جاء القرآن الكريم إلى المؤمنين ليكون هاديًا لهم من ظلمات الضلال والغي، ولكي ينير طريقهم في ظل ظلمات الجهل، وليخبرهم بالطريق إلى التوبة والعودة عن الخطايا والآثام، ولتحصيل ذلك كله كان لا بد من أمر مهم حثنا كتاب الله عليه لنستطيع نيل ما نريد من هدايات تحويها آيات، وهو أمر تدبر آيات الله؛ لتقدم لنا الحلول لكل ما يعترضنا من مشكلات مادية أو معنوية أثناء سيرنا إلى الله تعالى في هذه الدنيا.
وذلك أردنا أن نتوقف لنتدبر آية واحدة من كتاب الله ليكون ذلك درسًا عمليًا للتدريب على تدبر كتاب الله، وما به من درر وكنوز ثمينة يجب علينا السعي الحثيث لاستخراجها؛ كي نستطيع الفوز بما تحتويه من مكافآت لعباد الله الصادقين، الجادين حقًا في طلب الآخرة ونعيمها الذي أعده الله لعباده المتقين.
ولكي يكون درسنا اليوم عمليًا وعلميًا في آن واحد، أحببنا أن نجعل لتدبر آية تتحدث عن طلب العفو وإعلان التوبة الصادقة لله؛ لضمان نيل مغفرة الله في الآخرة حتى لا يكون الإنسان قد عرّض نفسه لغضب ربه في ساعة لا ينفع فيها الندم، وقد وقع الاختيار على آية ربما يحفظها الكثيرون لكن ربما يدرك دررها الثمينة القليلون.
فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) (النِساء: 110)، وهي آية كلماتها قليلة، ولكن جوائزها كثيرة وعديدة لمن فطن إليها، ومن آداب هذه الآية وأحكامها وفوائدها للمؤمنين ما يلي:
1- دعوة جميع العصاة في الأرض إلى التوبة، بمن في ذلك الكافرون والمنافقون.
2- أن الله تعالى يغفر ذنب العبد مهما كبر، وأنه لا يحيل دون ذلك شيء.
3- وعد مؤكد من الله تعالى بقبول التوبة من عباده بشرط أن تكون صادقة.
4- إعلام بكرم الله تعالى غير المحدود بمنح التائب الرحمة الواسعة من الله بعد المغفرة.
5- إعلام بعظمة خالق هذا الكون الذي يقابل الإساءة بالعفو وظلم النفس بالرحمة والتوبة.
6- حجم البون الشاسع بين المعصية والاستغفار، وما يؤدي إليه كل منهما، كما دل عليه التعبير المستخدم «ثم».
7- الإخبار بأن لأسماء الله الحسنى وصفاته العلا معاني وآثارًا في الحياة الدنيا.
8- الإخبار بأن التوبة تصح من المذنب ولو تجدد ذنبه مرات ومرات، وقد دلّ على ذلك استخدام الفعلين «يعمل» و«يظلم» في صيغة المضارع للدلالة على الاستمرار والتجدد.
9- الإعلام بأن الإنسان رغم تميزه عن غيره من المخلوقات بالعقل، فإنه قد يكون عدوًا لنفسه وظالمًا لنفسه.
10- الإخبار بإمكانية استدراك ما فات المذنب من حسنات ونعيم بارتكاب الآثام، وإمكانية وصوله إلى الكمال بعد التقصير.