عانت المرأة السورية في شتى المناحي الحياتية طيلة حقبة حكم بشار الأسد، بدءاً من الظروف الاقتصادية المتدهورة، ومروراً بالكثير من ملامح الواقع المجتمعي المشوه وانتهاء بالواقع السياسي المأزوم الذي انتهى بها وبأسرتها إلى الاغتراب أو السجن وحتى القتل، لكن الواقع الجديد بعد سقوط نظام الأسد، يفرض تحديات جسيمة، ويتطلب تحركات عاجلة، فما أهم الأدوار التي يمكن أن تمارسها المرأة السورية لدعم الثورة والخروج بالبلاد من نفق السنوات العجاف؟
في البداية، يرى المفكر السوري، أستاذ المذاهب والأديان د. ثائر الحلاق، أن سقوط نظام الأسد لا يعني انتهاء مأساة المرأة السورية، بل بدأت تحديات جديدة، فلدينا على سبيل المثال أكثر من مائة ألف أرملة كن يقمن في إدلب ومخيماتها فحسب، والآن يواجهن أمرين: شح الدعم والعجز عن تعليم أولادهن، ويضيف: والمطلقات لسن أحسن حالاً من الأرامل، ولا سيما بعد أن فقدن السند.
وعن تحدٍّ من لون مختلف يستطرد: بالنسبة لقطاع التعليم، فقد تجاوزت نسبة الإناث في الجامعات 60% بل يزيد، وتخرج خلال عقد من الزمن عدد كبير منهن، وأكثرهن يعانين من بطالة مقنعة حيث يعمل بعضهن في منظمات إنسانية بعقود مؤقتة، أو معلمات في المساجد بأجور رمزية زهيدة، وبعضهن الآخر لم يجدن عملاً فبقين حبيسات البيوت.
وعن الدور الحقيقي الذي ستقوم به المرأة السورية بعد سقوط الأسد، يرى د. الحلاق، خلال حديثه لـ«المجتمع»، أن سورية بلد تقليدي محافظ، فالمرأة الريفية ستتولى العمل في أرضها، وامرأة المدينة، فنظراً لتدني الأجور (25 دولاراً شهرياً) ستضطر إلى الجمع بين عملين يستهلكان وقتها كله وجهدها.
أما عن أكبر التحديات التي تواجه المرأة في نظر د. الحلاق فهي التمزق الأسري، فقد تشتتت الأسر وتوزعت بين الداخل والخارج، وعدم الاستقرار هذا قد أورث أمراضاً اجتماعية ليس في قدرة المرأة وهي ركن الأسرة التخلص منها، لذلك تحتاج المرأة وقتاً طويلاً لترميم نفسها مما أصابها من نكبات الحرب قبل أن تفكر بأي مشاركة فاعلة في الدولة والمجتمع، ويعتقد أن مشاركتها الحقيقية ستكون في الحقل الدعوي مستفيدة من خبرة اكتسبتها خلال سنوات الثورة.
أما الناشطة والطبيبة النفسية السورية إيمان تلوو، فترى أنه قبل التفكير في الدور الذي يمكن للمرأة السورية القيام به علينا أن نفكر في كيف تتلقى دعماً مناسباً، موضحة أن دور المرأة الأمومي يأتي أولاً عن طريق قيامها بتربية أبنائها على درجة من الوعي العام، مع الأهمية الخاصة لمفاهيم الحرية والعدالة ورفض أي نوع من الاستبداد.
وأضافت تللو، لـ«المجتمع»، أن بإمكان المرأة أن تتصدر مجالات التربية والتعليم خاصة في المرحلة الابتدائية حسب اختصاصها ومؤهلاتها وخبراتها، ويمكن بالتالي المساهمة في إعادة البناء التربوي والتعليمي وفق مفاهيم الثورة السورية.
ولفتت النظر إلى أن هناك دوراً مهماً للمرأة السورية في المجال الصحي عموماً والطبي خصوصاً، حيث أثبتت به جدارتها على المستوى العالمي كما هو معترف لها به، مؤكدة أهمية الرعاية الصحية النفسية وتقديم الخدمات الطبية النفسية بكل أشكالها ولكل الفئات المستهدفة، وترى أن للمرأة بالتأكيد دوراً كبيراً في هذا المجال التخصصي المهم.
أما عن مجال إعادة بناء الدولة من الناحية العمرانية والاقتصادية، فترى تللو أن البلد مدمر وبحاجة لجميع الخبرات؛ لذا لا بد من استثمار الخريجات الجامعيات، مضيفة أن عودة الأسر من مخيمات اللجوء إلى الريف السوري الواسع الذي هجروا منه يسمح أن يكون لها دور مهم في إحياء الأرض والزراعة، وهو جانب اقتصادي مهم يحتاج إعادة البناء والتنمية والتطوير، مؤكدة أنه يجب أن يكون للمرأة السورية صوت مسموع ورأي محترم ومشاركة في مختلف المجالات على الصعيد الوطني والدولي بلا استثناء.
وعن الآلية التي تسمح بهذا الدور السياسي، ترى تللو أن ذلك التوافق يكون بالحوار والدراسة الجيدة لمختلف الرؤى وأيها تصب في مصلحة الثورة ومطالبها في الحرية والكرامة والعدالة وإعادة البناء.
أما الكاتبة والأديبة السورية عبير النحاس فترى، في حديثها لـ«المجتمع»، أن الأدوار التي يمكن للمرأة أن تقوم بها وتمثلها كثيرة جداً، وموجودة بشكل عام في مختلف المجالات، بداية من دورها كأُم ومربية، مروراً بدورها كمعلمة ومهندسة وطبيبة ومعالجة نفسية وفنانة وكاتبة وصحفية وسياسية ورائدة أعمال.
وأضافت أن وجود المرأة يكاد لا يختفي إلا من بعض المجالات التي لا تؤهلها بنيتها الجسدية أو حالة المجتمع للتواجد فيها، مؤكدة أن هذا أمر إيجابي جداً، وفي ضوء هذا التحليل تقرأ النحاس تصريحات بعض رموز الثورة التي تم استغلالها لتصوير أن الثورة تعادي النساء وتقلل من أدوارهن المجتمعية، حيث ترى أن هناك تعمداً لنشر تصريحات قديمة؛ مثمنة التصريحات المتكررة لرموز الثورة المتعلقة بأن الأمر بالنسبة للدور السياسي للمرأة متروك للجهات المختصة، وأنه لن يتم فرض توجه معين.
وتشكك النحاس في بعض وسائل الإعلام كونها تتعمد إظهار التوجه الإسلامي لدى أفراد الحكومة الانتقالية بطريقة تثير البلبلة واللعب على وتر المساواة بالنسبة للمرأة، وعلى الرغم من ذلك، بحسب قولها، فإن هذه الرؤية لا تزعج المرأة السورية العادية التي أنهكتها سنوات الغربة والحرب، وعرفت بالطريق الصعب أن دورها الأهم يحتاج منها الكثير ويحتاجها أيضاً مرتاحة وسعيدة.