كاتب المدونة: د. أكرم عثمان (*)
الزواج سنة مباركة، حث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ” (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). فالزواج فضيلة وقيمة أخلاقية عظيمة، يقي المرء نفسه عن الوقوع في الحرام، والتصرفات التي تبعده عن الاستقامة والصحة والسوية. فهو عفة ورصانة تمكن صاحبها من بلوغ الراحة والاستقرار في حياته.
فالواجب على مَن استطاع أن يُبادر بالزواج عند الخشية على نفسه من الوقوع في الحرام، وألا يتخلَّف عن ذلك بأعذارٍ واهيةٍ، وذلك بسبب الانشغال في الدراسة، أو حرصه على التمكن من توفير مسكن وشرائه، وغيرها من الدوافع والأسباب التي قد ينشغل بها عن الارتباط بزوجة، فخطاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان عاماً للشباب؛ لقوله ﷺ: يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءَة فليتزوج، والأمر أصله للوجوب، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء، فالصوم من أسباب العفَّة؛ لأنه يُضعف قوة النكاح والشهوة، ويُسبب غضّ البصر، فهو من أسباب السلامة.[1]
نعم، فالزواج فضيلة، يشعر من خلالها الزوجان بالسكن والطمأنينة والسعادة، مصداقاً لقول الله سبحانه وتعالى “هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها” (سورة الأعراف: 189). فقوله تعالى “هو الذي خلقكم من نفس واحدة” يعني: آدم، وجعل )وخلق) منها زوجها، يعني: حواء، ليسكن إليها، أي ليأنس بها ويأوي إليها.[2] وأشار ابن عاشور في تفسيره في التحرير والتنوير: “والسُّكُونُ مَجازٌ في الِاطْمِئْنانِ والتَّأنُّسِ أيْ: جَعَلَ مِن نَوْعِ الرَّجُلِ زَوْجَهُ لِيَأْلَفَها ولا يَجْفُوَ قُرْبَها، فَفي ذَلِكَ مِنَّةُ الإيداع بِها”.[3]
ومنها تؤسس لوجود أسرة صالحة تتكون من أب وأم وأولاد، تكون لهم رسالتهم وأهدافهم لعمارة الأرض، مصدقاً لقول الله سبحانه وتعالى “هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها”.[4] قال الشيخ الشعراوي: (وَاسْتَعْمَرَكُمْ( وساعة ترى الألف والسين والتاء فاعلم أنها للطلب، وهكذا يكون معنى كلمة “استعمر” هو طلب التعمير )وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) أي طلب منكم عمارتها، وهذا يتطلب أمرين اثنين: أن يبقي الناس الأمر الصالح على صلاحه، أو يزيدوه صلاحاً”.[5] فمن معالم تكوين أسرة متماسكة قوية رصينة، أن يكون لها أهدافها ومهماتها، تسهم في رفد المجتمع بأفراد صالحين وأسوياء، تؤسس لحياة مبلغها الإيجابية والعمل الدؤوب، ورسالة في عمارة الأرض وعبادة الله -عز وجل- بأكمل صورة ومنحى.
ما أجمل أن يعيش الزوجان في سعادة وهناء واطمئنان بالغين. يتفهم كل منهما الآخر. يتمتعون بقيم أخلاقية في تعاملهم ومجريات حياتهم. حياة أبدية لا مفر من توفير سبل الاحترام وتبادل التوقير لكل منهما. ناهيك عن مشاعر الحب والانسجام والتوافق الزوجي، كل له حاجات ومتطلبات، وعليه ما عليه من واجبات تجاه الآخر.
ينبغي أن تحترم العلاقة الزوجية وتلقى من التقدير والأخذ بعين الاعتبار كل حسب استطاعته وقدراته. والتماس العذر لشريك الحياة فيما قصر أو أخطأ فيه. فنحن بشر نخطئ ونصيب. إنما الواقع الذي يعيشه شبابنا وشاباتنا مغاير لذلك. واقع صعب يتجلى في خلافات وعدم اتفاق وغياب أواصر التفاهم والحوار البناء القائم على إعطاء مساحة لكل فرد يعبر عن رأيه، ويبدي امتعاضاً أو سخطاً أو رفضاً لما يجري من أخطاء وممارسات لا تعجبه بطريقة مهذبة ومقبولة في احترام شخصية الشريك. التعبير عن الرأي دون أن يجرح الآخر، أو يقلل من شأنه، أو يحط من كرامته الشخصية، ويشنع من دوره ومهمته. ما إن تحصل الخطوبة بأيام قليلة وربما قبل انعقادها، يختلفان ويتراشق كل منهما الآخر بتهم وتقصير بتجاهل أو تعمد عدم تنفيذ ما وعد به.
إن نسبة الطلاق قبل الدخول تتعدى 40% من نسب الطلاق العامة. وتبعاً للدراسة التي عرضتها الباحثة دنيا الأمل إسماعيل، “شكّلت نسبة المطلقات الشابات قبل الدخول في الأعوام الثلاثة الأخيرة من العام 2016-2018 على التوالي 40%، و42%، و41.7% من مجموع حالات الطلاق، مبينة أن الإحصاءات الرسمية المنشورة على موقع ديوان القضاء الشرعي بغزة، لا تتضمّن تفصيل أسباب الطلاق ومؤشرات زيادة الأعداد سنوياً، ويتم الاكتفاء بتسجيل الإعلان عن أنواع الطلاق (بائن – رجعي)”.[6]
مشكلات وخلافات تطفو على السطح ونحن على البر قبل أن نغوص في محيط الزواج وأمواجه وعواصفه المتلاطمة، ناهيك عن الذين يختلفون ويهددون بالطلاق بعد شهر أو شهرين من الزواج. يبقى الرابح الوحيد من هذه الجولات المحامون الذين يترافعون عن الزوجين. حتى أحدهم قيل له حل المشكلة ودي. قال: أنا لحد الآن أسهمت في طلاق 70 امرأة.
كما تبيّن الدراسة، “فإن أسباب الطلاق المسجّلة لدى المحاكم الشرعية غير منشورة، ويمكن الحصول عليها عند الطلب، وأنها مصنفة في عدد محدد من الأسباب (عدم الإنفاق، الهجر والتعليق، الغيبة والضرر، الشقاق والنزاع) منوهة إلى أن السبب الرئيس في وقوع الطلاق هو الشقاق والنزاع بين الزوجين، وكانت نسبته للعامين 2017-2018 على التوالي 76.2% و60.1% من إجمالي حالات الطلاق”.[7]
“وأدت هذه المعطيات إلى ارتفاع في نسبة الطلاق مقابل الزواج في المجتمع العربي في البلاد، التي بلغت 32% في سنة 2020 مقابل 30% في سنة 2019. ونسبة ملفات الطلاق مقابل ملفات الزواج وصلت في محكمة حيفا الشرعية إلى 60%، وفي عكا إلى 51%، ويافا 54%، والطيبة 48%، إلا أنها لم تتعدَّ 22% في بئر السبع، و26% في الناصرة، و33% في القدس، و26% في باقة الغربية، و25% في شرعية سخنين”.[8]
تحديات وخراب بيوت وتشرد أطفال وضياع أسر بسبب ضعف الثقافة الأسرية على وجه العموم، والثقافة الزوجية خاصة، وغياب الفهم والتطبيق لمعاني الأسرة السعيدة، وغياب الدور الرجولي في المسألة واستغلاله بطريقة فيها غياب للوعي، وبأسلوب فيه فجاجة وسلبية وتعالٍ، وكأنه الآمر الناهي، لا يقيم وزناً للشريك ولا يعطيه قيمة أو وزناً، يبقى يتصرف ويتعامل كما يحلو له، دون ضوابط أو قيم أخلاقية، وغياب عن الفهم الديني لضبط العلاقة الزوجية، وضعف الثقافة القائمة على متطلبات الحياة الزوجية والأدوار الملائمة لها، وبناء الحب والمشاعر العاطفية، وضعف الثقافة الجنسية بين الزوجين، وذكورية الشاب، وضعف فهمه لدوره، وقلة مهارات التواصل والتعامل الفعال.
قد تبلغ هذه التحديات والأزمات والصراعات نهايتها وتقود إلى الانفصال والطلاق العاطفي، فهم يعيشون كالأغراب في منزل تغلب عليه التعاسة والبؤس والكآبة والدمار، فكل له عالمه وحياته بين جدران البيت بعيداً عن الآخر، أو طلاق وانفصال دائم يجلب مشكلات وصراعات على المدى البعيد، يلقي بظلاله على أطفال مهمّشين، وربما أصبحوا أحداثاً من جرَّاء ضعف الرعاية والاهتمام، وتكثر العنوسة والاضطرابات والأمراض النفسية، ما يُحدث شرخاً وضعفاً في بنية الأُسَر والمجتمع.
الاختيار وفترة الخطوبة
تعتبر فترة الخطوبة مرحلة أساسية تعطي الفرصة للخاطبين للتعرف على بعضهما، ومعرفة الصفات والمزايا لكل واحد منهما بصدق وشفافية دون إخفاء أو مواربة أو تدليس من أطراف العلاقة المستقبلية التي تنتهي بالزواج. فالمصداقية والصراحة مبلغ عظيم وفرصة لبناء الثقة والترابط بين الشركاء الذين يسهمون في بناء عش الزوجية، على أسس وقواعد متينة وصلبة. فهي مرحلة تؤسس للنجاح في العلاقة الزوجية، وفترة مناسبة لتعميق التعارف وحسن الاختيار، وفهم شخصية الآخر، وتعزيز أواصر الارتباط الوثيق، وبناء مشاعر المحبة فيما بينهما، وهي حاضنة ملائمة لتعزيز الشراكة وتأسيس حياة زوجية مليئة بالنجاحات والسعادة.
لذا، كان لزاماً الاختيار المبني على قيم أصيلة ومبادئ أخلاقية وتهذيب للسلوكيات السليمة، فهؤلاء الخطاب هم رجال ونساء المستقبل، وعلى أيديهم تبنى بيوت ينبغي أن تكون قائمة على التقوى لله -عز وجل- والخشية منه، ويتحملون المسؤولية الكاملة، ويكونون مؤهلين للزواج، ويتبادلون المشاعر العاطفية، ويفرحون ببعضهما البعض، ويعيشون قصة حب، ويتحمّلون تبعات المرحلة التي تؤهلهم ليكونوا آباء وأمهات صالحين. يعمرون بيوتاً تتصف بالسكن والطمأنينة، ويعيشون حياة سليمة وصحيحة قائمة على التقبل والتعاضد والتكافل والتشارك المبني على الإيثار والتضحية والإصلاح في تربية أبناء يسهمون في تطور ورقي هذا المجتمع، وتقدم حضارته وعمرانه النفسي والثقافي والتربوي والاجتماعي والمالي.
مفهوم الخطوبة وتعريفها
يشار إلى الخطوبة بحسب العرف الاجتماعي على أنها الفترة التي تسبق الزواج، ومن خلالها يتعارف الطرفان (الشاب والفتاة) على بعضهما في محاولة لفهم كل طرف للآخر، واكتشاف أخلاقه، وطباعه، وصفاته، وسلوكياته. والخطبة هي مجرد ارتباط مبدئي للتعارف بين الرجل والمرأة، ولا يترتّب عليها أيٌّ من الحقوق والواجبات الرسمية، لذلك لا يفضل أن تطول هذه الفترة، لأنها بلا غطاء قانوني يحفظ حقوق الفتاة في حالة تراجع الشاب عن رأيه فيها، أو حدوث ممارسات تخرج عن السياق القيمي والأخلاقي.
الحكمة من مشروعية الخطوبة
لو تأملنا الحكمة والدروس المستفادة من فترة الخطوبة، سنجد أن لها فوائدَ عديدةً وميزاتٍ فريدةً ومنها:
معرفة كل طرف للآخر: في الفترة التي تسبق الارتباط والزواج الفعلي، تكمن أهمية التعارف والتعرف على قيم وطبائع كلا الطرفين، وتوثيق العلاقة، وتنمية الرغبة في الارتباط، واستكمال مشوار الزواج، بناءً على قناعة تامة ومعرفة وتفهم لطبيعة العلاقة وأهمية استمراريتها.
التحقق من الإيجابيات والسلبيات للخطيبين: فالخطوبة فرصة سانحة لمعرفة إيجابيات الطرفين وسلبياتهما، ما يعطي القناعة للارتباط أو التراجع عن فكرة الزواج نظراً للتوافق الزوجي وكشف العيوب والمحاسن.
تعزيز أواصر العلاقة بين العائلتين: تسهم فترة الخطوبة في توثيق العلاقة والانسجام بين عائلتي الخطيبين ومعرفة عاداتهما وطريقة حياتهما، حتى تتم المصاهرة وتنمو الثقة والمحبة بينهما.
الاستعداد لحفلة الزفاف: تعتبر فترة الخطوبة فرصة ملائمة للتخطيط والجهوزية للزفاف وترتيب المنزل والحفلة، وتوفير الأموال المخصصة لها.
الاهتمام بالتخطيط للمستقبل والحياة الزوجية: تعتبر الخطوبة فترة مناسبة لمناقشة موضوعات الزواج، وطريقة صنع القرار واتخاذه، وتعميق المناقشة المشتركة في آليات القرارات الحاسمة، ومسؤولية كل طرف في طريقة حل المعضلات والقرارات الملائمة لها.
تبادل الأدوار وتحملها معاً: فتوزيع الأدوار والمسؤوليات مهمة تسهم في توفير السكن والطمأنينة والراحة، وزيادة أواصر الألفة والمحبة بين الشركاء، وتبعدهم عن الاختلافات التي ربما تقود إلى المشكلات التي تعصف بالبيت وتهز أركانه وتدمره.[9]
تعتبر فترة الخطوبة فرصة سانحة لا تعوض من طرف الخاطبين من أجل التعرف على قيم وأخلاق بعضهما البعض، والخصائص النفسية والاجتماعية والثقافية والمالية والسمات الشخصية لكل منهما، وقدرة كل شخص أن يكون مؤهلاً للارتباط والزواج بناءً على تعارفهما ومعرفة طباع كل منهما للآخر وأخلاقه. إن فترة الخطوبة مع عقد القران قبل الدخول قد تستمر شهوراً أو سنوات عند القليل من الناس، كل حسب قدراته وطاقته الشخصية والمالية. فهذه دورة تدريبية وعملية يكتشف كل منهما الآخر عندما يتعاملان مع بعضهما البعض. لذا ينبغي أن يكون الحكم منصفاً والعدالة في الاختيار ترتكز على مقومات أصيلة وذات أبعاد قيمية ودينية حسب قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ”.[10]
فقد دَعا الإسلامُ إلى النِّكاحِ وحثَّ عليه، ووجَّهَ لِحُسنِ اختيارِ الزَّوجةِ، وللنَّاسِ في الاختيارِ مَذاهِبُ ونِحَل، ولهمْ في أوْصافِ النِّساءِ مَطالِب وآراء. وقدْ أخبرَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في هذا الحديثِ بِأوصافِ المرأةِ الَّتي يَتعلَّقُ بها النَّاسُ في الزَّواجِ، وهي المالُ، والحسَبُ، والجَمالُ، والدِّينُ، ثُمَّ نصَحَ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بِاعتبارِ الدِّينِ، وأنْ يُجعَلَ عليه التركيز في اختيارِ الزَّوجةِ؛ لأنَّ اختيارَ ذاتِ الدِّينِ يَترتَّبُ عليه سَعادةُ الدَّارَينِ: الدُّنيا والآخرةِ؛ فَالنَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يحُثُّ على الظَّفَرِ والفَوزِ بصاحِبةِ الدِّينِ؛ لأنَّ النَّاسَ في العادةِ يقصِدون في التزوُّجِ الخِصالَ الثَّلاثَ الأخرى، ويؤخِّرون ذاتَ الدِّينِ، فأمَرَ رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أن يُقَدِّمَ ما أخَّروه، يعني: فاظفَرْ أنت أيها المسترشِدُ بذاتِ الدِّينِ وفُزْ بها؛ فإنها تَكسِبُك منافِعَ الدَّارَينِ، ولا مانِعَ منِ اختيارِ المرأة الجَميلةِ أوِ الحَسيبةِ والنَّسيبةِ، لكِنْ شَريطةَ أنْ تكونَ ذاتَ دِينٍ.[11]
فقد جعل الإسلام من أسس الاختيار الدين، ومن ثم الجمال والحسب والنسب والمال. فعندما يعتمد الخاطبان هذه القواعد المتينة والرصينة القائمة على صاحب الدين الذي يوصف بالقيم النبيلة، وصاحبة الدين التي تتمتع بالخصال الحميدة ومخافة الله -عزّ وجلّ- تكون هناك مقومات راسخة للحياة فيما بينهما، إذ يسهمان في حياة رغيدة وهنيئة وعلاقة ناجحة في بيت يتسم بالنجاح والهناء وتنتشر المودة والمحبة فيما بينهما.
على العكس تماماً من الاختيارات القائمة على محددات الجمال أو المكانة الاجتماعية والغنى، فربما تنهار العلاقة وتنفك عرى الحياة بينهما على مواقف وأمور لا تذكر، أو قد تبدو صغيرة لا تستحق التوقف عندها، وإعطاؤها القيمة والتركيز عليها، إضافة إلى حياتهما التي قد يسودها ضعف في الثقة والأمانة في حمل المسؤولية، فتتفكك هذه الحياة وتصبح مهددة الكيان وهشة، ويبدو عليها الشرخ والهوان والضعف.
والشواهد والواقع المعاش والتجارب العملية تفرض نفسها، من حالات لم تدم أياماً أو أسابيع أو أشهراً قليلة وانفضت العلاقة بينهما، إلى مشكلات وتحديات على مواقف بسيطة هينة، أدت في النهاية إلى الطلاق والانفصال، وكتب لهذه التجارب الفشل وعدم استكمال مسيرة الحياة الزوجية التي كانا ينظران إليها بوصفها مفتاحاً للمستقبل، والنجاح في تكوين أسرة، والعيش في بيت وسكن يظلهما تحت سقف واحد.
فالقصص كثيرة التي تتحدث عنها المحاكم الشرعية والمحامون، حيث تحدث حالات طلاق بين الخاطبين على غرف نوم، أو الترتيبات للزواج عند حدوث تقصير من أحد الطرفين، ومشاكل تحدث بين عائلاتهم، أو تقصير في الهدايا، أو قلة الخروج للفسح والاستجمام بينهما، وغيرها من القصص التي ينبغي أن يتعقل أصحابها عند الاختيار في المصاهرة والنسب، وعدم التركيز على هوامش الأمور وسفاسفها.
كيف تقوي علاقتك مع شريكك خلال فترة الخطوبة؟
يرى معظم الخُطّاب على اعتبار فترة الخطوبة هي الأجمل والأسعد في حياتهم الزوجية، لما لها من زمن يشترك فيه خطاب يبنون حياة جديدة، ويؤمل كل واحد منهم السعادة في حياته الزوجية، فهي تعتبر عند العديد من الناس أياماً سعيدة ولطيفة، يلتقي قلبان يخفقان حباً وشوقاً وحنيناً للحياة التي يحلمان بها. لذا، لكي تقوى هذه العلاقة وتصبح هذه الفترة بناءةً للمرحلة القادمة، ينبغي اتّباع الآتي:
بناء مشاعر عاطفية صادقة: إن تقوية مشاعر الحب والوفاء بين الخاطبين من الأساسيات التي تضمن استمرار حياتهما، والالتقاء على قواسم مشتركة، تسهم في العيش الكريم، وتحدي الصعاب إن مرا بها وتعرضوا لها.
تعدد اللقاءات الإيجابية بينهما: من أجل التعارف وتحقيق الألفة، من المهم تكرار الزيارات واللقاءات التي تضمن اكتشاف شخصية كل منهما للآخر، والاندماج وتكوين صداقات ولحظات مؤثرة وسعيدة تسهم في تقوية المشاعر الوجدانية بعد الزواج.
لا يقارن الشريك بأي شخص آخر، إنما الانشغال بالصفات والمواقف الإيجابية والعمل على تحسين جوانب أخرى بأسلوب رقيق ولطيف ومهذب.
إعطاؤه الحرية في التصرف وشيئاً من الخصوصية دون التدخل بكل شيء، أو التعلق به أكثر من اللازم، وتنمية مشاعر الدعم والمساندة والمحبة والاهتمام به.
إدخال التجديد والتغيير المبني على الإيجابية عند عقد القران بينهما في القول والفعل، واستخدام المرح والفكاهة والمداعبة اللطيفة غير المؤذية أو المتهكمة على الآخر.
التعبير عن الرأي بصورة مهذبة وتجنب اللوم والنقد المبالغ فيه، واستخدام النقد الإيجابي المبني على تعديل السلوك لزيادة الاحترام والتقدير فيما بينهما.
بناء الثقة المبصرة الواعية القائمة على الواقع المعاش التي تتوافق مع الشريك وصفاته وتصرفاته وأخلاقه الحسنة، من أجل أن تكون سر التميز في علاقة ملائمة وتتطور يوماً بعد يوم.
الإيجابية في التعامل مع الشريك في العلاقة وتنمية مشاعر الاحترام والحب. وفهم شخصية الخاطب/الخاطبة والتعرف على الطبائع والأفكار والمشاعر والعادات التي يولي كل منهما الاهتمام بها لتحقيق الثقة والانسجام بينهما.
تقبل الاختلافات وتعميق أسس التفاهم وتجسير أواصر التفاهم والاتصال الفعال بين الطرفين بناءً على قواعد من الاحترام المتبادل.
الإصغاء عند الاستماع إليه/إليها باهتمام كبير ولطيف ومهذب دون تجمل أو تصنع.
بناء مشاعر الصداقة والألفة والمحبة والتهذيب في التعامل بناءً على قواعد يؤسس لها الخطابان، وإدارة الاختلافات والمشكلات بأسلوب واع ومدرك لحقيقة أن الاختلاف رحمة وإثراء، دون كبت أو محاربة الآراء والأفكار التي لا تنسجم مع الطرف الآخر.
بناء ثقافة التراجع عن السلوك الخطأ، وتقديم الاعتذار والتسامح مع الطرف الآخر مهما كانت الظروف المحيطة والمواقف المتباينة، وذلك لتوثيق العلاقة وبناء حالة من التفهم والوعي بأسلوب الحياة، وتحقيق اختراقات وإبداعات في العلاقة الإيجابية.
إثراء العلاقة باللقاءات والنشاطات والمناسبات السارة والمبهجة، لبناء مشاعر دافئة وصلات حميمية قائمة على الترابط الوثيق، والذكريات الجميلة والسعيدة التي تجمعهما على أسس راسخة، وبخاصة عند عقد القران بينهما.
التخطيط وإدارة الأوقات بطريقة فاعلة، وتحديد المسؤوليات والمهام والأدوار الملائمة لكل شخص فيما يتعلق بالعلاقة الشخصية فيما بينهما، وعلاقتهما بعائلتيهما المبنية على الاحترام والتقدير، وتربية الأبناء على أسس تربوية وتنشئة رصينة.
إدارة المال بين الخاطبين كتخطيط للمستقبل المنشود، وطريقة تضمن سبل العيش الكريم دون إسراف أو تفريط على أسس الواقع الحياتي، وتعميق توثيق الصلة مع عائلتيهما بطريقة إيجابية ومهذبة وزيارتهما والتواصل معهما بمودة واحترام.
تعزيز الثقة المتبادلة على أسس قيميه وثوابت راسخة بعيدة عن الشك والتخوين لكل طرف.
بناء الصراحة الواعية بلطف وتهذيب بالغين، دون تجريح أو تقليل من قيمة الآخر.
استشارة أهل التخصص والخبرة لحسن الاختيار وبناء حياة زوجية ناجحة وموفقة.
عدم إفشاء الأسرار الزوجية للقريبين من الخطيبين، واحترام ما يدور في اللقاءات الفردية بينهما، على اعتبار أنه من أسرار حياتهما، لا يحق لأحد الاطلاع عليها ومعرفتها إلا عند الضرورة القصوى التي تضمن معالجة موضوع أو قضية ما.
استخدام الحوار البناء الهادئ القائم على تبادل الثقة والاحترام بينهما، دون تسلط أو قمع لأحد، فمن حق الطرفين أن يبديا الرأي والتعبير عما يدور بينهما بود وحب.
الوضوح في الحالة الصحية، وتجنب الغش وإخفاء الحقيقة، حتى لا يهدد الزواج مستقبلاً، ويكون حجر عثرة له.
الصدق في التعامل وتجنب الكذب والتدليس على الطرف الآخر.
الدقة في التحدث، وإعطاء وعود قابلة للتنفيذ وترجمتها على أرض الواقع، ولا ينسج خيالات وهمية وسراباً ما يلبث أن ينكشف سره، وتجنب اختراع بطولات زائفة ومرجفة.
تجنب التصنع في المظهر الشخصي، والتحدث بطبيعة حقيقية بعيدة عن التكلف والمزايدة في التصرفات والأفعال.
قضاء الأوقات بطريقة ماتعة ومرحة، وفيها تجديد وتطوير لطبيعة العلاقة، وتعزيز أواصر التواصل بوسطية واعتدال دون تعلق أو إهمال من طرف لآخر. مع الابتسامة والمرح في الشخصية اللذين يجذبان انتباه الطرف الآخر ويعزز الحب بينهما.
تبادل الهدايا باعتدال دون تكلف أو تفريط.
إن امتلاك القيم الأخلاقية والوعي بين الزوجين المستقبليين، والفهم الأصيل لطبيعة العلاقات وتوثيقها فيما بينهما، وتحمل مسؤولية الأدوار التي يؤديانها، والمهارات التي يتمتعان بها، واحترام الحقوق والواجبات، والتجديد والأصالة في حياتهما دون رتابة أو ملل – كل ذلك يسهم، دون شك، في بناء حياة زوجية، فيما بعد، على أسس صلبة، تنشر ثقافة الحياة الناجحة والسعيدة التي ينشدها الكثيرون من الناس لكي تعمر البيوت، ويكون أصحابها في رغد ورفاهية في العيش مهما تبدلت الحياة ومواقفها ومفاجآتها.
__________________
[1] https://binbaz.org.sa/audios/92/1
[2] https://www.islamweb.net/ar/library/index.php?page=bookcontents&idfrom=572&idto=572&bk_no=51&ID=562
[3] https://tafsir.app/ibn-aashoor/7/189
[4] سورة هود: 61.
[5] https://www.alshareyah.com/1937-2020-07-16-21-15-37
[6] https://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=13893978y327760248Y13893978
[7] https://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=13893978y327760248Y13893978
[8] https://www.arab48.com-2020
[9] https://www.annajah.net
[10] أخرجه البخاري ومسلم.
[11] https://dorar.net/hadith/sharh/16407
(*) مستشار ومدرب دولي في التنمية البشرية