جوناثان سبايسر (*)
مايا جيبيلي (**)
عندما شعر رجال المعارضة السورية بفرصة لتخفيف قبضة بشار الأسد على السلطة، بعد 13 عامًا من الحرب الأهلية، أبلغوا تركيا، قبل حوالي 6 أشهر، بخطط لهجوم كبير وحصلوا على موافقتها الضمنية، وفقًا لمصدرين مطلعين.
كان النجاح السريع للعملية، التي انطلقت قبل أسبوعين فقط، في تحقيق هدفها الأولي –وهو الاستيلاء على ثاني أكبر مدينة في سورية، حلب– مفاجئاً للجميع تقريبًا، ومن هناك، وفي غضون أيام قليلة، وصل تحالف الثوار إلى دمشق وأنهى 5 عقود من حكم عائلة الأسد.
اعتمد التقدم السريع للقوى المعارضة للأسد على ظروف شبه مثالية؛ فقد كان جيش الأسد محبطًا ومنهكًا؛ وكان حلفاؤه الرئيسون، إيران و«حزب الله» اللبناني، قد ضعفوا بشدة، وكان داعمه العسكري الرئيس الآخر، روسيا، مشتتًا وفاقداً للاهتمام.
الثوار أبلغوا تركيا بخطة الهجوم قبل ستة أشهر
أخبرني مصدران، دبلوماسي في المنطقة، وعضو في المعارضة السورية، أنه لم يكن هناك أي طريقة يمكن للثوار من خلالها المضي قدمًا دون إخطار تركيا أولاً، وهي الداعم الرئيس للمعارضة السورية منذ الأيام الأولى للحرب.
فلدى تركيا قوات على الأرض في شمال غرب سورية، وتركيا تقدم الدعم لبعض الثوار الذين كانوا يعتزمون المشاركة، من بينهم «الجيش الوطني السوري»، على الرغم من أنها ما زالت تعتبر الفصيل الرئيس في التحالف، وهو «هيئة تحرير الشام»، جماعة إرهابية.
وقال لي الدبلوماسي: إن خطة الثوار الجريئة كانت من بنات أفكار «هيئة تحرير الشام» وزعيمها أحمد الشرع، ولكن نظرًا لارتباطاته السابقة بـ«تنظيم القاعدة»، تم تصنيف الشرع كـ«إرهابي» من قبل واشنطن وأوروبا وتركيا.
ومع ذلك، فعلى مدار العقد الماضي، حاولت «هيئة تحرير الشام»، المعروفة سابقًا باسم «جبهة النصرة»، تعديل صورتها، وهي تدير شبه دولة في إدلب، حيث يقول الخبراء: إنها تفرض ضرائب على الأنشطة التجارية والسكان.
ولفترة طويلة، عارضت حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي أبرمت صفقة مع روسيا في عام 2020م لتهدئة القتال في شمال غرب سورية، مثل هذا الهجوم الرئيس للثوار، خوفًا من أن يؤدي إلى موجة جديدة من اللاجئين الذين يعبرون حدودها.
العملية استغلت ضعف حلفاء الأسد وانهيار جيشه
لكن الثوار الذين شعروا بتصلب موقف أنقرة تجاه الأسد في وقت سابق من هذا العام، بحسب المصادر، بعد رفضه لمبادرات متكررة من أردوغان تهدف إلى دفع حل سياسي للجمود العسكري، الذي ترك سورية مقسمة بين النظام ومجموعة من الجماعات الثائرة المدعومة من خارج سورية.
وقال لي مصدر في المعارضة السورية: إن الثوار أظهروا لتركيا تفاصيل التخطيط، بعد فشل محاولات أنقرة لإشراك الأسد.
وقد كانت الرسالة: مسار التصالح لم ينجح منذ سنوات؛ لذا سنجرب طريقتنا، لا نطلب منكم أن تفعلوا أي شيء، فقط لا تتدخلوا.
لم تتمكن «رويترز» من تحديد طبيعة الاتصالات بالضبط، قال هادي البحرة، رئيس المعارضة السورية المعترف بها دولياً في الخارج، لـ«رويترز»، الأسبوع الماضي: إن «هيئة تحرير الشام» و«الجيش الوطني السوري» كان لديهما تخطيط محدود معًا قبل العملية، واتفقا على تحقيق التعاون وعدم الصدام مع بعضهما بعضاً، وأضاف أن الجيش التركي رأى ما كانت الجماعات المسلحة تفعله وتناقشه.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في حديثه في الدوحة، يوم الأحد: إن جهود أردوغان في الأشهر الأخيرة للتواصل مع الأسد باءت بالفشل، وإن تركيا كانت تعلم أن شيئاً ما قادم.
ومع ذلك، قال نائب وزير الخارجية التركي، نوح يلماز، في مؤتمر حول شؤون الشرق الأوسط في البحرين، يوم الأحد: إن أنقرة لم تكن وراء الهجوم، ولم توافق عليه، قائلاً: إنها قلقة بشأن عدم الاستقرار.
ضعف إيران وانسحاب «حزب الله» من سورية ساعد الثوار
ولم ترد وزارتا الخارجية والدفاع التركيتان بشكل مباشر على أسئلة «رويترز» حول تفاهم بين «هيئة تحرير الشام» وأنقرة بشأن عملية حلب، ورداً على أسئلة حول علم تركيا باستعدادات ساحة المعركة، قال مسؤول تركي لـ«رويترز»: إن «هيئة تحرير الشام» لا تتلقى أوامر أو توجيهات منا، ولا تنسق عملياتها معنا أيضًا.
وقال المسؤول: إنه بهذا المعنى لن يكون صحيحاً القول: إن العملية في حلب نفذت بموافقة تركيا أو الضوء الأخضر لها، ولم ترد وكالة الاستخبارات التركية على الفور على طلب التعليق.
ولم تتمكن «رويترز» من الوصول إلى ممثل لـ«هيئة تحرير الشام».
تدخل الثوار والأسد في أضعف حالاته
في ظل تشتت انتباههم بسبب الحروب في أماكن أخرى، فشل حلفاء الأسد العسكريون روسيا وإيران و«حزب الله» اللبناني في حشد القوة النارية الحاسمة التي دعمته لسنوات.
لم تتمكن القوات المسلحة السورية الضعيفة من مقاومة الثوار، وقال مصدر في النظام السوري لـ«رويترز»: إن الدبابات والطائرات تركت بدون وقود بسبب الفساد والنهب، وهو ما يوضح مدى خواء الدولة السورية.
وقال المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام: إن الروح المعنوية في الجيش تآكلت بشدة على مدار العامين الماضيين.
وقال آرون لوند، وهو زميل في مؤسسة «سنتشري إنترناشيونال»، وهي مؤسسة بحثية تركز على الشرق الأوسط: إن التحالف الذي تقوده «هيئة تحرير الشام» كان أقوى وأكثر تماسكًا من أي قوة سابقة خلال الحرب، والكثير من ذلك من صنع أحمد الشرع، لكنه قال: إن ضعف النظام كان العامل الحاسم.
وأضاف: بعد خسارتهم حلب على هذا النحو، لم تتعاف قوات النظام أبدًا، وكلما تقدم الثوار، يصبح جيش الأسد أضعف.
تركيا اللاعب الرئيس الآن في سورية
وتجاوزت وتيرة تقدم الثوار، مع الاستيلاء على حماة في 5 ديسمبر الجاري، وسقوط حمص والاتجاه إلى دمشق كل التوقعات.
وقال بسام القوتلي، رئيس الحزب الليبرالي السوري، وهي جماعة معارضة صغيرة، ومقرها خارج سورية: كانت هناك فرصة سانحة، ولكن لم يتوقع أحد أن ينهار النظام بهذه السرعة، والجميع توقع بعض القتال.
وقال مسؤول أمريكي طلب عدم الكشف عن هويته: إن واشنطن كانت على علم بدعم تركيا الشامل للثوار، لكنها لم تُبلَّغ بأي موافقة تركية ضمنية على هجوم حلب، ولم يستجب مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض على الفور لطلب التعليق على دور تركيا.
وقال الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب، يوم الأحد الماضي: إن تخلي روسيا عن الأسد أدى إلى سقوطه، مضيفاً أن موسكو ما كان ينبغي لها أبداً أن تحميه.
وأشار بنيامين نتنياهو، يوم الأحد الماضي، إلى دور بلاده في إضعاف «حزب الله»، الذي قالت مصادر لـ«رويترز»: إنه سحب قواته المتبقية من سورية يوم السبت الماضي.
تداعيات غزة
قالت مصادر مطلعة على عمليات نشر جماعة «حزب الله»: إن الجماعة المدعومة من إيران، التي دعمت الأسد في وقت مبكر من الحرب، سحبت بالفعل العديد من مقاتلي النخبة من سورية على مدى العام الماضي لدعم الجماعة في الحرب مع «إسرائيل».
وقد جهت «إسرائيل» ضربات قوية لـ«حزب الله»، خاصة بعد شن هجوم مدمر في سبتمبر، أسفر عن مقتل زعيم الجماعة حسن نصر الله والعديد من قادتها ومقاتليها.
وبدأ هجوم الثوار في سورية في نفس اليوم الذي دخل فيه وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في الصراع في لبنان، في 27 نوفمبر الماضي، وقالت المصادر المطلعة على «حزب الله»: إنه لا يريد الانخراط في معارك كبيرة في سورية حيث ركزت المجموعة على بدء طريق طويل للتعافي من الضربات القوية.
بالنسبة لتحالف الثوار، أن انسحاب «حزب الله» قدم فرصة ثمينة، وقال مصدر في المعارضة السورية: كنا نريد فقط معركة عادلة بيننا وبين النظام.
مثل سقوط الأسد ضربة كبيرة للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، حيث جاء بسرعة كبيرة بعد مقتل نصر الله والأضرار التي ألحقتها «إسرائيل» بـ«حزب الله».
ومن ناحية أخرى، يبدو أن تركيا هي الآن أقوى لاعب خارجي في سورية، مع وجود قوات على الأرض تستطيع التواصل مع قادة الثوار.
وبالإضافة إلى تأمين عودة اللاجئين السوريين، تشمل أهداف تركيا أيضاً الحد من قوة الجماعات الكردية التي تسيطر على مناطق واسعة من شمال شرق سورية التي تدعمها الولايات المتحدة، وترى أنقرة أن هؤلاء إرهابيون.
وكجزء من الهجوم الأولي، استولى «الجيش الوطني السوري» المدعوم من تركيا على مساحات شاسعة من الأراضي، من بينها مدينة تل رفعت، من القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، وقال مصدر أمني تركي، يوم الأحد الماضي: إن المتمردين دخلوا مدينة منبج الشمالية بعد طرد الأكراد مرة أخرى.
وقال بيرول باسكان، الخبير السياسي المقيم في تركيا الباحث غير المقيم السابق في معهد الشرق الأوسط: تركيا هي الفائز الخارجي الأكبر هنا، تبين أن أردوغان يقف على الجانب الصحيح -أو على الأقل الجانب الفائز- من التاريخ هنا؛ لأن وكلاءه في سورية هم الذين انتصروا.
___________________
(*) رئيس مكتب «رويترز» في تركيا، يشرف على التغطية السياسية والاقتصادية والسياسة الخارجية.
(**) مديرة مكتب لبنان وسورية والأردن.
المصدر: «رويترز».