«سورية في فوضى، لكنها ليست صديقتنا، لا ينبغي للولايات المتحدة أن يكون لها أي علاقة بما يحدث، هذه ليست معركتنا، لندع الأمور تجري، دون أن نتدخل»، هكذا أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب، بالتزامن مع إعلان سقوط الدكتاتور بشار الأسد وإعلان بدء سورية الجديدة تحت القيادة الجديدة برئاسة أحمد الشرع، يعاونه رئيس الحكومة الانتقالية محمد البشير.
وانضمت ألمانيا لأمريكا وبريطانيا في التواصل مع «هيئة تحرير الشام» بسورية، رغم أن الشرع والهيئة مصنفان على قوائم الإرهاب التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، بعد خطاب لافت، لقائد سورية الجديد، عبر شبكة «سي إن إن» الأمريكية، بالتزامن مع تصريح وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، بأن أمريكا وأوروبا وقوى إقليمية حثت على احترام الأقليات بسورية.
بداية، يتوقع د. إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، في حديثه لـ«المجتمع»، أن تتقبل أمريكا والنظام العالمي سورية الجديدة ونظامها الجديد، مؤكداً أن هناك مفتاحاً رئيساً لفهم ما حدث من سقوط سريع لنظام بشار الأسد، وصعود نظام أحمد الشرع، وهو الإجابة عن سؤال: هل ما حدث تم ترتيبه مسبقاً أم لا؟
د. بدر الدين: أمريكا والنظام العالمي سيتقبلان الأوضاع الجديدة بسورية
ويضيف أنه في ظل المؤشرات الواضحة، فإن هناك ترتيباً مسبقاً، شاركت فيه دول، سواء بعلم الولايات المتحدة الأمريكية أو بمشاركتها، للإطاحة بالنظام القديم، وإيجاد نمط مختلف لسورية مختلفة، لا تهدد المصالح الأمريكية، ولا الكيان الصهيوني، مع تواجد دول أخرى مثل تركيا.
ويرى د. بدر الدين أن التصريحات الأمريكية، تجاه نظام الشرع، إيجابية، وتتحدث عن إعطائه وقتاً لتحويل كلامه إلى أفعال، وبالتالي هناك مهلة واضحة من الأمريكيين والنظام العالمي الذي تهمين عليه أمريكا للنظام الجديد لتشكيل سورية جديدة بلا مشكلات ولا أزمات، خاصة تجاه الكيان الصهيوني، الذي تعد أمريكا الداعم له، مشدداً على أنه لا يعتقد أن هناك أي محاولة للفظ سورية الجديدة من السياق العالمي على الأقرب في المدى القريب، طالما المصالح الأمريكية والدولية مصانة.
الحماية الناعمة!
بدوره، يتوقع د. خيري عمر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة صقريا بتركيا سابقاً، الأكاديمي المعني بقضايا الشرق الأوسط، في حديثه لـ«المجتمع»، أن الولايات المتحدة الأمريكية ستعتمد ما وصفه بسيناريو الحماية الناعمة، في مواجهة النظام السوري الجديد، بمعنى إعطائه فرصة للنمو تحت شعار سورية للسوريين مع منع أي تدخلات سلبية خشنة، بغرض إستراتيجي، لبناء دولة جديدة لها جيش عقائدي يحول دون تمدد الحرس الثوري الإيراني، في المنطقة مرة أخرى.
ويشير د. عمر إلى أن السلطة السورية الجديدة أعلنت، في المقابل، أنها لا تعادي الأمريكيين، لتتفرغ لدولة مليئة بالفراغ، ويراد لها أن تكون بلا سلطة لفترة طويلة، لجذب المليشياوية من كل حدب وصوب، وجعل كيان الدولة منفرطاً، مؤكداً أن الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني بند أساسي في الأجندة الأمريكية بالمنطقة في الفترة المقبلة، وبالتالي فكل ما يدور مستقبلاً هو في إطار تعزيز الحماية الناعمة للدولة الجديدة، وتأكيد الحماية الخشنة للكيان الصهيوني، وبسط مساحات الفوضى كلما أمكنها ذلك.
د. عمر: «الحماية الناعمة» المخطط الأمريكي لمواجهة التطورات
لكن، ظهر في الأفق ورقة قرار مجلس الأمن (2254)، التي طالب الشرع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسون بإعادة النظر فيها؛ «نظراً للتغيرات التي طرأت على المشهد السياسي»، وفق تصريحات رسمية، فيما قال المعارض السوري زهير الصديق، عبر منصة «إكس»: بيان الرئيس الهارب مخطط روسي للعودة للقرار الدولي (2254)، والعودة للمفاوضات، وسيكون هذا الحدث عنوان المرحلة المقبلة.
يبدو هنا، القرار كمسمار جحا، لدى مراقبين، ولذلك يحذر د. ياسر الغرباوي، المتخصص في شؤون النزاعات وبناء السلام، مدير مركز التنوع لفض النزاعات، في حديثه لـ«المجتمع»، من أن قضايا الأقليات كانت دائماً وأبداً شماعة ومدخلاً للنفوذ الغربي في المنطقة، وستكون كـ«مسمار جحا» في سورية الجديدة.
ويتوقع أن تبني أمريكا والدول الأوروبية تعاملاتها مع سورية الجديدة، بناء على تعامل النظام الجديد مع قضايا الأقليات، موضحاً أن سورية دولة بالغة الثراء، على المستوى العرقي والديني واللغوي، حيث يوجد الأكراد، والتركمان، والمسيحيون، والدروز.. وغيرهم، بجانب الأقلية العلوية التي حكمت البلاد رغم أن التقديرات تقول: إن نسبتهم لا تزيد على 10% من مجموع الشعب السوري.
ويلقي د. الغرباوي بالكرة في ملعب النظام الجديد، مؤكداً أن طريقة إدارة الشرع وحكومته لملف الأقليات والتنوع، وفي مقدمتها مدى التمثيل السياسي للجميع في المشهد السياسي، ستحدد طريقة التعامل الدولي والأوروبي والأمريكي مع مستقبل سورية.
ويوضح أن هناك 3 قضايا كبرى في هذا الشأن سيتم الاعتناء بها دولياً، ويجب الاهتمام بها في سورية، وهي الثروة والسلطة والهوية؟ مؤكداً أن السؤال القادم: هل سيتيح الدستور السوري والمشهد الجديد لأي سوري الالتحاق بأي منصب، بعيداً عن خلفيته الدينية والعقائدية والأيديولوجية؟ هل الثروة سيتم توزيعها بطريقة عادلة؟ هل الهويات الفرعية سيتم احترامها في سورية الجديدة أم لا؟
د. الغرباوي: ورقة الأقليات إحدى أدوات النظام العالمي ولا بد من يقظة الثوار
ويضيف د. الغرباوي أنه بقدر توفير فضاءات من العدالة والمساواة، ستكون فرصة عرقلة النظام الدولي للسوريين، عبر بوابة الأقليات قليلة، أما إذا تم الإقصاء والتهميش للأقليات، فإن التدخل الغربي والأمريكي سيكون سلبياً، مؤكداً أن الأمر بيد ثوار سورية لطرح نظام قانوني عادل لا أحد فوقه ولا أحد تحته، من أجل امتلاك قرارهم بيدهم وتجنب أي سيناريوهات سلبية مستقبلية.
دعم إقليمي ودولي
وفي ورقة تقدير موقف بعنوان «بين التوحد والتفكك: المسارات المحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد»، الصادرة عن مركز المستقبل الإماراتي للأبحاث والدراسات المتقدمة، في 12 ديسمبر 2024م، فإن المؤشرات تذهب إلى أن الحكام الجدد في سورية سوف يتلقون دعماً على المستويين الإقليمي والدولي.
وتوضح الورقة البحثية أنه بالإضافة إلى الدعم التركي الكامل، تحدثت روسيا حول مسارات للحوار مع الفصائل المسلحة لضمان تأمين المصالح الروسية في سورية، خاصة قاعدتي الجيش الروسي في طرطوس وحميميم، حيث يرتبط بقاء تلك القواعد بمدى التزام الفصائل المسلحة باتفاقية وقّعها الأسد حول استضافة هذه القواعد عام 2015م، ومدتها 50 عاماً قابلة للتجديد 25 عاماً أخرى.
وتضيف أن هناك إشارات كثيرة من الولايات المتحدة حول استعدادها لرفع الشرع ورفاقه من قوائم الإرهاب الأمريكية والدولية؛ بما يؤدي إلى تغيير كثير من المواقف المترددة تجاه حكومة الفصائل السورية المسلحة.