منذ عقود طويلة، أثبتت دولة الكويت، قيادةً وشعبًا، وقوفها الصادق والدائم بجانب القضية الفلسطينية، مؤمنةً بأن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية شعب واحد، بل هي قضية العرب والمسلمين جميعًا، لقد شكلت الكويت نموذجًا للدعم السياسي والإنساني والمادي والمعنوي، حيث تجلت مواقفها في المحافل الدولية والإقليمية، وأكدت دعمها غير المشروط لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.
ومنذ أن اشتعلت الثورة الفلسطينية في ثلاثينيات القرن الماضي، كانت الكويت في طليعة الدول العربية التي دعمت هذا النضال، ليس بالكلمات فقط، بل بالأفعال التي تمثلت في إرسال الدعم المالي، والمشاركة الشعبية في المقاومة، وفتح المجال للقيادات الفلسطينية للعمل من داخل الكويت، ومقاطعة الكيان الصهيوني سياسيًا واقتصاديًا.
هذا التقرير يستعرض أبرز المحطات التاريخية والمواقف الكويتية المشرّفة، التي شكلت ركيزة مهمة لدعم نضال الشعب الفلسطيني، من خلال استعراض مواقف القيادة الكويتية والشعب الكويتي، وصولًا إلى المبادرات المؤسسية والثقافية.
أولًا: المحطات التاريخية للمواقف الكويتية تجاه القضية الفلسطينية:
1- دعم الثورة الفلسطينية (1936-1937م):
بدأت أولى صور الدعم الكويتي للقضية الفلسطينية عام 1936م، عندما أطلق شباب الكويت أول لجنة لدعم الشعب الفلسطيني، تحت اسم «لجنة الدكتور مروة»، حيث نظمت اللجنة حملة تبرعات واسعة لدعم ثورة عام 1936م الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية، كما شارك عبدالحميد الصانع بدور لوجستي محوري في تهريب السلاح إلى الثوار الفلسطينيين.
وبعد صدور تقرير «بيل» عام 1937، الذي دعا إلى تقسيم فلسطين، بادرت الكويت إلى تشكيل لجنة أخرى لدعم الثورة الفلسطينية، برئاسة عبدالله محمد الصقر، ما يعكس عمق الالتزام الشعبي الكويتي تجاه القضية.
2- إصدار قانون مقاطعة الكيان الصهيوني (1957-1964م):
في 26 مايو 1957م، صدر مرسوم أميري من الكويت يقضي بمقاطعة البضائع «الإسرائيلية»، ليكون موقفًا استباقيًا قبل استقلال الكويت في عام 1961م، بعد الاستقلال، استكملت الكويت هذا النهج بإصدار قانون موحد لمقاطعة «إسرائيل» في عام 1964م، وهو قانون لا يزال ساري المفعول حتى اليوم، حيث تحظر الكويت أي تعامل تجاري أو سياسي أو ثقافي مع الكيان الصهيوني، مؤكدة بذلك التزامها بعدم التطبيع.
3- المشاركة العسكرية في المعارك العربية (1967-1973م):
أدت الكويت دورًا بارزًا في المعارك ضد «إسرائيل»، حيث أرسلت وحدات عسكرية لدعم الجيوش العربية في حرب 1967 وحرب أكتوبر 1973م، بما في ذلك لواء اليرموك وقوة الجهراء، استشهد خلال هذه المعارك 42 جنديًا كويتيًا، وهو دليل على التزام الكويت بتقديم الدماء والأرواح في سبيل نصرة فلسطين، وليس فقط بالمواقف السياسية.
4- دعم المقاومة الفلسطينية شعبيًا ومشاركة الشباب الكويتي:
شهدت الكويت مشاركة شبابية ميدانية في صفوف المقاومة الفلسطينية، حيث انضم العديد من الشباب الكويتي إلى العمل الفدائي الفلسطيني، ومن بين هؤلاء الشهيد فوزي عبدالرسول المجادي، الذي شارك في تنفيذ عملية فدائية في مستوطنة «مسكاف عام» عام 1989م، واستشهد خلالها، بينما أعيدت جثمانه إلى الكويت عام 2008 ضمن عملية تبادل جثامين الشهداء.
إلى جانب ذلك، شارك الشيخ فهد الأحمد الجابر الصباح في «معركة الكرامة» عام 1968، حيث انضم إلى صفوف المقاومة الفلسطينية؛ ما يعكس مدى عمق العلاقة بين الشعب الكويتي والقضية الفلسطينية، ليس فقط بالتمويل والدعم السياسي، بل بالمشاركة الفعلية في المعارك الميدانية.
5- مواقف الكويت خلال انتفاضة الأقصى (2000-2002م):
بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000م، كان مجلس الأمة الكويتي في طليعة البرلمانات العربية التي نددت بالانتهاكات «الإسرائيلية»، حيث نظمت الكويت مسيرات تضامنية حاشدة، واحتشدت آلاف الجماهير في ساحة العلم لدعم القضية الفلسطينية.
كما أطلق الكويتيون حملات تبرع كبيرة لصالح الانتفاضة، ونُظمت اعتصامات وفعاليات شعبية تدعو إلى دعم المقاومة الفلسطينية، ومقاطعة التطبيع مع الكيان الصهيوني.
6- رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني:
تظل الكويت الدولة الخليجية الوحيدة التي لم توقع اتفاق تطبيع مع «إسرائيل»، حيث أكدت القيادة الكويتية رفضها القاطع لكل محاولات التطبيع، سواء سياسيًا أو رياضيًا، ومن أبرز صور هذا الرفض، انسحاب الرياضيين الكويتيين من البطولات الدولية التي تواجههم مع لاعبين «إسرائيليين»، وهو موقف ثابت يعكس الرؤية الشعبية والرسمية للكويت بشأن رفض التطبيع بجميع أشكاله.
7- الدعم الثقافي والإعلامي للقضية الفلسطينية:
ساهمت الكويت في إبراز القضية الفلسطينية في المجال الثقافي، من خلال الكتّاب والأدباء والشعراء الكويتيين، الذين عبروا عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني في قصائدهم ومقالاتهم، ومن أبرز هؤلاء الأدباء: فهد العسكر، صقر الشبيب، عبدالله زكريا الأنصاري.
وساهمت الأعمال الثقافية والأدبية في توعية الأجيال الجديدة بالقضية الفلسطينية، وترسيخها كقضية عربية إسلامية محورية لا يمكن التنازل عنها.
ثانيًا: مواقف الكويت السياسية تجاه القضية الفلسطينية:
1- موقف القيادة الكويتية:
منذ استقلال الكويت، كان أمير البلاد وأعضاء الحكومة الكويتية يؤكدون دائمًا على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
في المحافل الدولية، دافعت الكويت عن فلسطين في الأمم المتحدة، الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي.
في القضايا الأممية، رفضت الكويت صفقة القرن، وأكدت أنها لا تمثل الشعب الفلسطيني، داعية إلى ضرورة احترام قرارات الشرعية الدولية.
2- موقف مجلس الأمة الكويتي:
مجلس الأمة الكويتي يُعد من أبرز الداعمين للقضية الفلسطينية، حيث تبنى مشاريع قرارات لمقاطعة الكيان الصهيوني، وأصدر بيانات تؤكد رفض التطبيع بكل أشكاله، كما دعا النواب الكويتيون إلى محاسبة كل من يسعى إلى التطبيع، وتقديمهم للمساءلة القانونية.
ثالثًا: موقف الكويت من التطبيع مع «إسرائيل»:
تتميز الكويت بموقفها الحازم تجاه رفض التطبيع، حيث تمنع القوانين الكويتية إقامة أي نوع من العلاقات التجارية أو الثقافية مع الكيان الصهيوني، وتصدر الكويت قوائم سلع ممنوعة من التداول إذا كانت منتجة في «إسرائيل».
كما أكد أمير الكويت أن التطبيع ليس على أجندة الكويت، وأن القضية الفلسطينية ستظل أولوية في السياسة الكويتية.
لقد شكلت الكويت نموذجًا عربيًا مشرفًا في دعم القضية الفلسطينية، بمواقفها الرسمية والشعبية على مر العقود، حيث لم يكن التضامن الكويتي مجرد شعارات إعلامية، بل كان واقعًا ملموسًا في كل المحافل الدولية، وفي القوانين الكويتية التي تمنع التطبيع، فضلًا عن المشاركة الشعبية في المقاومة، والدعم الثقافي، والتربوي، والإغاثي.
وستظل الكويت نموذجًا يُحتذى به في الوفاء لقضايا الأمة العربية والإسلامية، وعنوانًا بارزًا في النضال ضد الاحتلال، حتى يتحقق حلم الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.
__________________________
من كتاب الكويت والقضية الفلسطينية، سلسلة محاضرات مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية، العدد (4).