جاء في التوراة أن الله أوحى إلى موسى عليه السلام أن يتخذ مجلسًا من سبعين شيخًا من شيوخ بني إسرائيل(1) ويسمونه «مجمع السهندرين»، وهو يتألف من حاخاماتهم بزعامة الكاهن الأكبر، وقد ظل مجمع السهندرين قائمًا حتى انفض عام 70م، بعد تدمير هيكل سليمان، وتمزق اليهود وتشتتهم في شعاب الأرض، ولكن حلت محله هيئات سرية ترعى شؤون اليهود، وتعمل مستخفية.
وفي عام 1807م، حاول نابليون بونابرت إحياء السنهدرين القديم في هيئة تضم الحاخامات والعلمانيين؛ لجمع شمل اليهود تحت لوائه، بغيه الإفادة منهم في تحقيق مشروعاته الاستعمارية في الشرق خاصةً، غير أن إخفاءه في تحقيق أطماعه أحبط تلك المحاولة.
وأخيرًا تولت «الكيهيلا» قيادة اليهود -ومعناها في العبرية «المحكمة العليا»- وهي تضم أقطاب اليهود من رجال الدين والفكر والمال والسياسة، وتشرف على كافة الأنشطة اليهودية التي تقوم بها المنظمات المختلفة في العصر الحديث، فتتلقى منها ما تستجمع من بياناتٍ ومعلوماتٍ، وتتولى التنسيق بينهما، ومتابعتها واستغلالها، وتعرف هيئة «الكيهيلا» حاليًا بالمؤتمر اليهوديّ العالميّ، الذي يعمل على احتواء اليهود في أقطار الأرض، والتوفر على تحقيق ما وعدت به التوراة من سيادة اليهود لشعوب العالم، وسيطرتهم على أرجاء المعمورة باعتبارهم شعب الله المختار.
ويعترف الحاخام دراهما بانتظام الهيئات اليهودية السرية المختلفة تحت شعار واحد، وهدف موحد، أياً كان نشاطها، وأينما باشرته؛ حيث يقول في كتابه «التناسق»: «إن جميع الجمعيات السرية موسومة بطابع واحد، إذ كلها تعمل بقيادتنا»(2).
منظمات يهودية علنية
بعد أن ظفر اليهود بحقوق المواطنين في القرن الثالث عشر -الثامن عشر والتاسع الميلاديين- سارعوا بإنشاء جمعياتٍ يهوديةٍ سافرةٍ في عدة أقطار، مثلًا جمعية عشاق صهيون، التي أنشئت في أوديسا عام 1298هـ/ 1882م، وحركة التنوير «الهاسكالاه» في ألمانيا، التي أنشأها موسى مندلسون، وجمعية الاستعمار اليهوديّ التي أنشأها البارون أدموند دي هيرش، وجمعية كاديناح النمسوية، التي كان يرأسها ناتا بيرنباوم، وجمعية صهيون النمسوية، التي تولى رئاستها تيودور هرتزل.
وبمجهود هرتزل التأم أول مؤتمر عالميّ في مدينة بال بسويسرا، في 29 أغسطس 1897م، يضم أقطاب اليهود من أقطار الدنيا؛ حيث توفروا على توحيد جهودهم، والسعي لتحقيق آمالهم.
وبالنظر لنجاح هذا المؤتمر من وجهة النظر الصهيونية، فقد تقرر عقده بصفة دورية، وأنشئت المنظمة الصهيونية العالمية في ألمانيا تنفيذًا لقرار ذلك المؤتمر، وهذه المنظمة هي أعلى سلطة تشرف على النشاط الصهيونيّ بمختلف صوره وأدواته، وتتولاه بالتوجيه والتمويل والمتابعة، دعمًا لـ«إسرائيل»، باعتبارها محور هذا النشاط وهدفه الأول.
وإلى جانب هذ المنظمة يقوم المؤتمر اليهوديّ العالميّ، ويمثل الهيئة العليا التي تتولى شتات اليهود بالرعاية، وتهيئ لهم السيطرة على أنحاء المعمورة، وتعمل على إنشاء الحكومة اليهودية العالمية.
وقد باشرت المنظمة الصهيونية مهمتها إلى عام 1348هـ/ 1929م؛ حيث تكونت الوكالة اليهودية في فلسطين وحلت محلها، فلما أعلن قيام دول «إسرائيل» عام 1367هـ/ 1948م، تكونت الحكومة اليهودية من بين أعضاء الهيئة التنفيذية للوكالة اليهودية.
ومن المنظمات اليهودية السافرة: منظمة «بنادي بريث» ومهمتها الدعوة الصهيونية، وجمع التبرعات لـ«إسرائيل»، ومنظمة الهداسا النسائية الصهيونية، ومقرها نيويورك، ولها فرع في مدينة القدس، ويشمل نشاطها الشؤون الطبية، وتقوم بالإشراف على جمع التبرعات لتمويل النشاط الصهيونيّ، ومثلها المنظمة الصهيونية النسائية العالمية، المعروفة باسم «ويرز» التي تنتشر فروعها في شتى أنحاء العالم، والمجلس القوميّ لجماعة شباب «إسرائيل»، وقد اعتمدته هيئة الأمم المتحدة بوصفه منظمة غير حكومية للشباب اليهوديّ، ويمتد نشاطه إلى الأمريكتين فضلًا عن «إسرائيل»، واتحاد عمال «إسرائيل» (الهستادورت) ومنظمة «سندات إسرائيل» في نيويورك؛ لتمويل المشروعات الصهيونية.
__________________
(1) الإصحاح 24 من سفر الخروج.
(2) دفائن النفسية اليهودية للزعبي، ص 158.
المصدر: كتاب أساليب الغزو الفكري للعالم الإسلامي.