دَخَلَ رَسُولُ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو أُمَامَةَ، فَقَالَ: «يَا أُمَامَةَ، مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟»، قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي، وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟»، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، يَا رَسُولَ، قَالَ: «قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ»، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي.
في هذا الحديث الذي رواه أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم أن غلبة الدين وقهر الرجال من أشد الحالات على الإنسان، ففيها لا يملك سداد دينه، ويكون في أمسّ الحاجة إلى تفريج هذا الكرب؛ لذا فقد أمر الإسلام أتباعه بالتيسير على المعسرين، أو التجاوز عنهم، وجعل لهذه العبادة ثواباً عظيماً وأجراً كبيراً، ومن ذلك ما يأتي:
1- الاستجابة لأمر الله:
أمر الله تعالى بإنظار المعسر أو التنازل له إن كان صاحب المال غير محتاج إليه، أو ينوي به الصدقة، حيث قال الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 280)، فمن أنظر المعسر أو وضع عنه فقد استجاب لأمر ربه، وحقق الخير لنفسه.
2- تحصيل ثواب الصدقة:
يمكن لصاحب المال أن يضع الدَّيْن عن المعسر، بنية الصدقة، فيكون ذلك خيراً؛ (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 280)، وروى الإمام أحمد في مسنده وصححه الألباني عن بريدة قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْليهِ صَدَقَة».
3- الفوز برحمة الله تعالى:
يسهم الإنظار للمعسر أو وضع الدَّيْن عنه في رحمته من عذاب الحاجة وألمها، ولما كان صاحب المال يرحم المدين بإنظاره؛ جازاه الله تعالى بأن يرحمه، حيث روى أحمد في مسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو عن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ».
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة لمن كان سمحاً في طلب حقوقه، أو العفو عنها، حيث روى البخاري في صحيحه، عن جابر أنَّ رسول الله قَالَ: «رَحِمَ اللهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى».
4- إجابة الدعاء:
إن من فضل الله تعالى على من أنظر معسراً أو وضع عنه أن يفرّج الله عنه كربته كما فرّج عن المدين كربته، وأن يستجيب دعاءه، فقد روى أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ تُسْتَجَابَ دَعْوَتُهُ، وَأَنْ تُكْشَفَ كُرْبَتُهُ، فَلْيُفَرِّجْ عَنْ مُعْسِرٍ».
5- النجاة من كرب يوم القيامة:
في الحديث السابق تأكيد أن من أراد أن يفرج الله عنه كربته فليفرج كربة غيره ويضع عنه دينه أو ينظره في سداده من غير استغلال، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أكد في أكثر من حديث أن الله يفرج عنه كرب يوم القيامة، ففي صحيح مسلم أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ فَتَوَارَى عَنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ، فَقَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ: آللَّهِ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عنه».
وروى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة».
6- السلامة من فيح جهنم:
روى الإمام أحمد في مسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَقُولُ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَأَوْمَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ لَهُ، وَقَاهُ اللهُ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ».
7- الدخول في ظله تعالى يوم لا ظل إلا ظله:
إن الإعسار من أعظم كرب الدنيا، فجُوزِيَ الذي نفَّس عن أحد من المعسرين بتفريج أعظم كرب الآخرة وهو هول الموقف وشدائده بأن يستظل بظل عرش الله، ويدل على هذا ما رواه الإمام مسلم في صحيحه، عن كعب بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عنْه، أَظَلَّهُ اللَّهُ في ظِلِّهِ»، وأخرج الدارمي بسند صحيح عن أبي قتادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من نفّس عن غريمه، أو محا عنه، كان في ظل العرش يوم القيامة».
8- الله يتجاوز عنه ويدخله الجنة:
من تجاوز عن المعسر؛ تجاوز الله عنه، فقد روى البخاري ومسلم عن حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَلَقَّتِ الْمَلاَئِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لاَ، قَالُوا: تَذَكَّرْ قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَجَوَّزُوا عَنْهُ».
وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا، فَلَقِي اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ».