«إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ»، حديث نبوي شريف يقرر مسلَّمة فطرية لا ينازع فيها أحد يؤمن بإله، وهي جمالية تشريعاته التي أحبها لعباده أن يتقربوا إليه بها، وهي مميزة لصدقها في نسبتها إليه من عدمها، و(إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) (آل عمران: 19)، فهو الدين الذي كملت محاسنه بما يستحيل على خبير إحصاؤها، وفي هذا المقال نتعرض للتعريف بهذا العلم الجليل وثمراته ومَحَالّ تلمسه ومسالك التجديد فيه.
تعريف علم محاسن الإسلام وثمرته
لعل تعريف هذا العلم مما لا يحتاج إلى تكثُّر، فإن الحُسن معروف، ولكن الإضافة إليه لها بعض الدلالات، فإن إضافته إلى الإسلام قد تفيد بيان خصائصه بشكل كلي، فيسمى لذلك «محاسن الإسلام»، وإضافته إلى الشريعة قد يفيد بيان التفصيل في حسن الشرائع، فيسمى لذلك «محاسن الشريعة»، لكن من المهم الوقوف على ثمراته المتعددة، التي نستطيع أن نُجملها تحت 3 كليات:
1- التعبد بالمعروف: فإن من شعر بجمال شريعة أحسن فيها، وأتمها بأفضل مما يصنعها إن كانت مشروعة فحسب.
2- التحصين من المنكر: فإن معرفة محاسن الشريعة يدفع ما يخطر على القلب من دعاوى الشهوات بإهمال الشرائع ودعاوى الشبهات بقلة جدواها.
3- الدعوة إلى الحق: فإظهار مكامن المحاسن ومظاهر الجمال في الشريعة معين على تجميلها في عين المدعوين سواء في حق المسلمين الذين غاب عنهم معرفتها أو التزامها، أو في حق غيرهم ممن لم يدخل في الإسلام.
وتحت هذه الكليات تندرج أمور لا يحصيها المُحصي؛ فالناس بين مقل ومستكثر من تلك الفتوحات الربانية.
مسالك تناوله والتصنيف فيه
وقد تنوعت مسالك تناول هذا العلم الجليل، وتنوعت بذلك المصنفات حسب تلك الوِجهات، ونستطيع أن نُجملها في أربع:
الأولى: من حيث التشريعات، وهي التي تتناول محاسن الشرائع المعيَّنة، سواء في العبادات كالصلاة والزكاة والحج وغيرها، أو المعاملات كالبيوع والنكاح والطلاق والإجارات وغيرها، ورتبت الموضوعات المتناولة حسب الأبواب الفقهية، وهي المصنفات الأقدم التي وصلتنا في هذا الباب، ومنها كتاب محاسن الشريعة لأبي بكر محمد بن الشاشي المعروف بالقفال الكبير (ت 365هـ)، وكتاب محاسن الإسلام وشرائعه لأبي عبدالله محمد بن عبدالرحمن البخاري المعروف بالزاهد (ت 546هـ).
الثانية: من حيث الخصائص العامة لدين الإسلام؛ كالشمول، والتوازن، والواقعية، والوضوح، ومراعاة المصالح، وغير ذلك، ومما صنف من هذه الوِجهة كتاب «خصائص التصور الإسلامي» لسيد قطب (ت 1386هـ)، وكتاب «كمال الشريعة وشمولها لكل ما يحتاجه البشر» لعبدالله بن محمد بن حميد (ت 1402هـ).
الثالثة: من حيث المقارنات بغيره من الأديان، سواء كانت أدياناً أصلها سماوي أو وضعي، ومنها كتاب الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن دين الإسلام وإثبات نبوة محمد عليه الصلاة والسلام لشمس الدين القرطبي (ت 671هـ)، و«محاسن الشريعة» لعطية محمد سالم (ت 1420هـ).
الرابعة: من حيث تناول جانب معين في الشريعة، فمنها ما تناول أبوابًا في الاعتقاد ككتاب «جمالية الدين معارج القلب إلى حياة الروح» لفريد الأنصاري (ت 1430هـ)، أو أبوابًا من العبادات كالصلاة مثل كتاب «أسرار الصلاة والفرق والموازنة بين ذوق الصلاة والسماع» لابن قيم الجوزية (ت 751هـ).
وجمعت بعضُ المصنفات عددًا من المقاصد، ككتاب «الدرة المختصرة في محاسن الدين الإسلامي» لعبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376هـ).
تقاطع علم المحاسن مع علمي المقاصد وعلل الشرائع
وإن المتلمسين لطلب هذا العلم الشريف يجدونه مبثوثًا في دواوين التفسير وشروح الحديث وسائر أبواب التصنيف في علوم الإسلام، وإن ما ذكرناه هو الذي صُنِّف فيه بوجه خاص فحسب، فإن ظهور محاسن الإسلام وشرائعه من الحقائق الظاهرة التي لا تخفى على ممارس لعلومه.
ولأجل ذلك، فقد حصل تماس أوهم البعضَ المطابقة التامة بين علم محاسن الشريعة وعلمي مقاصد الشريعة وعللها، فإن ثلاثتها مشترِكة في محاولة النفوذ إلى حقائق تلك الشرائع لا الوقوف على ظواهرها فحسب، ولكن المميِّز بينها اختصاص علم المحاسن بإظهار جماليات التشريع، واختصاص علم المقاصد ببيان ما تسعى الشريعة إلى تحقيقه من الأحكام الشرعية مما يعين الفقيه على استنباط الأحكام والترجيح بينها، واختصاص علم علل الشرائع ببيان مقاصدها الربانية مما يعين العابد على مشاهدة آثار الربوبية للوصول إلى مقام الإحسان.
ظروف المصنفات في هذا العلم
وإن الناظر في كتب محاسن الشريعة -كالتي ذكرناها- أو كتب مقاصد الشريعة ككتابي «الاعتصام» و«الموافقات» لأبي إسحاق الشاطبي (ت 790هـ) وما تلاها من مصنفات كثيرة حتى عصرنا الحالي، أو كتب علل الشرائع ككتاب «إثبات العلل» للحكيم الترمذي (ت 320هـ) يجد ملاحظتين مهمتين؛ إحداهما متعلقة بطبيعة العلم؛ وهو جمع تلك المصنفات -لاسيما المتقدم منها- بين مقاصد تلك العلوم، وذلك راجع إلى أن الاصطلاح على تقسيم العلوم أمر حادث، وهو غير مراعى في التصنيف حينئذ، لا سيما إن تقاطعت مقاصد العلوم المتناوَلة أو مواردها كما هو حاصل في ذلك الأمر.
والثانية تاريخية؛ فإن أقدم ما وصلنا من مصنفات كان في علل الشرائع، ثم المحاسن، ثم المقاصد، ولعل سبب ذلك سبق الرعاية لمسألة الإيمان التي استوجبت تناول هذا العلم من وجهتها، ثم تثنيتها بمعرفة حقائق الشرائع ومظاهر الجمال فيها مما استوجب التصنيف في المحاسن، ثم الحاجة إلى ما يمليه ذلك في أبواب الأحكام الفقهية فكان علم مقاصد التشريع.
مظان التجديد في علم محاسن الشريعة
وإن أبوابًا لا تُعد كثرة قد تَجِدُ في مسالك تناول هذا العلم الجليل؛ مما يجعله علمًا متجددًا طوال الوقت، فمع كثرة الطروحات البشرية سواء العقدية أو السلوكية أو الفكرية أو الاجتماعية أو غيرها؛ يقف العاقل على حقيقة عظيمة وهي جمالية دين الإسلام وظهور محاسنه والميل الفطري إليه، ثم الجزم بمناسبته لحال البشر في كل زمان ومكان ومراعاته لمصالحهم في داخلهم وخارجهم، وبالتالي فإنه علمٌ ينبغي استلهامه في نقض كل ما يخالف الإسلام عقيدةً وشريعةً.
وحقيقةً؛ فإن الناظر في هذا العلم الجميل يجد من الراحة النفسية والمتعة العقلية ما الله به عليم، فالحمد لله على دينه القويم وشرعه المستقيم، وصدق الله العظيم إذ يقول: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام: 40).