تمتاز بعض سجون النظام السوري الوحشية، ومنها سجن صيدنايا، بأنها تقع في مناطق سكنية ومحاطة بالبنايات، والحياة حولها طبيعية جداً، ولكن الحياة داخل السجن مليئة بالصراخ والموت!
وسجون النظام السوري كانت محشوّة بالأبرياء، ومليئة بالتعذيب الجسدي والنفسي والاختطاف، والاغتصاب والأطفال، وآلاف السجناء القابعين منذ أكثر من 40 عاماً في الدهاليز والظلمات!
ومع نهاية نظام بشار الأسد، الدموي، نسي ملايين الناس فرحتهم بعد أن اكتشفوا عدة سجون مليئة بالموت والتعذيب والقسوة!
وقصص السجون السورية غائبة حتى عن خيال أكبر وأخطر المجرمين المحترفين، ومحجوبة عن فكر أروع المخرجين لأفلام الرعب الحائزة على الجوائز العالمية!
فهل يعقل أن الذين ارتكبوا تلك الجرائم هم من جنس البشر؟
ولا نريد أن نخوض هنا في الخلفيات العقائدية والفكرية والأخلاقية للمجرمين، فقط نريد أن نركّز على الجانب الإنساني!
يعتبر سجن صيدنايا شمالي دمشق السجن الأخطر والأشنع، الذي صُمم ليكون مقبرة للقتل والتعذيب والضياع الإنساني لكل من يعارض النظام، ولكل من لا يتملّق للنظام ورجاله!
وسبق لمنظمة العفو الدولية، في 7 فبراير 2017م، أن وصفت السجن بالمسلخ البشري، وأنه يضمّ آلاف السجناء والمعتقلين، ويعجّ بالتعذيب المنهجي والإعدامات اليومية!
وقد رأينا عشرات الأشرطة المصوّرة، بعد سقوط النظام، التي خرج فيها السجناء وهم في حالة ذهول وشرود ذهني وجنون، وأظهرت تسجيلات قديمة أن السَّجّانين أجبروا بعض المعتقلين على «الكفر البواح، وتَأْليه بشار الأسد»، والعياذ بالله!
وغالبية تلك السجون تحتوي على هياكل بشرية لأشخاص بقوا على قيد الحياة رغم التعذيب الجنوني، والشقاء الخرافي، وفقدان الطعام والماء، والحرمان من النوم!
والمتّهم الرئيس بهذه الجرائم هي المخابرات العامّة والمخابرات الجوية والعسكرية والأمن السياسي!
وهنالك العديد من السجون الإرهابية، عدا صيدنايا، التي لم يُسلّط عليها الضوء بشكل كاف، ومنها سجن «عدرا»، في ريف دمشق، والمختصّ بالنساء، وكانت تقبع فيه مئات النساء!
وسجن «فرع فلسطين، الفرع 235»، جنوبي دمشق، ويمتاز بزنزاناته المظلمة والضيّقة، ويحتجز فيه المئات من المعتقلين! ولا ندري لماذا أطلق عليه هذا الاسم «فلسطين»، المرتبط بالنضال العربي، بينما أرجاء المعتقل تحوي كافة أنواع الذل والضياع والإرهاب والتعذيب الجسدي والنفسي!
وكذلك سجن «فرع المخابرات العسكرية 291» الواقع في قلب دمشق، ولكنّه، رغم الحياة الطبيعية حوله، مليء بالرعب، وهو مركز للاعتقال الانفرادي للقضايا السياسية حصراً!
ولا ندري كيف أن الناس في الأحياء والطرقات المحيطة كانوا لا يسمعون صرخات السجناء رغم أن السجن به شتى أساليب التعذيب القاسية والنادرة!
ويُعدّ سجن «تدمر»، 200 كلم شمال شرق دمشق، من السجون المخيفة والمظلمة، وهو مختص بالسجناء السياسيين المعارضين للنظام، والعسكريين الرافضين لأوامر القتل والدمار التي أصدرها النظام لهدم منازل المواطنين بعد الثورة في العام 2011م! وتُنفّذ فيه، تماماً مثل سجن صيدنايا، أحكام الإعدام والتعذيب بأبشع الأساليب الهمجية!
وجميع هذه السجون كانت خالية تماماً من أبسط مقوّمات الحياة، ولا نقول النظافة والخدمات؛ وبالتالي نحن أمام مقابر حقيقية فوق الأرض!
وداخل هذه المعتقلات لا يكفي اعتراف الأبرياء بالجرائم المنسوبة إليهم؛ لأنهم، وفي جميع الأحوال، سيمكثون لسنوات وسنوات في دهاليز السجون، وهذه دلائل قطعية على أن القانون مُغيّب تماماً، ولا توجد أيّ متابعات رسمية وقانونية وحقوقية لما يجري خلف جدران السجون والمعتقلات!
وبعيداً عن أعداد المحتجزين في تلك المقابر، فلا أحد يعرف بالضبط أعداد الذين قضوا في تلك السجون، وهنالك أحاديث عن تغييب وضياع أثر ما يقرب من 100 ألف معتقل بعد دخولهم لتلك المسالخ البشرية!
فأين القضاء؟ وأين القانون؟ وأين الدولة؟ وأين المنظمات المختصة بحقوق الإنسان؟ وأين الإعلام العربي والأجنبي؟!
صدقاً، لو لم نشاهد هذه المشاهد الوحشية أمامنا لكان من الصعب تصديقها، والقبول بوقوعها؛ لأنها مخالفة لأبسط القيم الإنسانية والأخلاقية والقانونية!
ستبقى سجون الأسد الأبشع في العالم، وستظل هذه السجون وصمة عار لن تمحى من جبين النظام وأزلامه!
______________________
dr_jasemj67@