في خضم العلاقات العربية المتشابكة، تظل العلاقة بين الكويت وفلسطين نموذجاً فريداً للتآخي والدعم المتبادل، هذه العلاقة ليست مجرد محطات زمنية أو اتفاقيات عابرة، بل هي قصة نضال مشترك، وقيم أصيلة ربطت بين الشعبين منذ عشرينيات القرن الماضي، هذه القصة يرويها رجا طلب، الكاتب في جريدة «الرأي» الأردنية، في كتابه المميز «الكويت والفجر الفلسطيني».
يأخذنا الكتاب في رحلة تاريخية وإنسانية، تبدأ من بدايات العلاقة بين الكويت وفلسطين، مرورًا بالمحطات الفارقة التي أثرت في تلك العلاقة، وصولًا إلى مواقف الكويت الراهنة تجاه القضية الفلسطينية.
ملامح الكتاب ومضمونه
يمثل عنوان الكتاب «الكويت والفجر الفلسطيني» رمزية عميقة، فالفجر يشير إلى الأمل الذي يلوح في الأفق بعد ظلمة الليل، وارتباطه بالكويت يعكس الدور الكويتي في إشراق الأمل للشعب الفلسطيني، العنوان بحد ذاته يلخص الرسالة الرئيسة للكتاب، وهي أن الكويت كانت وما زالت داعمًا أساسيًا للقضية الفلسطينية
محتوى الكتاب
يتألف الكتاب من 175 صفحة صادرة عن الدار الأهلية للنشر في الأردن، وهو نتاج بحث دقيق وحوارات ميدانية أجراها الكاتب مع شخصيات كويتية وفلسطينية عاصرت مراحل مهمة من العلاقة بين الشعبين.
واعتمد الكاتب على مصادر موثوقة، بما في ذلك شهادات لأفراد عاصروا الأحداث، ووثائق تاريخية تؤكد طبيعة العلاقات الممتدة بين البلدين.
أبرز المحاور التي تناولها الكتاب
– العلاقات التاريخية بين الكويت وفلسطين:
يستعرض الكاتب بدايات العلاقة بين الكويت وفلسطين في عشرينيات القرن الماضي، حيث كانت أولى البعثات الفلسطينية تصل إلى الكويت عام 1922م، إذ جاءت مجموعة من رجال الدين لجمع التبرعات لترميم المسجد الأقصى.
في عام 1936م، أُرسلت بعثة تعليمية فلسطينية إلى الكويت، وتحديدًا خلال ثورة فلسطين الكبرى ضد الاحتلال البريطاني، مما عزز التعاون التعليمي والثقافي بين الشعبين، ويرى الكاتب أن هذه البعثات التعليمية شكلت حجر الأساس للعلاقة التعليمية بين الشعبين، حيث شارك الفلسطينيون في تطوير قطاع التعليم في الكويت منذ بداياته الأولى.
– المساهمة الفلسطينية في بناء الكويت:
خصص المؤلف جزءًا مهمًا من كتابه للحديث عن الدور الفاعل للفلسطينيين في قطاعات حيوية في الكويت، لا سيما في قطاع التعليم والصحة والبلدية والشرطة والجيش، كما برز الفلسطينيون في القطاع الثقافي والإعلامي والفني، وكان أبرز الأمثلة على ذلك غسان كنفاني، الذي عمل مدرسًا في الكويت وألهمته تجاربه لكتابة روايته الشهيرة «رجال في الشمس»، وكذلك ناجي العلي، رسام الكاريكاتير الشهير الذي ابتكر شخصية «حنظلة» أثناء عمله في الكويت.
– الكويت كملاذ آمن للفلسطينيين:
يشير الكاتب إلى أن الفلسطينيين في الكويت لم يشعروا يومًا بالغربة، فقد تحولت الكويت بالنسبة لهم إلى وطن رديف، حيث وجدوا بيئة حاضنة وداعمة، ونقل الفلسطينيون إلى الكويت تراثهم وثقافتهم وفلكلورهم، وأصبحوا جزءًا من المجتمع الكويتي؛ ما جعل العلاقة بين الشعبين أكثر من مجرد علاقة مقيم بمضيف، بل كانت علاقة انتماء وجداني وثقافي.
– دور الكويت في دعم القضية الفلسطينية:
يؤكد الكاتب أن الكويت كانت من أشد المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني، حيث رفضت الكويت التطبيع مع «إسرائيل»، وأصدرت قوانين لمقاطعة منتجاتها، كما أشار الكاتب إلى موقف الكويت الراسخ في المحافل الدولية، مستشهدًا بموقف رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم، الذي طرد الوفد «الإسرائيلي» من قاعة الاتحاد البرلماني الدولي في روسيا، وهو موقف لقي إشادة كبيرة من صاحب السمو أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، يرحمه الله.
– العلاقة الثقافية والفنية بين الكويت وفلسطين:
يلقي الكاتب الضوء على الإنتاج الثقافي الفلسطيني الذي نما في الكويت، حيث كان الكاتب والمفكر الفلسطيني غسان كنفاني أحد الأسماء البارزة التي تركت بصمة ثقافية في الكويت، ويشير إلى الدور الذي مارسه الفنانون والرياضيون الفلسطينيون الذين نشؤوا في الكويت، وكيف ساهمت الكويت في دعم المسيرة الفنية والثقافية الفلسطينية.
– موقف الكويت من الاحتلال العراقي:
خصص الكاتب مساحة مهمة للحديث عن تداعيات الاحتلال العراقي للكويت في عام 1990م، حيث تأزمت العلاقة بين الكويت ومنظمة التحرير الفلسطينية بسبب موقف القيادة الفلسطينية الموالي لصدام حسين، ومع ذلك، يشير الكاتب إلى أن هذه المرحلة لم تفسد العلاقة التاريخية الراسخة بين الشعبين، حيث بادر الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالاعتذار عن هذا الموقف في عام 2004م، وبدأت العلاقات الرسمية تعود تدريجيًا إلى مسارها الطبيعي.
الدروس المستفادة من الكتاب
– العلاقات الكويتية الفلسطينية راسخة وأصيلة، بنيت على تعاون ثقافي وإنساني، ولم تكن مجرد علاقة سياسية سطحية.
– دور الكويت لم يكن محصورًا في الدعم المالي والسياسي، بل امتد ليشمل الدعم التعليمي والثقافي والاجتماعي.
– تأثير الفلسطينيين في المجتمع الكويتي، ودورهم في تعزيز القطاعات التعليمية والصحية والإعلامية.
– موقف الكويت الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني يعكس ثبات المبادئ الكويتية تجاه القضية الفلسطينية.
خاتمة الكتاب
في خاتمة الكتاب، يضع المؤلف خلاصة واضحة للعلاقة الكويتية الفلسطينية، حيث يوضح أن هذه العلاقة تأسست على التضامن الشعبي قبل أن تكون سياسية، وهي علاقة بنيت على مصالح وقيم مشتركة، ولم تكن علاقة مؤقتة أو انتهازية.
ويرى الكاتب أن الاحتلال العراقي للكويت كان محطة مفصلية في العلاقة، لكنها لم تنجح في تقويض الترابط العميق بين الشعبين، إذ عاد التضامن سريعًا بين الكويت وفلسطين بعد زوال الاحتلال العراقي.
واختتم المؤلف بتوجيه رسالة مفادها أن العلاقة بين الكويت وفلسطين ستظل نموذجًا مميزًا للتضامن العربي، ولن تؤثر فيها أي أزمات عابرة؛ لأن هذه العلاقة ليست علاقة أنظمة أو حكومات، بل علاقة شعوب متجذرة في الوجدان العربي.
يُعد كتاب «الكويت والفجر الفلسطيني» شهادة تاريخية مهمة، توثق بعمق العلاقة الكويتية الفلسطينية من منظور تاريخي وإنساني وثقافي، يعكس الكتاب نموذجًا نادرًا في العلاقات بين الدول، حيث يتجلى البعد الإنساني والشعبي إلى جانب البعد السياسي.
إنه كتاب يُنصح بقراءته لكل من يريد فهم جذور التضامن العربي مع فلسطين، خاصة في وقت باتت بعض الدول تنحرف عن هذا المسار، الكويت، حكومةً وشعبًا، كانت وما زالت في طليعة المدافعين عن القضية الفلسطينية، وما هذا الكتاب إلا تأكيد على أن الفجر الفلسطيني حتما سيشرق بفضل المواقف الثابتة، والداعمة من أشقاء كالكويت.