خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ مَسْجِدِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ»، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ»؛ أي: الزموا دياركم، فإنكم إذا لزمتموها كتبت آثاركم وخطاكم الكثيرة إلى المسجد.
هذا الحديث الذي رواه مسلم، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ يبين أن الذهاب إلى المسجد له أجر عظيم عند الله تعالى، ويتبين ذلك فيما يأتي:
1- الشهادة بالإيمان:
إن الذاهب إلى المسجد مشهود له بالإيمان، وهذا وارد في قوله تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (التوبة: 18)، وروى ابن ماجه، والترمذي، بإسناد حسن، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري، أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ، فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ».
بل إن الاختلاف إلى المسجد ذهاباً وإياباً يصيب من الخير ما يزداد به إيمانه، ويدل على هذا ما رواه البزار عن الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: مَنْ أَدَامَ الِاخْتِلَافَ إِلَى الْمَسْجِدِ أَصَابَ آيَةً مُحْكَمَةً، أَوْ رَحْمَةً مُنْتَظَرَةً، أَوْ عِلْمًا مُسْتَطْرَفًا، أَوْ كَلِمَةً تَزِيدُهُ هُدًى، أَوْ تَرُدُّهُ عَنْ رَدي، أَوْ يَدَعُ الذُّنُوبَ خَشْيَةً أَوْ حَيَاءً.
2- كتابة أجر المشي إلى المسجد والرجوع منه:
روى مسلم في صحيحه، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ وَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ صَلَاةٌ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ، أَوْ قُلْتُ لَهُ: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ، وَفِي الرَّمْضَاءِ قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ».
3- مغفرة الذنوب ورفع الدرجات:
روى مسلم في صحيحه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ كَانَتْ خُطْوَتَاهُ: إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً».
وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟»، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ»، وروى ابن خزيمة بسند صحيح عن عثمانَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «مَن توضّأ فأسبغَ الوضوءَ، ثم مشى إلى صلاةٍ مكتوبةٍ، فصلاّها مع الإمام؛ غُفرَ له ذنبُه».
4- نيل أجر الصدقة:
روى البخاري، ومسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، قَالَ: تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، قَالَ: وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ».
5- استحقاق الإكرام:
إن الذاهب إلى المسجد هو ضيف الله تعالى، حيث إن بيوت الله في الأرض المساجد، وعُمّارها زوارها، والله عز وجل يكرم زائره، روى الطبراني وصححه الألباني عَنْ سَلْمَانَ، أن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ، فَهُوَ زَائِرُ اللهِ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ الزَّائِرَ».
6- إقبال الله عليه:
روى ابن خزيمة في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب عن أَبي هُرَيْرَةَ، أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَتَوَضَّأُ أَحَدُكُمْ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ وَيُسْبِغُهُ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ، إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ إِلَيْهِ كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِطَلْعَتِهِ»، قال ابن الأثير: البش هو فرح الصديق بالصديق، واللطف في المسألة والإقبال عليه، وهذا مثل يدل على تلقيه ببره وتقريبه وإكرامه.
7- لا يزال في صلاة ما دام في المسجد:
روى مسلم في صحيحه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ، لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ».
8- أعظم الناس أجراً في الصلاة:
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي مُوسَى أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ إِلَيْهَا مَمْشًى فَأَبْعَدُهُمْ، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي يُصَلِّيهَا ثُمَّ يَنَامُ».
9- أجر الحجة التامة:
روى الطبراني وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أن النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ».
10- الأمن والجواز على الصراط يوم القيامة:
روى الطبراني، والبزار، بإسناد حسن عَن أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: لِتَكُنِ الْمَسَاجِدُ مَجْلِسَكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ضَمِنَ لِمَنْ كَانَتِ الْمَسَاجِدُ بَيْتَهُ الأَمْنَ وَالْجَوَازَ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
11- النور التام يوم القيامة:
لقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم الذاهب إلى المساجد في صلاة الفجر بالنور التام يوم القيامة، ويدل على هذا ما رواه ابن ماجه، وصححه الألباني عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
12- أعد الله له في الجنة نزلاً:
روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ».