د/ محمد أحمد عزب
أصبح من اللافت للنظر هذا الانتشار العجيب والمتسارع والواسع للإسلام، بينما يواجه حملة الإسلام محنة كتلك التي كانت في بدايات الدعوة، وهناك محاولات حثيثة للنيل من الإسلام والحد من انتشاره، إلا أن الواقع ولغة الأرقام تقول حقائق مذهلة.
لقد أصبح مستقبل الإسلام مرتبطًا في الأساس بجهود المسلمين، فبقدر ما يبذلون من جهد وعمل، في مواجهة تحديات العصر على قدر بلوغ الإسلام آفاقاً، وارتياده بلاداً لم يكن فيها المسلمون أغلبية.
إحصاءات علمية
لا شك أن لغة الأرقام هي الأكثر قبولاً، والأحق ببناء التصورات عليها، ولا شك أنها حين تأتي من جهة بعيدة عن الإسلام فإن مصداقيتها لا تكون محل شكٍّ.
فقد ذكر تقرير صدر عن مركز أبحاث أمريكي يقول: إن الإسلام هو الديانة الأسرع انتشاراً حالياً في العالم، متوقعاً أن يصبح الديانة الأكثر انتشاراً بحلول نهاية القرن، وأنه سوف يتخطى المسيحية كأكبر ديانة في العالم بحلول نهاية القرن(1).
زيادة على المحكِّ
ينظر الإسلام للكثرة من باب الفاعلة، وهو يعتبر بالقلة الفاعلة في مقابل الكثرة التي يتغشاها التغثي ويغلب عليها الخبث، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل.. الحديث»(2).
نقدم هذا لنؤكد حقيقتين:
الأولى: أن فكرة الكثرة والقلة لا تراد في الإسلام بذاتها، وليست مقصداً يرمي إليه الإسلام، إلا إذا كانت كثرة فاعلة، فهي حينئذ مما تبتغى.
الثانية: أن من واجبات الكثرة الانتباه لالتفاف الأفعى التي تسعى لتأخير البعث الإسلامي الذي يحتاجه العالم، حيث يواجه أزمة أخلاقية دخلت كل المجالات، وافتُقد في ظل غياب الإسلام عن القيادة أخلاق الحرب، وأخلاق الاقتصاد، وأخلاق السياسة، وأخلاق التعايش عامة، بسبب تمكن أصحاب الديانات المحرفة والوضعية من ناصية زمام التوجيه والتأثر، وهنا يجب أن نشير للخطورة البالغة التي يواجهها الإسلام، أو بالأحرى يواجهها المسلمون.
التبشير والتنصير في مواجهة صريحة مع الإسلام
كثيرون هم الذين تزعجهم كلمة التبشير لأنه يخالف واقعه السيئ الساعي للنيل من الإسلام خاصة، كما تزعجهم كلمة الاستعمار التي يرونها كلمة خادعة.
والمعجم الوسيط يعتبر كلمة التبشير محدثة، تعني الدعوة إلى الدين، وفي «لسان العرب»: «البشارة في الأصل تقع على المفرح السار، فإذا جمعت كل أمر في خير وشر جاز التبشير فيهما جميعاً».
والحق أننا نستعمل الكلمتين نظراً لما صارتا عليه من مفهوم واستعمال يخالف أصل الوضع والاشتقاق، حيث صارت الكلمتان منفرتين في آذان العارفين بخطورة ما يضطلعان به، فاستعمال الكلمة وقوفاً عند المفهوم الشائع في الاستعمال، وإن خالف أصل الاشتقاق، والتطور بين المصطلحين يرصده د. عبدالمنعم النمر بقوله في وصف أحد المؤتمرات التنصيرية: خطا هذا المؤتمر خطوة أوسع وأقرب إلى الصراحة والمواجهة في مهمته فعدل عن تعبير التبشير، واستعمل بدلاً منها التنصير؛ لأنهم لم يجدوا أمامهم دفاعاً يردعهم(3).
أطلقت مجلة «المجتمع» منذ أكثر من 35 سنة على صدر غلافها هذا العنوان «الأقمار الصناعية في خدمة التنصير»، كان العالم جديد عهد بهذا النوع الخطير من البث ونشر الإعلام المسموع والمشاهد، ولكنَّ المنصّرين تنبهوا مبكراً له، حذرت المجلة من أعداد هائلة تنابذ الإسلام وترتد عنه، وتعود القهقرى تحت ظلال إغراءات المنصّرين، وبمساعدة وسائلهم الظاهرة والخفية في استمالة المرضى والفقراء(4).
في نشرة -ليست حديثة -وزعتها الندوة العالمية للشباب الإسلامي جاء فيها أن عدد المنظمات التنصيرية في العالم 24580 منظمة، وعدد المنظمات العاملة في مجالات الخدمة 20700 منظمة، ويبلغ عدد المنظمات التي تبعث منصّرين متخصصين في مجالات التنصير والإغاثة 3880 منظمة، ويزيد عدد المعاهد التنصيرية على 98720 معهداً تنصيرياً، ويزيد عدد الكتب المؤلفة لأغراض التنصير عن 22100 كتاب في لغات ولهجات متعددة، أما عدد محطات الإذاعات التنصيرية فيبلغ 1900 إذاعة، تبث إلى أكثر من 100 دولة وبلغاتها.
ومجموع التبرعات التي حصل عليها المنصّرون لعام واحد بحسب د. عبدالرحمن السميط 164 مليار دولار أمريكي(5)، كان ذلك منذ زمن، والوضع اليوم صار أشد سوءاً في هذا الجانب.
أغراض ومساعٍ سيئة
يحمل التبشير أو التنصير أغراضاً خبيثة نحو الإسلام، ينقل د. عبدالودود شلبي عن روبرت ماكس المنصّر الأمريكي قوله: لن تتوقف جهودنا وسعينا في تنصير المسلمين حتى يرتفع الصليب في سماء مكة، ويقام قداس الأحد في المدينة(6).
ويجمل د. علي النملة أغراض التبشير بقوله: الوقوف أمام انتشار الإسلام، إخراج المسلمين منه أو جزء منهم، الحيلولة دون دخول النصارى والأمم غير النصرانية في الإسلام، بذر الاضطراب والشك في المثل والمبادئ الإسلامية، الإيحاء بأن تقدم الغربيين إنما جاء بفضل تمسكهم بالنصرانية، في مقابل تأخر المتمسكين بالإسلام، فضلاً عن تغريب المجتمع المسلم في سلوكياته وممارساته، في كافة أطر الحياة، وذلك بتبني الأنماط الغربية في السلوك(7)، يضاف إلى ذلك إثارة النعرات القومية، وتمزيق وحدة المسلمين.
أما السبل التي يسلكها في سبيل ذلك فمن أهمها ما أشار إليه الراحل أنور الجندي، هو تشويه الإسلام في كل معطياته الحضارية، وتشويه الكتاب والسُّنة، والنيل من النبي صلى الله عليه وسلم، وتشويه نظم الحياة والتشريعات الإسلامية(8).
وهناك مخططات معينة تسير بها الدول التي ترعى النشاط التنصيري من أخطرها القضاء على الرابطة الإسلامية الجامعة للمسلمين في العالم كله، وتمكين الصهيونية من السيطرة على فلسطين(9).
مواجهة لازمة
لقد صار التنصير يسلك كل سبيل، لكسب المزيد من الأراضي التي ينتهبها الرأسماليون الجدد تحت أنماط الاستعمار المختلفة، والعجب في كم المبشرين الذين يتم قتلهم كل عام، ولا يزال الإصرار على أشده بين المتطوعين منهم، ولكنها ستواجه العثرات لو تمت مواجهتها مواجهة واعية، يتم التخطيط لها تخطيطاً صحيحاً.
أصبح إصلاح التعليم خاصة الديني، ليتفاعل مع مخرجات العصر ضرورة، كذلك إصلاح نظام الأسرة، والعودة في أمرها إلى تعاليم الإسلام، والاستعانة في ذلك بالكتابات والفنون الرائجة؛ لكن بحدود الشريعة.
أصبح توسيع نطاق الحريات مهماً، فإن الكبت يوجد الأرض الخصبة للانحراف.
كذلك فإن مواجهة التنصير لها أبعاد تقوم بها الحكومات، وأخرى تقوم بها المؤسسات، وأخرى من مهمات الأفراد، أصبحت وسائل التواصل اليوم ساحة رحبة للتعريف بالإسلام، وكشف زيف المنتقصين منه، ودعوة غير المسلمين إلى الإسلام.
ومن المهم أن يكون المتصدي للتعريف بالإسلام، في مواجهة التنصير على دراية تامة بالوسائل الحديثة، وطرق الحجاج العقلي، وسبل المناظرة الناجحة، حتى لا يفسد من حيث يرغب الإصلاح، كذلك يقع على كاهل الإعلاميين والفنانين دور في بيان حقيقة الإسلام، وكشف شبهات وزيف المنصرين.
كذلك يجب الانتباه لتسلل التنصير من خلال العمالة الوافدة ومنتجات الأطفال، وتحصين المبتعثين للخارج، ودعم الدراسات الدينية المتعلقة بهذا الجانب.
وأخيراً، فإن مهمة الأبوين أهم مراحل التصدي لهذا الاجتياح، وعدم الغفلة عن تنشئة الأطفال وهم يحملون قيم التوحيد ونقاء الوحي ونزاهة الشريعة، ووضوح التشريعات، ينبغي شغل المنصّرين بدينهم المحرف، وتناقض كتبهم وزيفها، وانقطاع اتصالها، وبيان شرائعهم المجافية للعقل والمنطق، ونصوص كتبهم التي لا يمكن أن تكون مقدسة، فجزء المعركة يقام من الداخل، وجزؤها من الخارج.
_________________________
(1) https://arabic.cnn.com/world/2017/03/16/islam-fastest-growing-religion.
(2) حديث صحيح، أخرجه أبو داود.
(3) نقلاً عن: خطر التبشير، د. أحمد مصطفى، ص415.
(4) العدد (897)، عام 1988، ص4، بتصرف.
(5) التنصير مفهومه وأهدافه ووسائله، ص5، بتصرف.
(6) الزحف إلى مكة، ص14.
(7) التنصير مفهومه وأهدافه، ص25، وما بعدها بتصرف واختصار.
(8) أنور الجندي، في التبشير والاستشراق، ص46.
(9) التبشير والاستشراق، ص7.