عندما انطلقتُ في رحلتي الإغاثية إلى الحدود التركية السورية، كنت أعلم أنني سأواجه مشاهد مليئة بالألم، لكنني لم أكن أدرك أنني سأرى أملًا يزهر في أوج المعاناة، هنا، بين الخيام المهترئة والبرد القارس، يعيش اللاجئون السوريون حياةً مليئة بالتناقضات؛ ترقباً وخوفاً، فرحاً وألماً، قلقاً وسكينة.
أول ما لفت نظري في المخيمات هو تلك المشاعر المختلطة المرسومة على وجوه النازحين، كانت الأسر تحمل في عيونها فرحة النصر بانتصار الثورة، لكن في الوقت نفسه، يظهر القلق من المستقبل المجهول، تحدثت مع أبٍ لخمسة أطفال، قال لي: نحمد الله أننا في مأمن الآن، لكن ماذا عن الغد؟ هل سنعود إلى ديارنا؟ هل ستتوقف هذه المعاناة؟
هذا الترقب يعكس صمودًا لا ينكسر، ويجسد إيمانًا راسخًا بأن الأمل لا يموت، حتى في أحلك الظروف.
أم عمر، عجوز في الثمانين من عمرها، تجلس في إحدى زوايا المخيم، تحنو على ابنها البالغ من العمر 40 عامًا، الذي يعاني من الضمور، كانت تتحرك بصعوبة لكنها لا تتوقف عن العناية به، قالت لي: ابني أمانة في رقبتي، طالما أنا حية سأخدمه.
كانت كلماتها مليئة بالقوة، وحركتها البطيئة تحمل كل معاني الإصرار، مشهدها هزّني حتى الأعماق، فهي تمثل صورة للأمومة الحقيقية، التي لا تعرف عمرًا ولا حدودًا.
بينما كنت أمشي في المخيم، رأيت مجموعة من الأطفال يركضون بين الخيام، يضحكون بصوت عالٍ وهم يرتدون ملابس شتوية جديدة وزّعت عليهم للتو، كانت وجوههم تشع فرحًا رغم بساطة ما حصلوا عليه.
سألني أحدهم: هل سأرتدي هذه الملابس كل يوم؟
كان الجو باردًا جدًا، لكن حرارة سعادتهم بدّدت كل شيء، هذا المشهد أكد لي أن السعادة ليست بما نملك، بل في كيف ننظر إلى ما نملك.
عائلة تجتمع حول موقد صغير في خيمة مهترئة، تحكي قصصًا عن الديار التي تركوها خلفهم.
شاب يساعد في توزيع المساعدات، يقول: نحن هنا نعيش الألم، لكننا نقاوم بالعمل معًا.
امرأة تُخرج من حقيبتها صورة قديمة لمنزلها المهدّم، تبكي لكنها تقول: سنعود، لا يهم كم سيطول الأمر.
هذه الرحلة لم تكن مجرد زيارة إنسانية، بل كانت درسًا في الصبر والصمود، علمتني أن الألم يمكن أن يتحول إلى قوة، وأن البساطة يمكن أن تكون مصدرًا للسعادة.
أكتب هذه الكلمات وأنا ممتن لكل لحظة قضيتها بين هؤلاء النازحين، رسالتهم واضحة: لا نريد شفقة، نريد تضامنًا؛ لذا أدعو الجميع إلى تقديم الدعم بكل الوسائل الممكنة، لأن كل مساعدة، مهما كانت صغيرة، تحمل في طياتها رسالة أمل كبيرة.
اللاجئون السوريون على الحدود التركية يعيشون بين الترقب والخوف والفرحة، رغم المعاناة، لا يزال لديهم أمل يتجدد في كل يوم، هذه الرحلة أكدت لي أن الإنسانية لا تموت، وأن العطاء هو السبيل لجعل العالم مكانًا أفضل.