام المتناهي لتوجد لولا قوة الإيمان الذي عمر قلوب أولئك الفتية الذين ضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء والبذل ونظرة واحدة في شباب اليوم ممن بلغوا العشرين أو أكثر تصدق ذلك أو تكذبه.
وما هذه إلا نماذج أوردتها على سبيل المثال لا الحصر وإلا فهناك الآلاف من الشباب المؤمن الذين حملوا الرسالة الإسلامية وأناروا الطرقات للبشرية الحائرة.
ويمضي عصر الصحابة رضوان الله عليهم وتستمر هذه العقيدة في تخريج مواكب الشباب حملة النور ومشاعل الهداية من التابعين وتابعيهم أمثال سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب ونافع مولى بن عمر الذي قال عنه الإمام مالك رضي الله عنه كنت إذا سمعت حديث نافع عن بن عمر لا أبالي ألا أسمعه من أحد غيره وكان أهل الحديث يقولون رواية الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر سلسلة الذهب أو السلسلة الذهبية.
وتمضي الأيام سريعة الخطى وينقضي عصر عمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد وغيرهما من الشباب الميامين وتستمر هذه العقيدة في تخريج الشباب الذين يذودون عن حمى الإسلام ويردون كيد أعدائه فهذا أبو القاسم محمود بن عماد الدين زنكي تولى الملك بعد أبيه وهو في عنفوان شبابه إلا أنه لم ينصرف إلى اللهو والترف ولم يخلد إلى الراحة والنعيم فها هو يزحف حتى بلاد الروم ويفتح كثيرا من حصونهم المنيعة وقلاعهم الحصينة وصفه بن خلكان بقوله «كان ملكاً عادلاً زهداً، ورعاً متمسكاً بالشريعة مائلاً إلى أهل الخير مجاهدا في سبيل الله تعالى كثير الصدقات».
ولن ننسی الملك المظفر سيف الدين قطز بن عبد الله الذي خرج بجنوده من مصر التقى بجموع التتار المتوحشة في «عين جالوت» في الخامس والعشرين من رمضان سنة 658هـ وانتصر عليهم وقتل أميرهم «كتبغانوين» وهزمهم شر هزيمة قال عنه بن كثير »كان بطلا شجاعا كثير الخير ناصحاً للإسلام وأهله وكان الناس يحبونه ويدعون له كثيراً، قُتلت فرسه يوم عين جالوت فجاءه أحد الجند وترجل عن فرسه وحلف على السلطان ليركبنها فأبى وقال ما كنت لأحرم المسلمين نفعك وحين لامه أحد الأمراء قائلاً لِمَ لا ركبت فرس فلان فلو أن بعض الأعداء رآك لقتلك وهلك الإسلام بسببك فقال له قطز أما أنا فأروح إلى الجنة وأما الإسلام فله رب لا يضيعه.
وتتوالى الأيام وتنقضي الأعوام ويصاب المسلمون بالضعف والتمزق والهوان ويطغى سيل السلطة الغربية ويتزايد في الامتداد شرقًا وغربًا حتى غمر ربوع الأرض وتسيطر أعراف الجاهلية وقوانينها ومفاهيمها على معظم بلاد المسلمين وتنحى شريعة الإسلام عن الحكم.
في هذه الأوضاع والظروف الحرجة أخرجت لنا أرض الكنانة شاباً غيورًا يلتهب حماسًا وعزيمة ومضاء، ألا وهو الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ذلكم الشاب المغوار بدأ دعوته الإصلاحية وهو في الثانية والعشرين من عمره ومضى يدعو الناس إلى منابع الإسلام الأصلية وتبعه عشرات الآلاف من الشباب في مصر وغيرها ولم تحل سنة 1948م إلا وهو يملك من الشباب الغيورين ما جعله يتقدم بهم للجهاد في سبيل الله على ربا فلسطين الجريحة وأعاد هو وجيشه إلى الأذهان بطولات خالد والمثنى وعمرو بن العاص وطارق بن زياد وصار حسن البنا وأتباعه كما قالت إذاعة بريطانيا بالحرف الواحد »من ألد خصوم الاستعمار البريطاني».
هذه نماذج اخترتها لكم معشر الشباب وما هي إلا غيض من فيض وقليل من كثير راعيت في سردها التسلسل التاريخي راجيا أن تحذو حذو هؤلاء الشباب الأخيار وأن نعرف مقدار الأمانة التي تحملها ومدى حاجة البشرية إلى هذا الدين الذي جعله الله رحمة للعالمين منوها إلى أنه ينبغي لنا أن نتحسس الداء لنعرف الدواء المناسب فالمجتمعات الإسلامية متباينة في بعض العادات والتقاليد وما يوجد في موطن قد لا يوجد في سواه.