يتراجع التفاعل الاجتماعي شيئاً فشيئاً، ربما بين أفراد الأسرة الواحدة؛ بسبب تغول وسائل الاتصال والتواصل، وتنامي قدرات الهواتف الذكية، وغلبة النمط المادي على وتيرة الحياة، وتفكك أواصر القرابة والصداقة، وانخفاض الثقة بالآخرين، بالإضافة إلى عوامل أخرى، تختلف من مجتمع إلى آخر، وتتعلق بالظروف السياسية والأمنية والاقتصادية من مجتمع إلى آخر.
وخلال العقود الأخيرة، لوحظ انخفاض في عدد الأشخاص الذين أفادوا بوجود شخص مقرب في حياتهم، كما انخفض الوقت الذي يقضيه الشخص مع الأسرة والأصدقاء والزملاء والجيران، من 15 ساعة إلى 10 ساعات فقط في الأسبوع، وفق بيانات صادرة عن مكتب الإحصاء الأمريكي.
وتفيد دراسة طبية، بأن الشخص الذي يعاني من العزلة الاجتماعية يكون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، خاصة أمراض القلب والسكتة الدماغية، كما تتراجع قدرته على إنجاز المهام اليومية، وتتراجع كفاءته الوظيفية والأسرية، حيث تنعكس تلك المشاعر السلبية على دوره كموظف وزوج وأب.
تقول الكاتبة الأمريكية جيسيكا ستيلمان: إن الافتقار إلى التفاعل البشري له نفس التأثير الكبير على مستويات الطاقة، مثله مثل الافتقار إلى الطعام، في إشارة إلى أهمية الغذاء الروحي والنفسي الذي يوفره الاتصال الاجتماعي مع الآخرين.
هذه السطور تقدم لك خارطة طريق من 5 نقاط، للتخلص من العزلة الاجتماعية.
أولاً: حث النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار الأصدقاء، وشبهه ببائع المسك، فقال: «مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والسَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ: إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمَّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه رِيحاً طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ: إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أنْ تَجِدَ رِيحاً خَبِيثَةً» (رواه البخاري)، وفي الحديث دلالة قوية على ما يمثله الصديق الصالح من عطر يدخل البهجة إلى نفس صاحبه، ويخلصه من مشاعر الإحباط والاكتئاب والعزلة إذا تعرض لها.
ثانياً: عليك بصلة الرحم، فهي علامة من علامات الإيمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليـكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» (رواه البخاري)، وقال النبي الكريم: «من سره أن يمد له في عمره، ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء، فليتق الله وليصل رحمه» (رواه البزار والحاكم).
وفي الحديثين دلالة على فوائد ومكاسب صلة الرحم، ودورها في التخلص من الأمراض، ونيل طول العمر، والبركة في الرزق، والنجاة من المهالك؛ لذلك تجد من يداوم على صلة الرحم في حالة نفسية جيدة، كونه يحظى بعلاقات اجتماعية إيجابية، وانفتاح على الآخرين، يترجم بالتأكيد في قبول ومحبة له بين الناس.
ثالثاً: تفيد دراسة طبية بأن من يعانون من العزلة الاجتماعية، قليلاً ما يمارسون التمارين الرياضية، وغالباً لا ينامون جيداً؛ ما يزيد من خطر إصابتهم بالسكتة الدماغية بنسبة 32%، وأمراض القلب بنسبة 29%، كما أن هناك ارتباطاً بين العزلة وارتفاع الإصابة بمرض الزهايمر، كما أن الشعور بالوحدة والعزلة يعادل تأثير تدخين 15 سيجارة يومياً؛ لذلك ينصح بممارسة الرياضة، وممارسة الهوايات المحببة للنفس، والمشي قليلاً في الهواء الطلق، وركوب الدراجات أو السباحة أو كرة القدم، وغير ذلك من أنشطة كفيلة بتبديد حالة العزلة، وإيجاد حالة جديدة من التواصل الاجتماعي مع الآخرين.
رابعاً: الحد من قضاء الكثير من الوقت على مواقع التواصل التي يشبها البعض بمواقع التقاطع، كونها اختزلت علاقات الصداقة والقرابة في إشارات صماء مثل إشارات الإعجاب والمشاركة والتفاعل، دون تواصل فعلي وحسي مع الآخر، الأمر الذي يتكرر في أمر المواساة والاقتصار على تقديم واجب العزاء على «فيسبوك» مثلاً، دون مواساة أهل الميت؛ لذلك يجب عدم الاستغراق في الفضاء الإلكتروني، واستعادة العلاقات الاجتماعية بالوسائل التقليدية مثل الزيارة والاتصال الهاتفي وغيره، فالروابط الاجتماعية ليست بعدد المشتركين على صفحتك أو قناتك على «يوتيوب»، بل بجودة التواصل والتفاعل مع الأصدقاء والزملاء والمعارف.
خامساً: سارع بتقديم المساعدة إلى الآخرين، أو شارك في عمل تطوعي أو خيري، قم بتوزيع الصدقة والزكاة، حاول أن تدخل السرور إلى قلب أخيك المسلم، اعمل على تفريج كربة لشخص ما، قدِّم خدمات طبية أو تعليمية مجانية، اسعَ لإصلاح ذات البين، وغير ذلك من أنشطة اجتماعية يكون لها الأثر الحسن والأجر الكبير.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن نَفَّسَ عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَبِ الدنيا، نَفَّسَ اللهُ عنه كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ» (رواه مسلم)، وفي الحديث نفسه: «ومَن يَسَّرَ على مُعسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرةِ»، فهذا مما يدخل الفرحة على قلوب العباد، وفي الوقت ذاته، يخلصك تماماً من مشاعر الإحباط والعزلة.