يتساءل العالم منذ يومين عما يحدث في سورية، خصوصاً ما يتعلّق بسرعة سيطرة الثوار على مدينة حلب، بالرغم من وجود قوات للنظام وللإيرانيين فيها، مع توافر العتاد والأعداد الكافية لحمايتها ومواجهة الثوار القادمين إليها من إدلب وريف حلب الشمالي والغربي!
وبالطبع نظراً لوجود 3 خطوط دفاع رئيسة في محيط حلب، فإن هذه الدفاعات تم دحرها خلال الساعات الأولى من الهجوم ليلة الجمعة الماضية، ويعزى هذا الانهيار السريع والتقدم القوي والمفاجئ لقوى الثورة السورية بالإجابة عن مجموعة من الأسئلة:
الأول: ما العامل الرئيس لهذا التحول الميداني الكبير الذي أدى لتحرير حلب؟
يكمن السر في «تغيير الإستراتيجية الروسية تجاه النظام السوري»، فقد شكّل النظام السوري عبئاً كبيراً على الإستراتيجية الروسية وسياستها في المنطقة، خصوصاً بعد انغماس الروس في الحرب الأوكرانية؛ ما جعل الملف السوري تتراجع أولويته في الحسابات الروسية.
لذا، استجاب الروس لأطروحات الأتراك التي تدعو إلى إعادة صياغة العلاقات التركية السورية على تفاهمات (تطبيع) تعمق إبقاء النظام تحت السيطرة والنفوذ الروسي بغطاء تركي، ووضع الرئيس أردوغان شروطاً أربعة لعودة العلاقات الإستراتيجية مع النظام السوري التي تمثلت فيما يلي:
1- دخول الأسد في العملية السياسية مع المعارضة وقوى الثورة.
2- المساعدة في عودة اللاجئين السوريين التي تشكّل أهل حلب منها ما يقارب 4 ملايين لاجئ في تركيا.
3- مساعدة الجيش التركي لمواجهة «قسد» الكردية.
4- أن يحدد موقفاً محايداً مع الإيرانيين.
إلا أن بشار الأسد رفض هذه الشروط، وكان الضغط من الإيرانيين لعدم الموافقة، وكان الروس سيستفيدون بالغطاء التركي؛ لأن تركيا جزء من حلف «Neto» التي لا يرحب دوله بالإيرانيين في سورية.
لذا، كان التوجه نحو إحداث تغير ميداني دون غطاء روسي؛ مما سهّل مهمة حركة ثوار سورية دون مواجهة من الجو؛ مما يحدث تغيراً في المعادلة مع النظام.
الثاني: لماذا سقطت حلب بهذه السرعة وتجاوز الثوار خطوط الدفاع الثلاثة في ليلتين؟
يمكن اختصار الأسباب بما يلي:
1- الوحدة العملية في غرفة عمليات مشتركة بين القوى العسكرية لقوى الثورة السورية، وعلى رأسها أكبر قوة «هيئة تحرير الشام»، فمن هي هذه القوى؟
أ- «هيئة تحرير الشام»: ومركزها في إدلب، ويقودها أبو محمد الجولاني، ويرأس حكومة إدلب م. محمد البشر.
والهيئة هم المتحولون من جبهة النصرة وتغير اسمهم، وقد تغير فكرهم ليصبح فكراً معتدلاً يقبل التفاهمات السياسية والمصلحية، ولديهم حكومة مزدهرة في إدلب.
ب- «أحرار الشام»: وهم تيار سلفي معتدل جذوره من آباء الإخوان القدماء (محمد سرور، محمد العبدة، عصام العطار..)، وأغلبهم شباب ولدوا في دول خليجية وانتقلوا إلى وطنهم إبان الثورة.
جـ- «فيلق الشام»: وهم وطنيون وإخوان مسلمون وعلاقتهم قوية بالحكومة التركية، وتمركزهم في سراقب ومعرة النعمان.
د- «مجموعة نور الدين زنكي»: وهم تلامذة المدرسة الحلبية المشيخية.
هذه الفرق الأربع شكّلت غرفة عمليات موحدة.
هـ- «الجبهة التركمانية»: سوريون من أصل تركماني متواجدون في ريف حلب الشمالي في (محافظة تل رفعت).
كان المخطط هو تطويق حلب من 3 جبهات الغرب (هيئة تحرير الشام)، الشمال (الجبهة التركمانية)، الشرق (أبناء دير الزور)، من جهة مدينة الباب وتادف الجنوبية (تركت لهروب جيش النظام باتجاه منطقة خناصر).
لكن نظراً لانهيار خطوط الدفاع بشكل سريع من الجهة الغربية، حيث فر قادة الجيش والاستخبارات وتركوا دباباتهم وأسلحتهم التي حازها الثوار، أدى ذلك إلى سرعة الدخول إلى مدينة حلب.
2- ضعف القوة الإيرانية وقوة «حزب الله»، إذ استهلكت بضربات أمريكية و«إسرائيلية» طوال الأشهر الأربعة الماضية؛ مما قلل من أثرها ونفوذها في حلب ومحيط إدلب.
3- ضعف معنويات جيش النظام بسبب الآثار المعنوية من حرب غزة ولبنان، وضعف الإمدادات المعيشية؛ مما أفقد الجيش حيويته وقدراته بسبب الجوع والدعم اللوجستي الضعيف.
4- الأمريكيون بالنسبة لهم لم يتدخلوا؛ لأنها ليست من مناطق نفوذهم، وهم ينتظرون من يدحر الإيرانيين ويخرج «حزب الله» من هذه المناطق، كما أن سيطرة الثورة على طريق حلب دمشق «5 m»، وسيطرتهم سابقاً على «m 4» أيضاً، يقطع الطريق على الإيرانيين إمداد «حزب الله» أو قطاعات الجيش والنظام من جهة دمشق في هذه المناطق.
الثالث: ما الخطوات التي تلتها؟
نعتقد أن الخطوات التي ستلي تحرير حلب هو ما هي إمكانية وقدرة ثوار سورية في إدارة مدينة حلب كأولوية في ضوء احتمالات هجوم مضاد بدعم إيراني.
كما أن سيناريو احتمالات مواجهة عناصر «البيدة» (PYDA) الأكراد السوريين (الجبهة الديمقراطية) وارد بشدة.
لأنه مطلب تركي، والأكراد احتلوا مطار حلب بالتنسيق مع النظام، ويعمل الثوار على تطهير المطار؛ ما قد يشعل مواجهة أكيدة بين ثوار سورية والأكراد تشغلهم عن معركتهم الرئيسة في الاستقرار في حلب.
وقد يتدخل الأمريكيون لدعم الأكراد إذا ما تدخل الأتراك في دعم ثوار سورية بشكل علني وواضح.
وقد يتجه الثوار إلى حماة وهي الأقرب وهو ما يحدث فعلًا، أما حمص فلا نظنهم متجهين لها بسبب التمركز الكبير لـ«حزب الله» والإيرانيين.
ومن المتوقع أنه سيكون في دمشق انقلاب عسكري مدعوم من روسيا يقود للتفاهمات السياسية، خصوصاً أن الطائفة العلوية في تخوف كبير من مستقبل المستجدات.
وربما ستتجمد خطوط القتال لتصبح خطوط تقسيم جديدة؟
الأيام القادمة ستكون حبلى بالأحداث والمتغيرات.