وأعني بذلك تعليم اللغة العربية للشعوب غير الناطقة بها عن طريق الراديو، وخصوصًا شعوب العالم الثالث، وبصفة أخص الشعوب التي ترتفع فيها النسبة العددية للمسلمين، ومعروف أن تعليم اللغة يعني نقل ثقافتها وتراثها، وقيم الناطقين بها إلى الآخَرين.
كما أنه يَخلق نوعًا من الترابط النفسي بين الدولة المُرسِلة والمُتلَقِّين، ولأهمية هذا العمل وخطورته يجب أن تقوم به هيئة متخصصة مشتركة من جميع الدول العربية، مع القيام بمتابعة جادة لآثار هذا “التصدير” ونتائجه.
ويحدثنا د. إبراهيم إمام عن التجربة المصرية في هذا المجال فيقول(1): «.. هي تجربة ناجحة جاءت تلبيةً لطلبات آلاف المستمعين في آسيا وإفريقيا، واستمرَّت دراسة المشروع منذ عام 1957 حتى سنة 1966م، وشاركت في الدراسات هيئات عديدة؛ مثل: وزارة التعليم العالي، ووزارة التربية والتعليم، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية».
وهكذا بدأ المشروع بداية واثقة جادة قائمة على الأسلوب العِلمي لنَشر اللغة العربية، وتقوية الصلات الدينية بين مصر وسائر الشعوب الإسلامية، حتى تستطيع قراءة القرآن الكريم، وفهم نواحي الدين الإسلامي، مِن فقهٍ وتشريع ومبادئ وأحاديث.
وبدأت الخطة باستخدام اللغة الإنجليزية كلغة وسيطة، ويقوم المشروع على إذاعة الدروس مصحوبة بكتُب شارحة لها، وتُرسَل الكتب مقدمًا إلى المستمعين طبقًا لعناوينهم، ولكل منهم رقم كوْدِي يُستخدم في مراسلاته.
وتذاع الدروس على ثلاث مراحل بحيث تصل بالمستمع إلى مرحلة متوسِّطة في المستوى اللغوي، وتنفذ كل مرحلة على مدى عام، وتتكون من واحد وخمسين درسًا، ويتطور المشروع تطورًا مستمرًّا مع العناية بالقواعد النحوية، واستخدام بعض الآيات والأحاديث والشعر كشواهد وأمثلة.
وفي سنة 1968 بدأت عملية التدريس باستخدام اللغة الفرنسية كلغة وسيطة للمستمعين في غرب إفريقيا والجزائر وأوروبا وغيرها.
فالتجربة إذًا ناجِحة، وهي لذلك قابلة للتكرار، لذا يجب أن تكثَّف لها المجهودات على مستوى العالم العربي كله، وأن يُفتح المَجال للمؤسَّسات التجارية للمُساهمة في هذا المشروع بالدعم المادي.
ويا حبَّذا أن تنتقل التجربة -بعد ذلك كخطوة تالية- إلى تعليم اللغة العربية عن طريق القنوات الفضائية بالتلفاز، وبذلك تَشترِك الوسيلتان؛ الراديو والتلفاز في أداء هذا العمل العظيم.
_____________________
(1) الإعلام الإذاعي والتلفزيوني، ص 280 – 281.
المصدر: الموقع الرسمي للدكتور جابر قميحة.