لقد أدرك العالم ما للأزمات من عوائد إيجابية في الارتقاء بالأداء الإنساني، فنجد في بروكسل مقراً لـ«مجموعة الأزمات الدولية»؛ وهو ما يعتبر كياناً قانونياً وله فروع في كل من واشنطن وموسكو ولندن، وعمليات تنسيق مع بكين إلى جانب محللين في أكثر من 60 دولة تواجهها أزمات، ومما تعتبره بحكم الأزمات قضايا الطاقة، والتغير المناخي وفيروس نقص المناعة (الإيدز).
ما يلي نستعرض نماذج مختلفة، كي ننتقل بعد ذلك لما خصصنا له فصلاً حيال آلية العامل مع الأزمة للخروج بمنتج أو مشروع نهضوي أو تنموي.
1- تمويل المشروعات الصغيرة الذي بدأ من بنغلادش في عام 1980م.
2- مشروب «Gatorade» الذي تم تطويره عن شراب دوائي للقضاء على مرض الكوليرا في الدول الفقيرة عام 1960م.
3- إتمام العمليات البنكية عبر شبكات الهواتف الجوالة ضمن مقطورة بدلاً من فتح فرع للبنك، وهو ما تم في كينيا ثم انتشر على نطاق عالمي.
4- عمليات الجراحة المخفضة التكاليف لتصل قيمة عملية العين الواحدة جراحياً 30 دولاراً، وعمليات القلب 2000 دولار في الهند.
5- غزة؛ الحصار الاقتصادي، وتطوير الأسلحة بما هدد «القبة الحديدية» للعدو.
6- منتجات الأقمشة من نبات الأناناس؛ حيث دأبت بعض دول جنوب شرق آسيا في صناعة الملابس والأحذية من مواد غير تقليدية كالتي عهدناها دولياً، للخروج من أزمة صناعات فرضتها مواد تقليدية، مثل: منتجات الأحذية من نبات الفلين والذرة، منتجات الأقمشة من نبات الملفوف!
إذاً، نحن أمام إنجاز غير مسبوق حين عمدنا لعناصر مستحدثة عوضاً عن الأساليب التقليدية في إنتاج الألبسة؛ ما يعني أن ذات المجتمع لو التزم بالنمط التقليدي في التفكير لأضحى يشعر بالأزمة، غير أن جسارته في اعتماد عناصر أخرى جعلته في الصدارة فيما أنجزه.
وثمة صور عدة تبين ما للأزمات من عوائد إيجابية، مثل:
1- ثورة الملح.. وغاندي:
الظرف: احتلال بريطاني للهند.
المشروع: مقاومة من دون سلاح؛ عبر تجفيف ماء البحر لاستخراج الملح الذي كان من المحرم إنتاجه من قبل الهنود.
2- ألمانيا.. أديداس:
عبر مخلفات الجلود من أحذية وحقائب جلدية إبان الحرب العالمية الثانية، فـ«أديداس» شركة ملابس رياضية مقرها ألمانيا، تم تنظيم الألعاب الأولمبية في مدينة ميونيخ الألمانية في صيف 1936م، وقرر «أدولف» أن يقوم بإنتاج الأحذية الرياضية ذات المسامير في أسفلها من أجل الرياضيين المتنافسين كطريقة للترويج لمنتوجه.
فعندما كان في سن المراهقة، كانت ألمانيا تعيش مرحلة الانحسار الاقتصادي بعد الحرب العالمية الأولى، فقد نشأ «أدولف» في تلك الحقبة بألمانيا ولم ينهزم أمام الظروف الصعبة المحيطة به، فقد ساعد أسرته في صناعة «الشباشب» من مخلفات الحقائب التي خلفها الجيش في تلك الحرب.
كان يعشق الرياضة، وبالأخص كرة القدم، فبدأ في عام 1920م بصناعة الأحذية الرياضية، واتصل بمجموعة من الأطباء والمدربين الرياضيين بهدف تطوير أحذية ملائمة للرياضيين، واستطاع أن يطور مجموعة من الأحذية بناء على نوع الرياضة، فهناك أحذية للتنس، وثمة أحذية لكرة القدم، وأخرى لرياضة المشي، وقد لبست أحذية «أديداس» في الألعاب الأولمبية عام 1928م.
خاض «أدولف» الريادة في تطوير الأحذية الرياضية، وحرص على أن يتم صناعتها من المواد المناسبة والمطورة لهذا الهدف، فقد كان يخضع الحذاء والمواد المصنعة منه لآلاف الاختبارات كي يتحقق من الفائدة المرجوة وبالشكل الذي يتطلع له، وجرب مواد عديدة بما فيها جلود سمك القرش، وجلد حيوان الكنغر، وانتهت تجاربه باختراع الأحذية «النايلونية».
3- هنري نستله:
ولد هنري نستله في سويسرا عام 1814م، ودرس الكيمياء وتمرس علم الصيدلة من خلال الخبرة والعمل، حيث لم يكن أبداً يتخيل نفسه بأنه سيكون في يوم من الأيام رجلاً سيغير العالم!
عندما أصبح عُمْر نستله 29 عاماً، قام بجمع المال واشترى مصنعه الأول المتواضع ليصنع زيت الجوز والبندق، وكان متأثراً جداً بموت الأطفال الرضع في تلك الفترة بسبب عدم تقبلهم حليب أمهاتهم ورفضهم للرضاعة الطبيعية، حيث حاول كثيراً لاختراع حليب آخر يحل محل حليب الأمهات، وذلك من خلال تجفيف حليب البقر وخلطه مع بعض المكملات الغذائية، وفعلاً نجح في عام 1867م.
لكن الناس كانوا يعارضون فكرته وقتها، واستطاع اختراع نستله أن يُنقذ طفلاً وُلِد قبل أوانه، وحالته ميؤوس منها، حسب رأي الأطباء، وبعدها حقق هذا الاكتشاف إقبالاً غير متوقع، حتى إن المصنع لم يستطع أن يلبي في تلك الفترة جميع الطلبات، وفعلاً فقد أصبحت أول شركة تبيع الغذاء للأطفال، وأول شركة تبيع الحليب المركز في أوروبا، وأول شركة تصنع حليباً بالشوكولا، وأول شركة تبيع القهوة المجففة (نسكافيه)، وأول شركة تبيع القهوة المثلجة.. وغيرها الكثير.
4- كوريا.. وبناء المدارس من القناني البلاستيكية:
لم يكن من السهل تدشين المدارس ذات الكلف العالية في القرى الكورية؛ ما جعل مجتمعاتهم الفقيرة تعمد لعملية تدوير نفايات قناني البلاستيك لتدشين أبنية لمرافقهم التعليمية.