الإسلام علاقة مع الله تعالى، تنعكس مودة ورحمة لعباد الله، هذه العلاقة بين العبد وربه علاقة قانونية محددة، ترتكز إلى أسس وقواعد تشكل منطلق وأركان هذه العلاقة، وتنفتح على مدى غير متناهٍ في توطيد هذه العلاقة وتمتينها وتجويدها وتحسينها.
وقد جاء هذا المعنى واضحاً وجلياً في قوله صلى الله عليه وسلم، في الحديث المشهور: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتُقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعتَ إليه سبيلًا»، «الإيمان أن تُؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (رواه مسلم).
وانعكاس العلاقة مع الله على العلاقة مع عباد الله قانوني أيضاً، له مرتكزاته وأسسه، التي تشكل كذلك أركانه وبنيته، ضمن 3 مسارات:
الأول: مولاة المؤمنين.
الثاني: معاداة المعتدين.
الثالث: التجافي عن الكافرين.
هذا التصوير المختصر الجامع هو الذي يشكل خارطة الطريق لأي مسلم فرد، أو جماعة، للانضباط الدقيق، والثبات المتين، على الصراط المستقيم، الذي أمرنا الله في العديد من آيات كتابه، بالتزامه واتباعه، مثل قوله تعالى: (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ {6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) (الفاتحة)، أو قوله تعالى: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام: 153).
كما يشكل منارة هدى للخروج من التيه إذا دخله، أو العود إلى الطريق إذا تنكبه، ولكي نوضح معالم هذه الخارطة الهادية، سوف نقسمها إلى 4 أقسام:
الأول: العلاقة مع الله تعالى، التي ينبغي أن تبلغ بالعبد ويبلغ بها العبد درجة الإحسان، فالعلاقة مع الله علاقة رغبة ورهبة، منطلقها 3 معان رئيسة:
1- أن الله تعالى هو الرب الذي بدأ الخلق، ورباه بنعمه، وأحاطه بمننه، هذا المعنى إذا استقر في عقل وقلب العبد ملأه حباً لله، وشكراً له.
2- أن الله تعالى هو النور الذي أنار لخلقه طريق سعادتهم في الدنيا، ونجاتهم في الآخرة.
3- أن الله تعالى هو الملك الذي سيسأل عباده عن حسن استخدامهم لنعمه، وصدق التزامهم بهديه.
إقرار العبد بنعم الله عليه، والتزامه بهدي الله فيها، واستعداده لسؤال الله عنه، يشكل لب توحيده لله، وروح علاقته مع الله، التي هي محدودة بحدود دنيا لا يجوز النزول عنها (الإسلام، والإيمان)، ومفتوحة على مدى رحب ينبغي أن تظل العيون معلقة إليه (الإحسان).
الثاني: موالاة المؤمنين، والانسجام القلبي والخلقي، والالتزام السلوكي والعملي بالجماعة المؤمنة.
وتتفرع هذه العلاقة عن العلاقة مع الله تعالى، وتشكل في الوقت نفسه ميزان صحتها وسلامتها، وتشتمل على معاني القلب واللسان واليد، وتشمل العلاقات كلها؛ الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم، حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا».
الثالث: معاداة المعتدين، وكف اعتدائهم، ومجاهدتهم، وبذل المطلوب في ذلك، بذلاً يبدأ بالمال، وينتهي بالنفس، ويستغرق كل شيء في سبيل ذلك.
الرابع: التجافي عن الكافرين، فكراً وممارسة، والنأي عن أساليب عيشهم وحياتهم، والبعد عن مناهج تفكيرهم وتصوراتهم.
لا يجوز الابتعاد عن المؤمنين؛ براء أو حسداً أو تدابراً أو تباغضاً.
قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحَاسَدُوا، ولَا تَنَاجَشُوا، ولَا تَبَاغَضُوا، ولَا تَدَابَرُوا، ولَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، ولَا يَخْذُلُهُ، ولَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا -ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، ومَالُهُ، وعِرْضُهُ» (رواه مسلم)، ولا موالاة المعتدين سكوتاً أو عوناً أو مشاركة جزئية أو كلية؛ (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة: 22).
ولا موافقة الكافرين تشبهاً أو اتباعاً أو رضاً، قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «لتتَّبعنَّ سَننَ من كانَ قبلَكم حذو القُذَّةِ بالقُذَّةِ حتَّى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لدخلتُموه»، قالوا: اليَهودُ والنَّصارى؟ قالَ: «فمَن؟!» (رواه البخاري).
بمعالم هذه الخارطة الجامعة يستطيع المسلم أن يهتدي في أي من مسارات الحياة يسير، وفي أي من مجتمعات الدنيا يعيش، ومع أي من ألوان وأطياف البشر يتشارك.
وكذلك بمعالم هذه الخارطة الجامعة تستقيم قراءات المسلم واطلاعاته، وتنضبط أفكاره وتصوراته؛ ويستطيع أن يقرأ أي مرجع، أو يطلع على أي ثقافة، فيميز به الحق من الباطل، والصواب من الخطأ.