في خطوة تحمل أبعادًا سياسية وقانونية عميقة، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارًا بفرض عقوبات على الاحتلال «الإسرائيلي» وإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، جاء القرار بعد الجرائم «الإسرائيلية» المتصاعدة منذ بداية العدوان على قطاع غزة في أكتوبر 2023م، الذي أدى إلى استشهاد أكثر من 41 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، إلى جانب هذا، شهد قطاع غزة إصابة أكثر من 95029 ألف شخص بجروح متفاوتة الخطورة، وتدمير آلاف المنازل والبنية التحتية، أو ما قدرت نسبته بـ98% من غزة.
في الضفة الغربية، تصاعدت الجرائم «الإسرائيلية» بمعدلات مقلقة، فقد استشهد 450 فلسطينيًا خلال عام 2023م، بينهم 85 طفلًا و19 امرأة، بينما وصل العدد في عام 2024م إلى 330 شهيدًا حتى الآن، بينهم 62 شهيدًا ارتقوا برصاص المستوطنين المدعومين من جيش الاحتلال، وفقًا لتقارير وزارة الصحة الفلسطينية وجهاز الإحصاء الفلسطيني.. هذه الأرقام تعكس حجم الاستهداف الممنهج للفلسطينيين، سواء من خلال الاقتحامات المتكررة أو الهجمات المنظمة من قبل المستوطنين، الذين نفذوا أكثر من 1500 اعتداء موثق خلال العامين الماضيين.
هذا القرار يمثل لحظة مفصلية في مسار القضية الفلسطينية، حيث يفتح الباب أمام محاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم، ومن أبرز الملفات التي ساهمت في إصدار القرار، القصف «الإسرائيلي» المكثف على المدارس والمستشفيات ومراكز الإيواء في غزة، بما في ذلك استهداف مدرسة تابعة لوكالة «الأونروا» في جباليا، والذي أسفر عن استشهاد 46 مدنيًا كانوا يحتمون داخلها.
الدول الأوروبية والعربية قدمت ردود فعل متباينة على هذا التطور، رحبت دول مثل إيرلندا وإسبانيا بالقرار واعتبرته خطوة نحو تحقيق العدالة، في المقابل، انتقدت الولايات المتحدة وبريطانيا القرار، واصفة إياه بأنه سياسي وغير متوازن، ورغم ذلك، أظهرت العديد من المنظمات الشعبية والدولية دعمها للمحكمة الجنائية، مؤكدة ضرورة مساءلة الاحتلال عن جرائمه المستمرة.
على الأرض، صعّد الاحتلال من سياسته العدوانية، منح وزير الحرب «الإسرائيلي»، بيني غانتس، المستوطنين صلاحيات إضافية لاستخدام السلاح ضد الفلسطينيين، ما أدى إلى تصاعد الهجمات في مناطق مثل نابلس وجنين والخليل، خلال الأشهر الأخيرة فقط، شهدت الضفة الغربية 95 عملية اقتحام واسعة النطاق، أسفرت عن اعتقال أكثر من 3 آلاف فلسطيني، بينهم 400 طفل و200 امرأة، وفقًا لتقارير منظمات حقوقية فلسطينية.
في ظل هذا التصعيد الميداني، يتطلب القرار خطوات عملية على المستوى الفلسطيني والدولي، على المستوى الفلسطيني، يجب تعزيز الجهود الدبلوماسية لتأمين دعم أوسع للقرار، مع التركيز على مخاطبة المنظمات الدولية لتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، كما أن تصعيد المقاومة الشعبية والمدنية في الضفة الغربية يمثل ردًا فعّالًا على سياسة الاحتلال.
الدور الدولي في هذه المرحلة حاسم، الدول التي طالبت بمساءلة الاحتلال يجب أن تضغط من أجل تنفيذ قرار المحكمة، بما في ذلك فرض عقوبات اقتصادية وتجارية على «إسرائيل».. الضغوط الشعبية التي شهدتها مدن مثل باريس وبرلين ولندن خلال العدوان الأخير على غزة، تمثل عاملًا مؤثرًا في تحريك المواقف الدولية نحو مزيد من الدعم للفلسطينيين.
رغم أهمية القرار، فإن تحقيق العدالة يتطلب إرادة سياسية دولية قوية لمواجهة محاولات «إسرائيل» وأمريكا لعرقلته.. على القيادة الفلسطينية استثمار القرار من خلال بناء إستراتيجية شاملة تشمل المسارات القانونية والسياسية والميدانية، مع التأكيد على إبراز الجرائم «الإسرائيلية» وتوثيقها بدقة أمام العالم.
ختامًا، يمثل قرار المحكمة الجنائية الدولية خطوة تاريخية في محاكمة الاحتلال «الإسرائيلي»، لكنه ليس كافيًا وحده لتحقيق العدالة، إن التحدي الأكبر الآن هو ترجمة هذا القرار إلى خطوات عملية تسهم في وقف الجرائم «الإسرائيلية» ومحاسبة مرتكبيها، وصولًا إلى تحقيق الحرية والكرامة للشعب الفلسطيني.