ينقسم الناس تجاه الرؤية الإسلامية للسياسة إلى فريقين؛ الأول: يرى أن الإسلام دين يستطيع النهوض بالحياة الإنسانية في كافة مجالاتها؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، والثاني: يرى أن الدين لا علاقة له بالسياسة، بل هو خاص بضمائر الأفراد وأماكن العبادة.
وإن الناظر في آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ومواقف العلماء والفقهاء عبر التاريخ الإسلامي يدرك أن الإسلام قد وضع الأسس العملية لإدارة الحياة الإنسانية بصورة تحقق لها النهوض والازدهار، لكن الناس جميعاً في حاجة ماسة إلى إبراز هذا الجانب من جوانب الإدارة الإسلامية للحياة، وهو ما يسمى بالسياسة الشرعية، وتتبين المقاصد العامة للكتابة في مجال السياسة الشرعية فيما يأتي:
1- التأصيل لشمولية الإسلام واستيعابه جميع شؤون الحياة:
أشاع العلمانيون ومن تماهى معهم أو سار في ركابهم أن الإسلام دين لا دولة، وروح لا مادة، وأن الدين يجب أن ينعزل عن السياسة والاقتصاد وغيرهما من شؤون الحياة العامة، فهم يرون أن وظيفة الدين تنحصر في ضمائر الأفراد أو أماكن العبادة.
والحق أن الإسلام دين شامل، يستوعب مظاهر الحياة جميعاً، قال تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) (النحل: 89)، وتعد الكتابة في مجال السياسة الشرعية قديماً وحديثاً من أهم الأدلة على وفاء الشريعة الإسلامية بأحكام السياسة والقضاء والاقتصاد وغيرها من مجالات السياسة الشرعية.
2- التأصيل للأفكار السياسية الإسلامية ونشرها:
يعد التأليف في السياسة الشرعية معيناً على جمع الأحكام والنظريات المتعلقة بتنظيم أمور الدولة، وتوضيح المبادئ التي تستند إليها، ويسهم هذا في صياغة إطار مرجعي يمكن الاحتكام إليه في تنظيم شؤون الحكم والإدارة في الدولة وفقًا للشريعة الإسلامية، كما تعد الكتابة في مجال السياسة الشرعية تعزيزاً وتقريراً للمفاهيم الإسلامية المتعلقة بالحكم، مثل العدالة الاجتماعية، والحرية، والحقوق المدنية، والمساواة، وقد شرع الإسلام أصول هذه المفاهيم، وترك التطبيق لها بما يتناسب مع كل عصر ومصر.
3- رسم معالم واضحة للاجتهاد في باب السياسة الشرعية:
زعم بعض الناس أن اجتهادات العلماء السابقين هي شرع الله الذي لا يجوز تغييره أو تبديله أو حتى تطويره، حيث جمد هؤلاء على المصطلحات والأسماء، وأغلقوا باب الاجتهاد في هذه المجالات، حتى أفسحوا المجال أمام العدو لاتهام المسلمين بالتخلف والرجعية؛ ومن هنا كانت الكتابة في مجال السياسة الشرعية وسيلة مهمة في الرد على أهل الجمود، بل إنها تقرر القواعد التي يمكن من خلالها استنباط الأحكام وقياس الوقائع على غيرها بصورة لا تتناقض مع الأحكام الإسلامية الأصيلة.
ويضاف إلى ذلك أن التأليف في هذا المجال يسمح بالاجتهاد في القضايا السياسية المعاصرة التي لم يتطرق لها الفقه التقليدي، مثل الإعلام، والانتخابات، وحقوق المرأة في السياسة؛ ما يفتح مجالًا لطرح حلول شرعية لهذه القضايا.
4- حسن التعامل مع النوازل والقضايا المستجدة:
يوفر التأليف في مجال السياسة الشرعية إطارًا مرنًا للاجتهاد، يتيح استيعاب التغيرات والتطورات في المجتمعات الإسلامية، كما يساعد على تقديم اجتهادات شرعية لمواجهة القضايا المعاصرة والمستجدات السياسية والمشكلات التي لم تكن موجودة في عصور سابقة، مثل قضايا الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والعلاقات الدولية، كما تؤدي الكتابة في السياسة الشرعية إلى تمكين الفقيه والسياسي من التعامل الصحيح مع النوازل والأحداث التي تمر بها الأمة الإسلامية، وتسهم في تطوير الرؤية السياسية الإسلامية بحيث تلائم التحديات المعاصرة.
5- الحرص على الإصلاح السياسي:
تعمل السياسة الشرعية على مكافحة الفساد، وتسعى إلى اجتثاث جذوره، حيث تهتم بتحديد الأسس التي تُسهم في مكافحة الفساد داخل الدولة، وتشجع على الشفافية، والمحاسبة، والنزاهة في الحكم؛ لذا فإن الكتابة في هذا المجال تعمل على تقديم رؤية شرعية للمنشغلين بالعمل السياسي، لإصلاح ما فسد من القوانين والأحكام التي أشاعتها الثقافة الغربية والقوانين الوضعية، كما تساعد هذه الكتابات في نشر الأفكار الإصلاحية التي تضمن تحسين أداء الحكومات الإسلامية بما يحقق مصالح الأمة ويراعي احتياجاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
6- بيان العلاقة بين الحاكم والمحكوم:
تكشف السياسة الشرعية عن الحقوق والواجبات الخاصة بالراعي والرعية، بحيث يؤدي كل طرف ما عليه، ويأخذ ما له، لذا فإن الكتابة في هذا المجال تقوم بدور التثقيف والتوجيه للحكام والأمة في تصرفاتهم، كما تسهم في توحيد الرؤية السياسية بين الناس؛ ما يقلل من الخلافات والانقسامات داخل الدولة.
7- الوقوف على أهمية العلاقات الدولية:
تهتم السياسة الشرعية ببيان واجب الأمة الإسلامية تجاه غيرها من الأمم والحضارات، ومن هنا كان الحديث عن العلاقات الدولية في السياسة الشرعية، وبيان ما يجب فيها وما يمتنع، جانباً من جوانب الكشف عن سبل التعاون بين المسلمين وغيرهم، في جلب المنافع ودفع المضار، وهذا من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2).
8- الكشف عن حقوق غير المسلمين وواجباتهم في المجتمع الإسلامي:
تعين السياسة الشرعية أبناء المجتمع على تحقيق التآلف والتعاون بينهم على أساس القوانين الكاشفة عن واجبات كل فرد تجاه الآخر، سواء كان على دينه أم مخالفاً له، فإن للمسلم على أخيه واجبات بمقتضى الإنسانية، وأخرى بمقتضى الوطنية، وثالثة بمقتضى الديانة.
وإن الكتابة في هذا المجال تقوم بدور البيان والإيضاح لما يجب لكل فرد على أخيه، وتنطلق الكتابة في هذا الجانب من قوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {8} إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة).
9- إحياء التراث الفقهي والسياسي الإسلامي:
استطاعت الدولة الإسلامية عبر العصور المتتابعة أن تقود العالم بالخير والسلام، وأن تحميه من الشرور والآثام، وتعد الكتابة في هذا المجال أحد مظاهر الحرص على إبراز هذا النموذج الإسلامي الرائع، والحفاظ على التراث الفقهي والسياسي الإسلامي الذي يعكس كيفية تطبيق الإسلام في الحياة السياسية والإدارية، ويُعتبر هذا التراث مرجعاً مهماً للباحثين والمهتمين في العصر الحديث لفهم كيفية تطبيق الشريعة في ظل الدول المعاصرة.
10- تسليط الضوء على التحديات التي واجهتها الدول الإسلامية عبر العصور:
سواء كانت هذه التحديات على مستوى الحكام أم المحكومين أم المنهج الذي يعتمد عليه في إدارة شؤون البلاد، ومواجهة أعدائها، كما تكشف كتب السياسة الشرعية عن العديد من مخططات الأعداء وشبهاتهم، التي يهاجمون بها الدولة الإسلامية، وسبل المواجهة الرشيدة لهذه الشبهات والتحديات.