كيف نقارب الظواهر الاجتماعية؟
لا تتبدل الصورة النمطية للظواهر الاجتماعية في المخيال الشعبي عما هي عليه في الواقع عبر الزمن، بل إن كر العصور ومر السنين يزيدها عتاقة ونضجا؛ فتتسلمها أجيال المجتمع فيما بينها بلا تغيير، وتلكم هي أمانة الموروث الذي يشكل هوية الأمة.
عندما يختلط الإنسان بالناس يميز فيما بينهم طباعا شتى وأخلاقا متباينة. العارف بطبيعة البشر لا يتفاجأ بما يرى ويلاقي، بل يعتبر ذلك فرصة لاختيار الأبرار منهم والانصراف عن الأشرار؛ أما غير العارف فيأسى ويتحسر، وربما عرّض صحته النفسية أو البدنية لمكروه طارئ أو كرب دائم لا سمح الله.
بيد أن ذلك كله يهون إذا كان في سبيل الحق الجلي الذي لا غبار عليه، فمن الناس من ترضى منه بالقليل، ومنهم من ترضى منه بالكثير، وأنّى لك بأخ كله؟! وفي الحديث الشريف غنية لنا في هذه الحياة الدنيا: “الناس معادن كمعادن الذهب والفضة”؛ فليتخير أحدنا أصحابه كما يتخير من المعادن حاجاته.
صورة غير المسلم في المخيال الشعبي
عوام الناس، في أسفل الهرم الاجتماعي، يكونون أكثر حرية وأنفذ بصراً بالأمور من أولئك الذين يتبوؤون منابر عالية؛ فيحظى العوام قرب الحقيقة بالأنس، ويستوحش الأعلون منها، في مشهد رباني عجيب، يقلب للناس ظهر المجن! فأي الفريقين خير مقاماً؟!
بعبارة أخرى، يمتلك بسطاء الأمة زاوية نظر مكتملة الاتساع، لأنهم أحرار متوكلون، في حين أنك ترى النخب الثقافية مكبلة بأغلال الخوف والجاه والمال، فلا تنطلق عقولهم إلى بعيد، ولا تنطق ألسنتهم بالقول الصحيح، فيقع المساكين بين أنواع ثلاثة من الازدراء؛ أولها: من الجمهور الذي يخاطبون؛ لأنه يراهم أسارى كالعبيد، وثانيها: ممن يمتلك زمام المنابر التي يرتقون؛ لأنه يرى فيهم منافقين فلا يخجل من استبدالهم، كلما انتهى أجل الصلاحية، بآخرين، وازدراء ثالث من قبل أنفسهم، حينما أدركوا ما هم فيه من سفالة، عندما رضوا بالقيد والذل والمهانة.
لن أستلهم، ممن خبر عن قرب الإسبان والفرنسيين والطليان، مقولة أذكر بها النشء الراغب في الإبحار عبر المتوسط ليظفر بأحضان من أذل الآباء دهرا، بل سيجد القارئ الصبور على التعلم في مقالات الكتاب من ذوي الضمائر الحية الغربيين خير أدلاء عاشروا أقوامهم، وشهودا صادقين من الداخل على بؤس الثقافة التي يختزنون، وعلى إرث مظلم من استعباد الشعوب لا يزال له في بلادهم مثقفون مناصرون.
العنصرية داء له ترياقه
لداء العنصرية دواء يستطب به من خلال مسلكيات اجتماعية معتادة لا نلقي لها بالاً، كفيلة بأن تنجي أمتنا إلى بر الأمان من أخطار عاصفة؛ مسلكيات كان قد تفطن إليها حكماء مسلمون بوحي من النبوة الشريفة، ولا تزال فاعلة في كل زمان ومكان، إنه من الواجب على كل مسلم أن يكون سداً منيعاً فلا يؤتى المجتمع من قبله، فبذلك يسهم في عصمة أمته من الخطر فتعيش في خير وعافية. وهل يأمل الناس في حياتهم الدنيا غير ذلك؟
كيف تسللت تلكم الأدواء المهلكة إلى مجتمعاتنا المحافظة بتلك الصورة المفزعة، وكيف كادت أن تفتك بنسيجها لولا الألطاف الإلهية!؟ الجزائر شعبها مسلم ولا راعي له، وبغاة الشر قد أقبلوا عليه يسومونه سوء العذاب على أصعدة الحياة كافة. وإن بينهم وبين بغاة الخير معركة شرسة؛ سيكون النصر فيها، وإن طال الزمان، لمن اعتصم بالله وصبر.
لن يغلب عسر واحد يسرين، ولن تزيد النار الإبريز إلا نقاء. لله در بني ميزاب في انتظامهم الاجتماعي! ما خابت أمانيهم حين جعلوا العلماء دليلهم في الحياة، فجمعوا لهم الطمأنينة الدنيوية إلى السعادة الروحية في صعيد واحد. فما أحوج الناس اليوم إلى استلهام الأسوة منهم، وقد خابت الأماني من صلاح الرعاة الحاذقين المكر والخداع طوال ستين عاماً ويزيد، حتى بدت الصدوع في أركان الدولة الجزائرية، ولاح الخراب على العمران.
شيطان اسمه «الجندر»
يعتمد أكثر من ينادي بحقوق المرأة ويدعو إلى المساواة بين الجنسين على مفهوم يقوم على «الجندر»، كرسه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948م بقصر «شايو» في باريس، الإعلان يعد وثيقة دولية تتحدث عن حقوق الإنسان مما يهم الناس حمايتها، علماً بأن هذا الإعلان لا يراعي الخصوصيات الحضارية بين البشر.
وبالفعل، فقد أخذ الإعلان حيزاً من التطبيق لا بأس به في دول الغرب، أغرى الكثيرين بالهجرة إليها وانتحال جنسياتها، وتدرجت الشعوب الغربية في العناية به وتطبيقه حتى تشوه، أو بان عليه العوار لأنه ولد مشوهاً؛ ولا أدل على ذلك من المناداة بـ«حقوق المثليين»، والجنوح بالمرأة كمخلوق مميز له مكانته المهمة في الحياة الطبيعية لتغدو ذكراً أو كالذكر، والدفع بها كآلة إلى الوظائف والمصانع والحقول لتعمل وتجني المال، ولم تعد تأبه، جراء ذلك، بالزواج ولا بالإنجاب ولا برعاية الأسرة.
ما يهمنا في هذا الصدد قوله: إن دعاوى الحقوق -المبنية على عدم التمييز القائم على (الجندر/ الجنس البشري)- انطلت على المجتمعات الإنسانية غربيها وشرقيها، فلا تزال هذه الدعوى تغرر بالنساء، فيقعن حبائل في أيدي من يمسك بهن لاستخدامهن وسيلة لإفساد الموروث الحضاري للأمة، الذي لا يزال بخير في بلداننا المسلمة، خاصة في المناطق المحافظة على الثقافة والتقاليد. إن ذلكم خطر حقيقي يتهددنا، لا ينفك الأشرار يسعون به مثابرين ليلبّسوا على المرأة والرجل ما هم فيه من سعادة واستقرار أسري، وإشعال فتنة عمياء تخرب المجتمع في نواته الأساسية.
إن مرحلة البلوغ في حياة الإنسان هي في العصر الحديث بين خيارين: إما أن تكون “مراهقة” قد تجنح بصاحبها فتضيع سنين من عمره، هو مسؤول عنها لا محالة؛ وإما أن تكون فتوة راشدة، فيها ما فيها من الخير للنفس وللآخرين؛ فاختر أيها المسلم فغيرك قد اختار، بين الجنة أو النار.
خدعوها بقولهم حسناء، وكم سفك على قدميها حياء! لقد كدنا أن نفقد الثقة في المرأة الموظفة، لولا بقية من حواء حصان رزان لا تزال على سجيتها لم تبدلها الأيام، وتلك هي الضالة التي ينشدها الرجال في بنات الجيل فلا يعثرون عليها إلا يسيرا. فيا بنت الجزائر المسلمة: قري عينا، وانعمي بالله، فأنت من خير النساء وأنت المثل الأعلى! واحذري بطانة السوء، من الواقفين أمامك على كل طريق أن يغروك ثناء، أو يخلعوا عنك حجاباً!
إن في قول الله تعالى على لسان مريم ابنة عمران -إحدى الكاملات في عالم النساء- ملاذاً آمناً وحقيقة اجتماعية ظهرت صدقيتها في زماننا الحالي أن ليس التمييز بين الذكر والأنثى إلا فطرة فطر الله الناس عليها: (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (آل عمران: 36)، (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف: 27).
إن في سورة «النور» تذكرة للفتيات الغافلات، ولمن تهوى الكتابة منهن بلا قيود، أن يتقين الله فيما استودعه الله بين أيديهن، فلا تضيع عندهن ودائعه، حتى يلقين الله عز وجل، كـأمهات المؤمنين، وهن محتشمات.